الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

... واللئيم إذا شبع

عقل العويط
عقل العويط
... واللئيم إذا شبع
... واللئيم إذا شبع
A+ A-

نشرتُ أمس الجمعة 27/9/2019 مقالي بعنوان "الكريم إذا جاع"، بالتزامن مع لحظة الوجع اللبنانيّة المتعاظمة والمُستشعَرَة لدى الناس الذين، كانوا في ما مضى من أيّام التعقّل الوطنيّ والمجتمعيّ والسياسيّ والاقتصاديّ والماليّ، يمثّلون الطبقة الوسطى.

بُعَيد النشر، اتصل بي قارئٌ متمكّن، من أهل الرأي، ليقول لي إنّ مكمن السرّ والقوّة والذروة في العنوان المقتطَُف من حكمة الإمام علي ابن أبي طالب، ليس في القسم الأوّل من الجملة، "احذروا صولة الكريم إذا جاع"، على أهميّة هذا القسم ودلالاته المُنذِرة بقلب الطاولة، بل في جزئها الثاني المتمِّم لها، "واللئيم إذا تمرّد" (بمعنى: احذروا اللئيم إذا شبع وبغى).

مَن هو اللئيم في الأحوال اللبنانيّة الراهنة؟ أو على مَن تنطبق هذه الصفة، إذا أُريد "إسقاطها" لبنانيًّا؟

اللئيم هو كلّ مَن لا أصل له. يقال عندنا - نحن أهل الأرض والصلابة والشظف والقسوة الزاهدة في الرضوخ للتدجين – في وصف الإنسان ذي "الدكّة الرخوة"، الرخيص، المتقلّب، الغدّار، الخائن، المنتهِز، المتسلِّق، المبدِّل أثوابه ووجوهه، والقافز من ضفّةٍ إلى ضفّة، بأنّه "بلا أصل"، أي بلا شرف، أي بلا كلمة، أي بلا قيم، أي بلا معايير.

كان القارئ الحصيف يريد منّي أنْ أركّز على هذا اللئيم بالذات، في مقالي الآنف نشره وذكره، والقصد من ذلك أنّ هذا اللئيم قد "تمكّن" جيّدًا، وقد "شبع" جيّدًا، وأتخم، وها هو يعبّر عن تمكّنه وشبعه وتخمته، ويصرّفها لا بالاكتفاء والترفّع، بل بـ"التمرّد"، أي بـ"الانقلاب"، من خلال ممارسة أقذر أنواع اللؤم والجشع والنهب والسرقة والظلم والغيّ والسلطان والاستبداد، باعتباره ليس "كريمًا"، أي ليس من أهل الكرم ولا الكرامة، أي أنّه "بلا أصل".

يمكنني أنْ أواصل تأويلي لحكمة الإمام عليّ تلك، فأفترض "إسقاطها" على واقع أحوالنا اللبنانيّة "اللئيمة" التي انتهينا إليها، وعلى "اللئام" الذين تمكّنوا منّا ومن مقاليدنا جيّدًا، وشبعوا جيّدًا، وأتخموا، و... تمرّدوا.

أخشى ما يخشاه "الكريم" في هذا الزمن اللبنانيّ "اللئيم"، أنْ يسوقه متمكّنٌ (أو متمكّنون) "لئيمٌ"، "بلا أصل" إلى مواضع الخساسة والذلّ والامتهان. وهو ما توصف به حياتنا اللبنانيّة حاليًّا، وخصوصًا حياة هؤلاء وأولئك الكرام الذين كانت تتشكّل منهم وتقوم عليهم تلك الطبقة الوسطى، بأهلها الكرام، نبلائها وأشرافها ونخبها ومثقّفيها ومفكّريها وعلمائها وأساتذتها وحقوقيّيها وموظّفيها وإداريّيها ورجال الشأن الوطنيّ العامّ فيها، أصحاب الأيدي النظيفة والعقول النظيفة والضمائر النظيفة والقلوب النظيفة و... الجيوب النظيفة، وهم طليعة لبنان الإنسانويّ الدستوريّ القانونيّ السياديّ الديموقراطيّ المدنيّ العلمانيّ في المجالات والاختصاصات والمسؤوليّات كافّة!

عودٌ على بدء: القارئ الحصيف المتمكّن الذي أوحي إليَّ أمس كتابة هذا المقال، اليوم السبت 28/9/2019، أشكره لتذكيره إيّايَ بلزوم التركيز على لؤم اللئام، وزمنهم، وسلطانهم، لأنّهم لا يكتفون ولا يرتدعون، وإنْ شبعوا. ولأنّهم لن يشبعوا، وإنْ أُتخِموا. والآتي أعظم!

[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم