الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

من "جبال الصوّان": لا تخافوا. ما فيه حبوسة تساع كلّ الناس!

عقل العويط
عقل العويط
من "جبال الصوّان": لا تخافوا. ما فيه حبوسة تساع كلّ الناس!
من "جبال الصوّان": لا تخافوا. ما فيه حبوسة تساع كلّ الناس!
A+ A-

في مسرحيّة "جبال الصوّان" للأخوين رحباني، لا تتردّد غربة (فيروز)، وهي لساني وصوتي، بل لسان الأحرار وصوتهم، في كلّ مكانٍ وزمان، في أعلان التصدّي المباشر (وجهًا لوجه) لفاتك، الحاكم المتسلّط (أنطوان كرباج)، الذي يهدّدها بالسجن بسبب تحدّيها له وتَجَرُّئها عليه، قائلةً له بالحرف الواحد وبالصوت الجهير الملآن: "الأرض ملك الكلّ، لكنْ ما بتساع الناس والظلم. لمّا بيوقع الظلم بتضيق الأرض"، فيجيبها فاتك )بهدوء(: "عم تحكي أكتر ممّا لازم تحكي (بغضب) يا ها البنت المغروره، بعطيكي فرصة يوم، يا بترحلي يمّا أنا بشعّلا، وبقتلك، إنتي آخر سليلة مدلج، وبتخلص هالقصّه"، فتردّ عليه غربة: "شو بدّك تقتل ت تقتل؟ ما بقا رح تخلص القصّه".

في مسرحيّة السلطة السياسيّة، الآن، وهنا، لا يتردّد حكّامنا الغافلون عن المأساة اللبنانيّة اليوميّة والدائمة، في الجهر بـ"ديموقراطيّتهم غير المسبوقة"، والتصدّي للأحرار عمومًا، وللكتّاب والمثقّفين والمفكّرين والصحافيّين والإعلاميّين المُفصحين عن آرائهم وأفكارهم ومواقفهم المخالِفة لـ"الرأي الواحد" (الإلهي؟!)، الرافضين السياسات القصيرة النظر، الفاسدة، الاستبداديّة والرجعيّة، في السلطة وفي المجتمع وفي شؤون العيش والحياة (الكهرباء، الخبز، التعليم، السكن، الطبابة، الوظيفة...) وفي الاقتصاد والمال، وفي كلّ ما آلت إليه أحوال الناس العاديّين، والأقلّ من العاديّين، الفقراء والموجوعين والمتألّمين والمسحوقين، على يد أهل الحكم.

ساد في الأيّام الأخيرة تعبيرٌ مفادُه ومختصرُه الآتي: ممنوعٌ انتقاد الرئيس أو الرؤساء. لماذا؟ هل نحن في نظامٍ يستمدّ فيه الحاكم سلطته من عند الله، كمثل لويس الرابع عشر و... سواه؟

أفهم أنْ يكون موقفٌ كهذا (ممنوعٌ انتقاد الرئيس أو الرؤساء)، صادرًا عن سلطةٍ شعبويّةٍ غاشمةٍ كسلطة دونالد ترامب، أو عن سلطةٍ دينيّة أخرويّة كسلطة المرشد الأعلى، أو عن سلطةٍ ديكتاتوريّةٍ استبداديّةٍ كسلطة بشّار الأسد، أو عن سلطةٍ ملكيّةٍ عائليّة كسلطات حكّام الخليج العربيّ، فتعمد هذه السلطة أو تلك إلى ملاحقة المنتقد (إلى خطفه مثلًا وإلغائه من الوجود؟!) وترهيبه واعتقاله وجرّه أمام المحاكم والزجّ به في المعتقل. لكنّي لا أفهم (ولا أصدّق) أنْ يتجرّأ مسؤولٌ (أيّ مسؤول) في لبنان، بتهديد الصحافيّين والإعلاميّين وأهل الرأي لأنهم يبدون رأيًا (اقتصاديًّا) أو ينتقدون الرئيس والرؤساء!

في التحليل المبسّط، وللعلم والخبر، فقط لا غير، يتّخذ مثلَ هذا الموقف القمعيّ، مسؤولٌ "ضعيفٌ" و"خائف"، لا مسؤولٌ "قويّ" و"شجاع".

وعليه، أقول للسلطة السياسيّة ما يأتي: أنا مواطنٌ عاديّ أحترم دستور الجمهوريّة اللبنانيّة وأطبّق قوانينها؛ صحافيٌّ وكاتب، لستُ راضيًا عمّا يجري، ولا عن الحياة المهينة التي بلغت القعر، أريد أنْ أعبّر بمسؤوليّة عن رأيي في ما يجري وممّا يجري، وليس لأحدٍ – أيًّا يكن - أنْ يمنعني من الجهر بموقفي، ما دام الدستور اللبنانيّ يحفظ لي هذا الحقّ. كلّ اعتداءٍ على هذا الحقّ، يمثّل اغتصابًا للقانون، يحاكم عليه القانون، وإنْ يكن هذا الاغتصاب متحقّقًا على يد أهل السلطة أنفسهم.

لا يستطيع أحدٌ أنْ يتذرّع بالقانون لترهيب أهل القلم. لذا، أقول للمرهِّبين هؤلاء: أنتم تلعبون بنارٍ حارقة ومحرقة. والنار قد ترتدّ عليكم. وسترتدّ.

وإذا كان فاتك المتسلّط قد هدّد غربة بالقتل، في مسرحيّة "جبال الصوّان"، وعلى بوّابتها، فإني أقول للمسؤولين هنا، والآن: ليس ثمّة مسرحيّة في ما أقول، بل هو الواقع. إيّاكم أنْ تقيموا بين الناس الأحرار وبينكم بوّابةً، كبوّابة جبال الصوّان، لئلّا يضطر هؤلاء الناس (كما أنا المواطن الكاتب والصحافيّ) لا إلى الاستعانة فحسب بنصّ المسرحيّة ذاتها، واستلال الكلام الذي يجب الإنصات إليه مليًّا وعميقًا، ومخاطبتكم بالآتي، بل العمل بمضمونها أيضًا: بيننا وبينكم، بوّابة جبال الصوّان. شو بدكن تقتلو ت تقتلو. ما بقا رح تخلص القصّه.

كلام أخير، أستلّه من الحوار بين غربة وشعبها، شعب أبيها مدلج الذي قُتِل على بوّابة جبال الصوّان.

واحدٌ من الشعب: عمبيقولو بدّن يعتقلوا ناس كتير.

غربه: لا تخافوا. ما فيه حبوسة تساع كلّ الناس. بيعتقلوا كتير، بيبقى كتير وباللي بيبقوا رح منكمّل.

فليفهم المسؤولون جيّدًا: ما فيه حبوسة بتساع كلّ الناس!

[email protected]


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم