السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

ما أفرزته انتخابات "دولة الرئيس"؟

المصدر: النهار
اسماعيل الهدار
ما أفرزته انتخابات "دولة الرئيس"؟
ما أفرزته انتخابات "دولة الرئيس"؟
A+ A-

حول انتخاب "دولة الرئيس"، تدور أحداث ذلك المجتمع الحائر. إذ إن "حيرته " بدت مبررة في ظل الحضور الكبير للمرشحين وكذلك أمام غزارة برامجهم ووعودهم الانتخابية. تعددت الخطابات والمؤتمرات والاجتماعات واللقاءات الصحافية، لكن كان لفقرة "المناظرة التلفزيونية" بين المرشحين الصدى والوقع الكبيرين في المتجمع التونسي. فقد كان لهذا السجال التلفزيوني دور كبير في مساعدة الناخبين. إذ إنه مكنهم من اكتشاف القدرات التحليلية، الخطابية، النقدية، الاقناعية والاستنتاجية لمختلف المرشحين الرئاسيين. فمنهم من تمكن من إرساء خطاب موضوعي يدل على فهم منطقي وجدي لمفهوم منصب رئيس الجمهورية في ظل النظام السياسي التونسي الذي أقره دستور 2014. ومنهم من كانت إجاباته تنهل من مصادر الاستغراب والاستنكار الشيء الكبير، وذلك نظرا لغياب جوهر ومعنى الخطاب. فلكأنها مجرد تصريحات عامة وشاملة تحتوي على عناصر معتادة وموحدة للإجابة صالحة لمختلف تساؤلات ومحاور المناظرة التلفزيونية. إنها وباختصار تعتمد أسلوب "الإجابة الشعبوية"، تلك الإجابة التي تستمد وجودها من احتياجات ومتطلبات ورغبات وتطلعات أفراد المجتمع، تلك الإجابة التي تستغل طموح الشعب كمعطى لإرساء خطاب.

ومرشحون آخرون منهم من كانت تصريحاته منقوصة أو غير مرضية وذلك إما نتيجة لعدم فهمه لموضوع التساؤل نظرا لغياب عنصر الإجابة أو بسبب تمرده على جوهر السؤال.

وضمن هذا السياق، تضمنت كذلك المنافسة الانتخابية التلفزيونية فقرة "الوعود" لتكون بذلك مجالاً يجسد "إبداعات المترشحين"، الأمر الذي من شأنه أن يمكن الناخب من التميز وتحديد الشخصية المناسبة والأقدر للمنصب "رئيس البلاد". كما كان أيضا لمحور الوعود دور رئيسي لاعتماد تصنيفات بين المرشحين الرئاسيين. فهناك من كانت وعوده الانتخابية معقولة ومنطقية تتماشى مع مرشح للانتخابات الرئاسية بمعنى إقامة المعادلة بين ماهية الوعد والصلاحيات المخولة لرئيس الجمهورية ليكون بذلك الوعد الانتخابي قابلا للتطبيق والانجاز واقعيا. إذ إن هذا النوع من الوعود الانتخابية التي اتسمت بنوع من العقلنة من إصلاحات ومقترحات ومبادرات يدل على مدى وعي المرشح الرئاسي بالمهام المنوطة بعهدة منصب "دولة الرئيس".

غير أن فئة أخرى من المرشحين حولت محور الوعود الانتخابية إلى فقرة من "الوهم والخيال العلمي" بأسلوب جسد مفردات ومفاهيم الانبها. فثمة من كانت تصريحاته مبنية على عهود وضمانات أسطورية تستمد ماهيتها من شرنقة الزيف والخداع. وهناك من كانت وعوده غير قابلة كذلك للتجسيد والتطبيق لا باعتبارها مجرد وعود وإنما لأنها تدل عن عدم فهم واضح للصلاحيات المخولة لمنصب رئيس الجمهورية. لتتجلى لنا جملة من الخطابات الذاتية، الانطباعية والانفعالية وأيضا غير المسؤولة.

اليوم بعدما مورس الحق الانتخابي...

بعدما مارست شريحة من المجتمع التونسي حقها الانتخابي أمام فئة أخرى امتنعت عن ممارسة هذا الحق، أفرز صندوق الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها عن فوز كل من المرشح المستقل قيس سعيد ونبيل القروي رئيس حزب "قلب تونس" وبالتالي انتقالهما إلى الدور الثاني من الانتخابات التي سيقع تحديد موعدها من الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.

وعليه، لمن سيؤول منصب "دولة الرئيس"؟ من سيحظى بكلمة "سيادة رئيس الجمهورية التونسية"؟ هل ستكون من نصيب المرشح، بحسب الجدول البياني لآراء المرشحين للانتخابات الرئاسية حول الحقوق والحريات الصادر عن "الائتلاف المدني من أجل الحريات الفردية "، الذي لا يعتد بتقديم مبادرة تشريعية تتعلق بمشروع قانون الحريات الفردية، المرشح الرئاسي الذي يرفض دعم مشروع قانون المساواة في الإرث رغم أن مبدأ المساواة التامة بين المواطنين والمواطنات أقره دستور البلاد في فصله الـ 21 حيث ينص على أن "المواطنين والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون من غير تمييز"، المرشح الذي أبدى رفضه لإقصاء عقوبة الإعدام من التشريعات التونسية تلك العقوبة التعسفية التي بحسب تقارير منظمة العفو الدولية حول الدول التي ما زالت تطبق عقوبة الإعدام، ليس من شأنها أن "تخلص المجتمعات من الجريمة" أو أنها تمثل أداة لمكافحتها، كذلك المرشح الذي أكد احترامه للدستور لكن مع بعض "التحفظات"؟

أم إن منصب رئيس الجمهورية سيحظى به المرشح الرئاسي الذي، بحسب ذلك الجدول البياني الصادر عن "الائتلاف المدني من أجل الحريات الفردية" آنف الذكر، كان قد أعرب عن رفضه لمشروع قانون المساواة في الميراث الأمر الذي من شأنه أن يثير الاستنكار والاستغراب على حد سواء لا سيما أن الدستور التونسي في فصله الـ 72 ينص على أن " رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة، ورمز وحدتها، يضمن استقلالها واستمراريتها، ويسهر على احترام الدستور". ولعل من مظاهر سهر رئيس الجمهورية على حماية الدستور وضمان علويته هو تجسيد مبدأ المساواة التامة بين المواطنين والمواطنات وضمان ترجمته على أرض الواقع ليشمل بالتالي النصوص المتعلقة بالميراث، المرشح الذي أقر في المناظرة التلفزيونية التي جمعت كل المرشحين للانتخابات الرئاسية. وفي تصريح له في جريدة الشارع المغاربي بأنه "نعم أنا مع الحكم بالإعدام"، أيضا المرشح الرئاسي الذي أقر بفشل "التجربة الدستورية التونسية" وذلك نظرا "لعدم تعبير النص الدستوري عن قيم ومطالب الشعب التونسي" على حد قوله، علماوأن الفصل الثاني من الدستور ينص على أن تونس "دولة مدنية، تقوم على المواطنة، وإرادة الشعب، وعلوية القانون...". بمعنى أن من مقومات الطابع المدني للدولة هي إرادة الشعب التي حظيت بتكريس دستوري، لكن في المقابل أقر بضرورة ضمان احترام علوية الدستور الأمر الذي من شأنه يشكل مجالاً للتناقض؟

وعليه فمن خلال هذه الرسالة المفتوحة فقط أردت أن أذكركم بأن منصب "سيادة رئيس الجمهورية" هو المسؤول الذي "يسهر على احترام الدستور" وبالتالي، بحسب هذه المقتضيات الدستورية، فإنه يسهر على ضمان احترام الحقوق والحريات الفردية والجماعية للمواطنات والموطنين. إذ إن مهمة ضمان احترام هذه الحقوق والحريات تمثل تجسيدا لمعطى مفهوم قدسية علوية الدستور. كما أردت كذلك أن أذكركم بأن منصب "دولة الرئيس" أضحى منصبا يضطلع بمهمة الدفاع عن الحقوق والحريات المكرسة دستوريا إلى جانب تدعيمها الأمر الذي يفترض تقديم مبادرات تشريعية في هذا الغرض.

إن الدفاع عن الحقوق والحريات وضمان احترامها لهو تدعيم لمقومات الطابع المدني للدولة وذلك من خلال إثراء قيمة المواطنة على معنى الفصل الثاني من الدستور، ذلك الفصل الذي "لا يجوز تعديله ".

أدعوكم في الأخير إلى عقلنة الخطاب السياسي وأن تكون الممارسة الموضوعية والفهم المعقول للصلاحيات المخولة لرئيس الجمهورية هي القاعدة.

*كاتب وباحث تونسي.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم