الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

تقويم الحياة بمعايير الربح والموت

غسان صليبي
تقويم الحياة بمعايير الربح والموت
تقويم الحياة بمعايير الربح والموت
A+ A-

عندما نريد تقويم عمل ما، درجت العادة أن نقوّمه وفق ما انتهى إليه، أكان هذا العمل امتحاناً مدرسياً أو جامعياً، صداقة، حباً، زواجاً، انتخابات سياسية، حرباً، حملة نسائية، برنامجاً للتطوير النقابي، خطة تنمية اقتصادية أو لعبة رياضية.

اذا انتهت علاقة حب، فنقول إنّ الحب غير موجود. إذا طلق إثنان، فنقول إنّ الزواج مؤسسة فاشلة. إذا نجح تلميذ في الامتحان، فنقول إنّه ذكي ومجتهد. إذا ربح حزب في الانتخابات، فنقول إنّه يعبر عن تطلعات الشعب. اذا انتصر فريق في حرب، فنقول إنّه الأقوى. اذا فشلت حملة ضد الزواج المبكر في إقرار قانون، فنقول إنّ القضية غير ذات أولوية. إذا لم تتطوّر العضوية النقابية، فنقول إنّ النقابة متقاعسة. إذا فشلت خطة للتنمية الاقتصادية في زيادة فرص العمل، فنقول إنّ مقاربتها لم تكن فاعلة. وهكذا دواليك. نُطلق استنتاجات كبيرة مطلقة وعلى مختلف المستويات، بالاستناد الى تقويم يُقارن نتيجة عمل ما، مع ما يفترض انه كان هدفه.

النهاية، او النتيجة، هي ما نستند اليه في التقويم، حتى ولو أعطينا الاهمية لبعض التقويمات خلال العمل نفسه.

وقد اعتدنا أن نقول إنّ "الامور بخواتيمها".

و"الامور بخواتيمها" هي مسرحية لشكسبير، انتهت بشكل سعيد مع أنّ مسارها كان مليئا بالخيبات. وعنصر "السعادة" هنا هو أنّ "بطل" المسرحية قرّر أخيراً الارتباط ببطلة "المسرحية"، بعدما نبذها طيلة الاحداث المتلاحقة والمأسوية بالنسبة إليها. صحيح أنّها تعذّبت، لكنها "ربحت" حبيبها في النهاية. ولا تقول لنا المسرحية إذا كانا سيسعدين بعد ارتباطهما، أم أنّ الانكسارات الماضية ستلاحقهما حتى الممات.

يبدو لي أنّ هذه النزعة لتقويم الاشياء بحسب خواتيمها، هي ذات علاقة بمفهوم الربح، أكان ربحاً مالياً أو ربحاً سياسياً في مجال ممارسة السلطة. بمعنى آخر، إنّ عنصر الربح هو الذي يعطي أهمية للتقويم بحسب النتيجة، أكان ذلك في الاقتصاد أو في السياسة. فلأنّ الربح هو القيمة العليا في النظام الديموقراطي الرأسمالي، ولأنّه لا تظهر نتيجته الا في نهاية المسارات، ترانا نولي أهمية للنهايات على حساب البدايات والمسارات نفسها.

وإذا كان مفهوماً اعتماد هذا المنطق في الاقتصاد والسياسة في مثل هذا النظام الاقتصادي السياسي، فإن تطبيقه أيضاً على المجالات الحياتية الأخرى، يدعونا الى التساؤل، لا بل إلى الحذر الشديد.

ليس فقط احتجاجاً على إدخال منطق الربح كمعيار تقويمي في مجالات الحياة الاخرى، من مثل الحب والزواج والتعليم والتدريب والتنمية والحملات.

وليس فقط لأنّ النهاية لا تعبّر دائماً عن المسار الذي أوصل اليها، بتنوعه وتقلّباته.

لكن أيضاً بسبب طبيعة الحياة نفسها، التي تنتهي دائما بالموت. كأنّنا من خلال تقويمنا لأنشطة حياتية بنهاياتها، إنّما نقوّم الحياة، لا شعورياً ربما، بمعايير الموت.

لا بد لهذه المفارقة أن تحضّنا على التساؤل حول هذا المنطق، وما اذا كان التمسّك بالنهايات كدليل أساسي في التقويم، له وظيفة نفسية. هل هو خضوع للموت أم محاولة للانتصار عليه، ولو رمزياً ومرحلياً، من خلال النجاح أو الربح في "النهايات" المختلفة التي تعجّ بها الحياة.

قد يكون الردّ من مقوّمي الخطط والبرامج والحملات مثلاً، أنّ ما يجري تقويمه ليس نهاية مسار بل نهاية جزء من هذا المسار الذي يتابع تطوّره، وبالتالي لا علاقة لفكرة الموت في هذه الحالة.

وهنا تُطرح اشكالياتا هذا الجزء المقتطع.

اشكاليته اولاً من حيث المعيار الزمني للاقتطاع. لماذا التقويم مثلاً في نهاية سنة، أو ثلاث، أو اكثر؟ هل لهذا الاقتطاع الزمني من علاقة مع التطور المفترض للعمل الذي يجري تقويمه، أم أنّه على الأرجح اقتطاع عشوائي يستند الى الموازنة المرصودة للعمل وله علاقة بالجهة المانحة، أو في أحسن الأحوال الى تقديرات متسرّعة وغير مبررة علمياً؟

اشكاليته ثانياً من حيث القدرة على تحديد هدف علمي لهذا المسار المقتطّع. توقّع دقيق لتطوّر الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية من خلال العلوم الاجتماعية، غير ممكن علمياً حتى الآن، أو على الاقل صعب جداً. فكيف اذا اضفنا الى تعقيدات الاوضاع تأثير مشروع ليس باستطاعتنا مراقبة مساره مسبقاً.

صعوبة تحديد الأهداف بدقّة، لا بل استحالتها في ظل تفاعل العوامل المؤثرة بعضها ببعض، يجعل من تقويم مدى تحقيق الأهداف، مسألة تقنية بحتة، تتجاهل إشكالية صوابية الأهداف من الاساس.

أميل الى الاعتقاد بأنّ الانشطة الحياتية، بما فيها البرامج والخطط، تحتاج الى تقويم، لكن من النوع الذي يتلاءم أكثر مع طبيعة الحياة. وعادة ما نستخدم "المراقبة" (monitoring) لمتابعة تطور مسار النشاط بدل انتظار نهايته. لا بدّ من تطوير استخدام "المراقبة" واعتمادها كوسيلة تقويم أساسية، على عكس ما يحصل اليوم، حيث تعتبر ثانوية بالمقارنة مع تقويم نهاية العمل او المسار.

إنّ بحثاً جدّياً في تطوير استخدام "المراقبة" يحتاج ولا شك الى نص جديد.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم