الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

لن تمطر ستمطر

المصدر: "النهار"
عقل العويط
عقل العويط
لن تمطر ستمطر
لن تمطر ستمطر
A+ A-

ستمطر لن تمطر.

هل يجب أنْ نفكّر في احتمالٍ كهذا، ما دمنا لسنا في حاجة إلى مطر، ولا حتى إلى غيومٍ، من النوع الذي يبشّر بنزول المطر، ولن نكون في حاجةٍ إلى قمرٍ في السماء، يكون شاهدًا على نزول المطر.

سماؤنا مضاءةٌ بانتحاراتها. أرضنا مترعةٌ ببلل المواثيق والهموم، وبالندى المثخن بجرعات اليأس.

ليلنا مشرقٌ بأوجاعه. أوجاعه تفتح أمامنا الطريق إلى الفجر.

لسنا في حاجةٍ إلى أيّ شيءٍ رطبٍ من النوع الذي يسقي الأرواح. عندنا ما يكفي من المرارة، لكي نحتسي ونثمل وننسى.

لن تمطر. ستمطر. ربّما لم يعد ثمّة مطرٌ في السماء من أجل أنْ ينهمر ها هنا، فوق بلادنا المريضة.

ربّما الأرض عندنا، ربّما هذه الأرض لم تعد تريد مطر هذه السماء.

ربّما هذه الأرض تفضّل أنْ لا تعود السماءُ تمطر على الإطلاق. على الأرجح، بسبب اليأس. أو لأسبابٍ أخرى.

لكنّ السماء، ولا بدّ، ستمطر في أمكنةٍ أخرى، في أرضٍ أخرى. لكنْ ليس هنا.

يمكنني أنْ أتوقّع من السماء، أفعالًا أشدّ وقعًا. من مثل أنْ تُطبِق علينا ها هنا.

لماذا تُطبِق سماءٌ على أرضٍ كأرضنا؟

لأنّها ربّما ضاقت ذرعًا بأهل هذه الأرض. ليس عندي جوابٌ قاطعٌ في هذا الشأن.

اطمئِنّوا.

ثمّة مؤونةٌ كافيةٌ للأيّام المقبلة. لا تفكّروا في المدّخرات. فكِّروا فقط في الآلام المدَّخرة للأوقات الصعبة.

ستمطر لن تمطر. نصيحتي أنْ لا تتوقّعوا المنّ أو السلوى. لن تعطينا السماء موهبةً كهذه.

أيُّ علاجٍ يمكنني أنْ أصفه لشظف العيش؟!

أبحرٌ أزرق أو أبيض، يكفي ليحتضن ما تبقّى عندنا من تنهّدات الموتى الأحياء؟!

اطمئِنّوا. ثمّة لدينا ما يكفي من التنهّدات لتأجيج أعمار الفقراء المتطاولة.

ثمّة لدينا مصّاصو دماء، وقَتَلَة، ونابشو مقابر، وسرّاق أفراسٍ تحمل على ظهورها أحلامًا مجهضةً وأجنّةً لن يتسنّى لها أنْ تبصر الضوء.

اطمئِنّوا. ستمطر لن تمطر.

لا بدّ من انتظار أزمنة النفايات التي ستضيق بها القصور والمجالس والمواخير الفخمة، لتنفجر في الهواء الطلق.

لا بدّ من انتظار جيوش الحشرات والصراصير التي ستفيض بها مجارير حياتنا الوطنيّة.

ستمطر لن تمطر.

اضحكوا بطريقةٍ هستيريّة. مارِسوا أعمال البهلوان الجريح. انصبوا الحبال المترنّحة للمشانق الذاتيّة. اصعدوا إلى الغيوم الهاربة أو إلى تلك العابسة، وادلقوا المياه عليها، لتلين، أو لتغتسل، أو لتختنق. خذوا حبوبًا منوِّمة. أو ما يشبه أفعالها ونتائجها. النوم ضرورةٌ مطلقةٌ لفهم الثوابت والمتغيّرات في طبيعة الأوجاع اللبنانيّة.

هكذا، ربّما، يمكن أنْ تعالجوا – أنْ نعالج - أورامًا لا علاج لها.

اسمحوا لي بثرثرةٍ إضافيّةٍ على هامش هذه الهلوسة المضنية.

يمكنني في هذا الوقت الضائع من حياة الأمل، أنْ أسترسل في اقتراح الممكنات: ستمطر لن تمطر. ستمطر حممًا عفنة. لن تمطر ينابيع.

لا تنسوا أنْ تنسوا. سيكون شاقًّا انتظار نتائح اليانصيب الوطنيّ أو جوائز اللوتو.

لن تمطر. ستمطر.

نعم ستمطر. لكنّها لن تجرف معها النفايات الرابضة على صدر حياتنا الشخصيّة، ولا حياتنا الوطنيّة!

ستمطر حتمًا. اطمئِنّوا!

[email protected]

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم