الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

جمجمة مكسورة تحت قبّعة هذا الفتى

ليال بورسلان
جمجمة مكسورة تحت قبّعة هذا الفتى
جمجمة مكسورة تحت قبّعة هذا الفتى
A+ A-

يعتمر محمد منصور قبّعة ملوّنة لا تفارق رأسه. تحت هذه القبّعة، شظايا صاروخ أًسَدِيٍّ في جمجمته المكسورة. محمد (14 عاماً) لاجئ فلسطيني سوري، هرب مع عائلته من مخيم اليرموك في سوريا إلى مخيم شاتيلا في لبنان. براءة الطفولة في داخله تدفعه إلى حمل النصف الأيسر المشلول من جسده، ليركض مع رفاقه مسابقاً الزمن في أزقة المخيم الضيقة. كل مرّة يصاب بدوار يقع أرضاً، لكنه يحاول النهوض بسرعة قبل إجباره على العودة إلى المنزل. يقول محمد لرفاقه: "خلّينا نلعب بعد، فأنا سأصبح مشلولاً وأعمى بعد أَشهر".
أعصاب دماغه تضعف تدريجياً ليبدأ العدّ العكسي لخطر إصابته بشلل كلّي، في غياب عمليّة جراحية ملحّة، وغياب الدواء، بل وحتى الطعام. تقول والدته دلال: "إذا توافر لدينا طعام، أمنع محمد من الأكل طوال النهار، حتّى لا ينام بلا عشاء، يأكل القليل في المساء ليسدّ رمقه".
عينا محمد تعكسان آلامه لكنهما تأبيان البكاء، إلا منزوياً وحده وراء مكب النفايات. كبرياؤه يمنعه من قبول الحسنات، لكنه عندما أحنى رأسه أمام الجمعيات اللبنانية والعالمية طالباً مساعدتها لإجراء عمليّة جراحية في رأسه، جاءه الجواب موحّداً: "أنتم الفلسطنيون لديكم الأونروا وكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى وتشغيلهم".
قدّمت الأونروا في شهر تشرين الثاني الماضي، قسيمة مواد غذائية بقيمة 25 دولاراً لعدد محدود من النازحين الفلسطينيين ولمرّة واحدة فقط، وفق المسؤول السياسي لحركة "حماس" في بيروت رأفت مُرَّة: "بلا حسد من اللاجئين السوريين، تغيثهم جمعيات لبنانية وعالمية ودول خليجية. أما اللاجئون الفلسطينيون من سوريا الذين تجاوز عددهم 20 ألفا في لبنان فلا يساعدهم أحد". في رأيه أن الأونروا تتقاعس عن أداء دورها بحجة ضعيفة وهي النقص في التمويل. يقول مُرّة إن حركتي "فتح" و"حماس" "تتعاونان بدون تفرقة للمساعدة. لكن الإمكانات محدودة، وإن الحكومة المُقالة في غزة منحت جمعية الأقصى الإسلامية مليون دولار نفدت كلّها".
تقطن عائلة محمد في منزل لا تزيد مساحته على 45 متراً مربعاً عند إحدى العائلات في مخيم شاتيلا ليصل عدد الأفراد إلى 19 شخصاً لا يوجد لديهم سوى 4 فرشات للنوم. الغرف غير صحيّة، لا تدخلها أشعة الشمس بل الأمطار، وتفيض فيها مياه الصرف الصحي. أصحاب هذا المنزل يهددون عائلة محمد بالطرد إذا لم يدفعوا 300 دولار بدل إيجار الشهر. يكتظ مخيّم شاتيلا بـ 35000 شخص بعد النزوح من سوريا (العدد يزداد يومياً) في مساحة 1 كلم مربّع. ويوجد طبيب صحة واحد يعاين 250 مريضاً يومياً في مستوصف غير مُجهّز.
بعد توسّلات أم محمد للأونروا، منحتها الوكالة الإذن من أسبوعين لدخول مستشفى رفيق الحريري الحكومي. ذهبا مشياً، متفائلين بالشفاء، لكن المستشفى أبلغهما بضرورة تأمين مبلغ 40 ألف دولار، تكلفة عملية ضرورية لكي لا يُشّل محمد ويصاب بالعمى. الأم والإبن رجعا إلى المخيّم وهما يجرجران أذيال الخيبة والأسى. باعت الأم الفول والسكّر من مساعدات جمعية الأقصى واستدانت لتدفع 16000 ليرة ثمن المعاينة. تقول: "أنا مريضة في القلب، أرفض العلاج. أتمنى الموت قبل أن أرى أعضاء إبني تموت واحدة تلو الأخرى". جهاد شقيق محمد كان يبكي، ولكن لسبب آخر: "أريد أن أذهب الى المدرسة هنا في لبنان لكن أبي يقول: ليس لدينا رغيف خبز. روح اشتغل". يضحك والد محمد من قهره، وهو يريد العودة إلى سوريا تحت القصف، مختصراً المعاناة بقوله: "هون ميتين وبسوريا ميتين".
يتمسّك محمد بقبّعته الملونة. فهي قبّعة الخلاص، ينطلق بها إلى اللعب أسوة بباقي الأولاد. لم يبق أمامه سوى أشهر ليقبع بعدها في المنزل بلا حراك، إذا لم تتحرك الجهات المعنيّة للمساعدة. هذا صوتٌ صارخٌ في البرية، فهل ثمة مَن يسمع؟!

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم