الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

كيف نكسر هذا الجدار وندمّر هذا النظام؟

المصدر: النهار
الياس صدقا
كيف نكسر هذا الجدار وندمّر هذا النظام؟
كيف نكسر هذا الجدار وندمّر هذا النظام؟
A+ A-

كلما فكرت في مشكلات هذا البلد ضاقت الدنيا بوجهي. يوماً ما حلمت أن أبني حياتي هنا، أعمل وأتزوج وأبقى في أرضي أدافع عنها وأساهم في تطويرها وإعمارها. هاجمت في عشرات المناسبات مناصري الهجرة، كتبت الأشعار عن حب الوطن، ويوم كان المراهقون في عمري مشغولين بعيش مراهقتهم كنت أنا أتعمق في دراسة تاريخ هذا الوطن ويزداد عشقي له.

لبنان، فينيقيا القديمة، بيت الآلهة ومنبع الجمال والإلهام، البقعة الجغرافية التي تشهد على ستة آلاف سنة من تعاقب الحضارات والتي عرفت الأيام الجميلة والقبيحة، الازدهار والحرب. المكان الذي نجح شعبه عبر التاريخ بصنع هوية مميزة برغم صغر مساحته. البلد الذي تعاقبت عليه الجيوش المحتلة واستطاع التأقلم والمضي قدماً.

لبنان الإمارة الجميلة التي صنع منها يوماً ما فخرالدين دولة حقيقية، وبنى لها رؤيا ووجوداً. لبنان الذي بناه كما هو الآن البطريرك الماروني الياس الحويك، وهذه حقيقة تاريخية لا يستطيع أحد رفضها، فأتت فرنسا وأسست بنيته التحتية ونهضت بمرافئه الحيوية. البلد الذي فرض نفسه بعد رحيل الانتداب منارة لمحيطه ولقب بسويسرا الشرق. فكان بلداً آمناً جميلاً على خريطة العالم السياحية. هذا الوطن بنيتُه في عقيدتي فكرة مضيئة لا تتجاوز مساحتها ١٠٤٥٢ كم ٢ وجود يختصر الكون وكل مكونات سعادتي. كنت بريئا مليئا بالعنفوان والحماس، مؤمناً بوجودي وبقدرتي على التغيير والبقاء حراً، سيداً، معطاءً لا حدود لطموحي. كل هذا وأنا ما زلت في المدرسة، أكتب القصائد وخطاباتي، أقف أمام المرآة أنادي أشقائي في الوطن: هيّا فلننهض من جديد ولنبنِ قدرنا.

كل هذا صار يتغير تدريجياً تحت عبء مشاكل الحياة والصعوبات المالية وكل الضغوط الاجتماعية التي تقبع على رأسك يوم تخرج من أسرة متواضعة وتسعى لشق طريقك بنفسك وسط غياب العدل. تدريجياً، بات الحفاظ على الحلم أصعب، بات يزيد الشعور بالذلّ خاصةً بعد التخرج من الجامعة. فبعد كل هذا الجهد المعنوي ومقاومة الضغوطات المالية لتصل إلى لحظة التخرج، تقف فجأة وتنظر فلا تجد أي طريق تسلكه لمسيرة مهنية عادلة. هرباً من شعور الذل ورغبةً في الحفاظ على ما تبقى من الحلم هاجرت إلى دبي، هناك حيث الحلم مسموح، وحيث قدرتك وجهدك يثمر نجاحاً وتقدماً. هناك حيث الإنسان محترم لمجرد كونه إنساناً، وتقييمه يأتي حسب ما يقدّم لهذا البلد، فيعامل بكرم وتقدير. ستّ سنوات في دبي ولا يزال الحلم القديم حيّاً بالعودة والنجاح.

لمَ لا ونحن قوم نعيش في أرض كان لها حضارة وساهمت في تطور الانسان. كان لنا منذ آلاف السنين وجود لمجتمع، ومفهوم لدولة وشرائع. ليس صعباً علينا أن ننهض، فنحن نمتلك الامتداد التاريخي، الفكر الثقافي والقدرات البشرية الموجودة في أرض الوطن وفِي كل أصقاع الارض.

البلد على شفير الانهيار وهو محكوم من قِبل جماعات منقسمة تؤلّه نفسها وتعتبر أنها معصومة عن الخطأ. باتت عودة نفس الوجوه كل انتخابات مملة، فلا تقاسمهم السلطة أتى بأي نفع، ولا غياب المحاسبة الحقيقية يجعلهم يتحملون مسؤولية أي فشل. وحدها أموالهم الشخصية تكاثرت، أما بقية أبناء الوطن فمصيرهم الحالي إما الهجرة أو اليأس.

الصراع ليس أبداً إسلامياً- مسيحياً أو شيعياً- سنيّاً، إنه صراع المصالح الكبيرة التي تتخطى حدود هذا البلد، وأن تترجم في الأروقة على شكل صراع طائفي أو مذهبي.

نحن بلبنانيتنا قادرون على أن ننهض بالبلد وبسهولة فقط حين نستثمر جهدنا في بناء الإنسان. المواطن الذي يحترم دولته وحكومته لأنه يثق بالقيادة ولأن القيادة تسهر على أمنه وكرامته والأهم، سعادته. يبدو أننا نسينا في خضم مصائبنا أن غايتنا الغرائزية هي في تحقيق السعادة أو ربما لا نجرؤ على ذكر هذه الكلمة.

الإنسان السعيد هو أكثر نشاطاً وإنتاجية وتأثيراً إيجابياً من حوله. الإنسان السعيد هو مسالم وغير عنيف، يستمتع باحترام القوانين ويجهد في نشر ثقافة تقبّل الآخر مهما كان الاختلاف كبيراً. هنا تبرز الإمارات العربية المتحدة مثلاً مضيئاً وملهماً، فتوجهات قيادتها وسعيهم لتحقيق الرخاء لشعبهم قد أثمر تطوراً ونمواً، وأفرز مجتمعاً منفتحاً يتقبّل الآخر، وجعل من الإمارات ومن دبي ملتقى العالم. لماذا لا يكون لنا قائد يشبه حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم؟ قائد متواضع يعمل بجهد...


دعوا هؤلاء الذين يؤمنون بالإنسان ويفهمون جيداً خلفية البلد التاريخية أن يبنوا جيلاً حديداً منفتحاً يسعى نحو السعادة، جيلاً قادراً على انتخاب طبقة حاكمة مؤهلة لخدمة الدولة وإنمائها، جيلاً قادراً على المحاسبة، وطبقة حاكمة تمتلك جرأة الاعتراف بفشلها والتنحي يوم تخطئ.

البلد على شفير الانهيار، فاخرجوا يا لصوص الهيكل منه ودعونا نعيش بسلام، فالتاريخ لا يرحم.


نحن قادرون على إبعاد هذا البلد عن الصراعات الإقليمية وإبقاء علاقة طيبة مع الجميع كما تفعل سلطنة عمان تحت قيادة سلطانها الحكيم قابوس. يوم نتوحد تحت شعار وحيد صلب ورؤية، سيساعدنا الجميع. لبنان دولة مستقرة متطورة هو مصلحة لهذا الشرق الأوسط، فنحن أصغر من أن نشكل ندّاً جديّاً لأي من دول المنطقة. سنسهم في التقاء الجميع وتواصلهم.

لا نريده أن يكتب عنا أننا دمرنا بيئياً وثقافياً واقتصادياً ومعنوياً، بلداً صغيراً مسالماً كان مهداً للديانات السماوية تضرب جذور وجوده في عمق التاريخ. بلد يستطيع ان يكون جميلاً قوياً منفتحاً رائداً في مجال السياحة وجاذباً لقطاع الخدمات. بلد يهاجر أولاده ويساهمون في بناء أوطان غريبة ويصبحون غرباء...

وحدها الإرادة الإلهية تُبقي النظام المالي واقفاً على رجليه، فمصالح القوى العظمى تقتضي ألا تكسر هذا الميزان المالي وتحاول الحفاظ على قدر من التوازن. لكن بالتأكيد، فإن أي خطة إصلاح هي غائبة ولا نور يظهر في آخر هذا النفق المظلم.

سؤال يراودني باستمرار، كيف نكسر هذا الجدار وندمر هذا النظام الذي يعيد نفس الطبقة الحاكمة؟ استطيع أن أرى البلد ينهض من جديد وكيفية نهوضه لكنني عاجز على تصور اللحظة التاريخية للتغيير، كيف نبعد طبقة أسست من خلال تنوعها واختلافها شبكة سلطة تشبه بيت العنكبوت؟


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم