السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

بين نداء أيلول 2000 واليوم

ميشال الشمّاعي
بين نداء أيلول 2000 واليوم
بين نداء أيلول 2000 واليوم
A+ A-

ما بين 20 أيلول 2000 واليوم هوّة فسيحة ملأتها الدّماء والاغتيالات، والشجون الاقتصاديّة، وكلّلها الفساد السياسي بأوجهه المختلفة. يوم كان ذلك النّداء الشّهير الذي خطّه من أعطي مجد لبنان له، المثلثّ الرّحمات البطريرك الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير، بحبر قلمه معطوفًا على بحر ألمه الذي أغرق وطن الأجداد الذي عشقه حتّى إفناء ذاته في سبيله.

حدث في مثل هذا اليوم منذ تسعة عشر عامًا أن تجرّأ سيّد الصّرح على قول الحقيقة بغضّ النّظر عن صعوبتها. تلك الحقيقة التي أخرجت احتلالا لم يكن يحلم اللّبنانيّون بخروجه، حيث صار معظمهم مطبّعًا مع وجوده في مفاصل حياتهم اليوميّة. لكن قلّة قليلة بقيت كالخمير في العجين، صمدت وحملت لواء المقاومة. ولأنّ القادة في تلك المرحلة غابوا إمّا نفيًا وإمّا سجنًا،أخذ سيّد الصّرح على عاتقه مهمّة قيادة شعبه كلّه.

خاطبهم في ذلك اليوم كلبنانيّين كيانيّين، من دون أيّ تمييز طائفي أو حتّى مذهبي. خاطبهم كلبنانيّين أحرارًا. ولم يأبه لانتماء أيّ منهم، لا السياسي ولا الأيديولوجي ولا حتّى الفكري، جلّ همّه كان الحرّيّة. فقد أشار إلى أنّ القرار 425 لم يطبّق عمليًّا. وطرح إشكاليّة بسط الدّولة لسيادتها فعليًّا حيث كان الاحتلال الاسرائيلي " ليشعر النّاس بأنّهم أصبحوا في حمايتها وليتشجّعوا ويعودوا إلى بيوتهم وعيالهم وأرزاقهم."

وتابع طارحًا الاشكاليّة الأكبر وهي خروج الجيش السّوري وفقًا لأحكام اتّفاق الطّائف وعملا بالقرار 520. ورأى في البيان أنّ هذه المسألة هي " للحيلولة دون تفكّك لبنان وزواله." ما أشبه الأمس باليوم ! وما أحوجنا إلى نداء جديد منبثق من فكر الكيانيّة اللّبنانيّة فقط، يعيد تصويب بوصلة الدّولة، ويسحبها من فم دويلة حزب الله والوصاية الايرانيّة التي لم تعد مقنّعة اليوم. فنداء الأمس لم ينكر أبدًا الدّور الذي اطّلع به حزب الله في تحرير الجنوب حيث أورد حرفيًّا :" ... وقد خفّف بعض الشيء من وطأتها ( المشاكل التي خلّفتها إسرائيل) ما أظهره من حكمة من حرّروا الجنوب بما بذلوه من دماء ذكيّة في سبيل التّحرير، بدافع من حميّة وطنيّة صحيحة."

المطلوب اليوم، ومن دون إنكار أيّ دور لأيّ فريق لبناني كيانيّ، العودة إلى روحيّة نداء بكركي في العام 2000. هذا النّداء الذي وضع أسس الدّولة الحديثة. وإن لم نركن إلى هذه الأسس لن نستطيع بناء الوطن الذي لطالما حلمنا به. ونكون عندها قد أهدرنا تضحيات الآباء والأجداد. لذلك كلّه، ولتستقيم عجلة الاقتصاد يجب أن تستقيم عجلة السياسة. من هنا، ضرورة عودة الدّولة عن استقالتها التي تقدّمت بها إلى حزب الله ومن يناصره ويحالفه ويعاونه، حيث تخلّت عن قرار الحرب والسلم، ووضعته بيد الحرس الثوري في إيران، فصار مصير لبنان مرتبطًا بمصير إيران بحسب التّصريح الأخير لأمين عام حزب الله.

المطلوب اليوم واحد، وهو عودة لبنان من محور المرشد الخامنئي وفكّ مساره الأمني عن مسار إيران. والمطلوب أن يعود لبنان الدّولة، وليس فئة من شعب لبنان، إلى الحاضنة العربيّة؛ وذلك لأنّه الملتزم الأوّل بالقضايا العربيّة، وأوّلها القضيّة الفلسطينيّة. لذلك، مطلوب التأكيد على رفض كلّ أشكال التّوطين لأيّ شعب كان. وذلك ليس انطلاقًا من أيّ أفكار عنصريّة لا إنسانيّة، بل انطلاقًا من واقع ديموغرافيّ دقيق يتميّز به لبنان، بدافع وطنيّ وجوديّ كيانيّ.

والمطلوب أيضًا الكفّ عن التّذاكي على المجتمع الدّولي من خلال عمليّات تجنيس لشخصيّات مطلوبة دوليًّا التزامًا من الذين ولّوا الحزب عليهم، وذلك لدخولهم جنّة الحكم والسلطة، ابتداءً بحماية مصالح هؤلاء كلّهم وتأمين الغطاء الشّرعي لهم وسط المجتمع الدّولي. لبنان لن يحتمل أيّ ضغوطات دوليّة. وزمن البنادق قد ولّى إلى غير رجعة. فالعالم دخل في منظومة الحرب الاقتصاديّة التي لن يستطيع لبنان أن ينضمّ إليها، لأنّه لا يملك أيّ مقوّمات تخوّله المشاركة بها. وحتّى إن تمّ استعادة استخدام المنظومة العسكريّة، فحرب العصابات لا تنفع مقابل حرب الضّربات الكبرى الخاطفة.

استنادًا إلى ذلك كلّه، نربأ اليوم بالذين ما زالوا متمسّكين بالفكر الدّولاتي (من كلمة دولة) أن يحافظوا على ثباتهم. وأن يتمسّكوا أكثر بالفكر المؤسّساتي الذي وحده يبني الدّولة. وما بين نداء الأمس واليوم تشابه كبير جدًّا مع تغيير بسيط بالأسماء والمعطيات. فإن آنَ آنٌ، آنَ آنُ قول الحقيقة مهما كانت صعبة تماشيًا مع مسيرة الآباء المؤسّسين للكيان، وإلا لن ينفع بعدها لا البكاء ولا صرير الأسنان.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم