الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

الكريم إذا جاع

المصدر: "النهار"
عقل العويط
الكريم إذا جاع
الكريم إذا جاع
A+ A-

من المؤلم حقًّا أنّ يكون الوضع العامّ في الجمهوريّة اللبنانيّة ينذر بالمجاعة.

تذكّرني هذه العبارة، عبارة "المجاعة"، بكتابات توفيق يوسف عوّاد الروائيّة عن أحوال الجوع التي اجتاحت لبنان خلال الحرب العالميّة الأولى، وخصوصًا روايته "الرغيف".

يعنيني جدًّا أنْ أنوّه مجدّدًا بجدارة هذه الرواية اللامعة، فهي تستحقّ أنْ يُعاد استخدامُها، لا كروايةٍ راهنةٍ فحسب، ولا كعملٍ مسرحيٍّ يُعرَض في مسارح المدينة وضواحيها، وفي المناطق، وفي السواحل والقرى والجرود، ودائمًا في الهواء الطلق، ولا فقط كفيلمٍ سينمائيّ، بل خصوصًا، باعتبار هذه الرواية حياةً حقيقيّةً معيشةً، الآن، وهنا.

يؤلمني أنْ أكون أحد الذين يجاهرون بهذه الحقيقة، ويعرضونها عاريةً، بلا ثياب، وبلا أقنعة.

يؤلمني أنْ أكون أحد الذين "يبشرّون" بهذه الحقيقة المشؤومة.

ما لم يُرَ من "رغيف" الحقيقة، حقيقة الجوع، حتّى هذه اللحظة بالذات، بعيد ظهر اليوم الجمعة هذا، الواقع فيه 27/9/2019، سيُرى بالعين المجرّدة، بعد يومٍ، بعد يومين، بعد ثلاثة.


أما الآتي فأعظم.

لستُ بومًا لأنعق، ولا غرابًا لأبثّ هواء الشؤم في هذا الفضاء اللبنانيّ الرجيم.

يجب أنْ لا يتجاسر أحدٌ، أكان من العقلاء الحكماء أم من المتربّصين في الضفّة المقابلة، على وصفي بهذا النعت أو بذاك.

يجب فقط أنْ يُخاف من الجوع، وخصوصًا إذا صار مجاعةً.

إنّ هذا الجوع، الذي سيصير مجاعةً، ولا بدّ، إنّه يدقّ الأبواب، هنا، في الجمهوريّة اللبنانيّة، والآن، في 27 أيلول 2019 هذا.

هذا الجوع، الذي سيصير مجاعةً - ولا بدّ - بعد يومٍ، بعد يومين، أو بعد ثلاثة، سيخلع الأبواب خلعًا، وسيدخل إلى البيوت، بيوت الكرام، كرام الناس، وسيحاول أنْ ينتهك كراماتهم، وأنْ يمرّغ جباههم، وأنْ يعفّرها بتراب اللؤم والخساسة.

يجب أنْ يُخاف من هذا الجوع، الذي سيتحوّل إلى مجاعةٍ ماحقة، في غفلةٍ صاعقة، لا لأنّ طبقة الذئاب البشريّة لن تترك لا أخضر ولا يابسًا، لا قمحًا ولا شعيرًا، ولا حتّى الزؤان، ولا لأنّ الكرام، الناس الكرام، سيضطرّون إلى عرض لحومهم للبيع ليشتريها أهل الفسق والعربدة في المزاد العلنيّ، وبأبخس الأثمان، بل لأنّ هؤلاء – إذا جاعوا وصار جوعهم مجاعةً – يجب أنْ تُخشى صولتهم، وأنْ يُحسَب حسابها.

هؤلاء الناس الكرام إذا جاعوا - وهم جائعون الآن - وإذا تحوّل جوعهم إلى مجاعة – وسيتحوّل - وكان عليهم، والحال هذه، أنْ يختاروا بين الذلّ والموت بكرامة، فسيخلعون الأبواب، أبواب البيوت الحصينة التي تُؤوي طبقة الذئاب البشريّة، وسيدكّون حجارتها دكًّا، وسيجعلونها قاعًا صفصفًا، وحجرًا يلثم حجرًا، ولن يفسحوا أمام أحد هؤلاء الذئاب أنْ يبقى حيًّا يُرزَق، أو أنْ ينجو بجلده.



الكريم إذا جاع، احذروه!

ستسمعون صوته المدوّي صارخًا صرخته الأبوكالبتيّة: عليَّ وعلى أعدائي يا ربّ.

ولن يبقى حجرٌ على حجر.

اقرأوني جيّدًا وبعيونٍ مبحلِقة، نقلًا عن "نهج البلاغة" لعليّ ابن أبي طالب، الحكمة 46.

قال: "احذروا صولة الكريم إذا جاع، واللئيم إذا تمرّد".

وأنا أقول: اللهمّ إنّي قد بلّغتُ.

[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم