الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

أرشيف "النهار" - هل تبقى الحدود الجغرافية القديمة في الشرق الاوسط الجديد؟

المصدر: أرشيف "النهار"
Bookmark
أرشيف "النهار" - هل تبقى الحدود الجغرافية القديمة في الشرق الاوسط الجديد؟
أرشيف "النهار" - هل تبقى الحدود الجغرافية القديمة في الشرق الاوسط الجديد؟
A+ A-
مع انتهاء الحرب الباردة بانهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية عام 1989 اصدر الكاتب الاميركي ديفيد فرومكين كتابا بالغ الاهمية تحت عنوان: "سلام ما بعده سلام، ولادة الشرق الاوسط 1914 - 1922". استهل المؤلف كتابه الضخم بعبارة لضابط انكليزي خدم تحت قيادة الجنرال اللنبي في حملة فلسطين ثم ترقى الى ان اصبح في ما بعد الفيلد مارشال إيرل ويغل. فقد عقب ويغل على المعاهدات التي وضعت حدا للحرب العالمية الاولى، ومنها اتفاقات "سايكس - بيكو الشهيرة" لعام 1916، ووعد بلفور لعام 1917، بقوله: "بعد الحرب التي قصد بها انهاء الحروب، يبدو انهم نجحوا في باريس (اشارة الى مؤتمر السلام) نجاحا تاما في تحقيق سلام ينهي السلام". لكن معاهدات الحرب العالمية الاولى قد صيغت بسرية تامة للسيطرة على الولايات العربية المتبقية تحت السيطرة العثمانية. ومن ثم رسم حدود هذه المنطقة بما يخدم المصالح الفرنسية والانكليزية بالدرجة الاولى. ولم تنل الدول الاخرى نصيبا في هذه المنطقة الغنية جدا بالنفط. مما دفع الولايات المتحدة الى معارضة نظام الانتداب بشدة ومقاطعة عصبة الامم لسنوات عدة الى ان فرضت على الفرنسيين والانكليز القبول بسياسة الباب المفتوح في التجارة الدولية، وحماية الجامعة الاميركية في بيروت، وتعزيز الموقع الاميركي تدريجا في الخليج والجزيرة العربية انطلاقا من اتفاقات ابرمتها مع المملكة العربية السعودية. اندفع القوميون العرب يهاجمون الدول القطرية التي نشأت حديثا في المشرق العربي وفي الخليج والجزيرة العربية ويعتبرونها من صنع الاستعمارين الفرنسي والانكليزي، حين كانت الاستراتيجية الدولية ترسم حدود المنطقة على اساس جديد يمهد الطريق لولادة الكيان الصهيوني على ارض فلسطين، وضمن تسمية جديدة هي الشرق الاوسط. ومع نجاح التحالف الفرنسي - الانكليزي - الاميركي - الصهيوني في اعلان دولة اسرائيل عام 1948 وفرضها على الامم المتحدة كدولة مستقلة وذات سيادة معترف بها دوليا بعدما سارع الاتحاد السوفياتي الى الاعتراف الصريح بها على الفور، ظهرت الى العلن تسمية جديدة هي الشرق الادنى الذي يضم الدول المستقلة حديثا في المشرق العربي بالاضافة الى مصر وتركيا وايران. ومع نهاية الحرب الباردة وبداية مفاوضات السلام بين العرب واسرائيل تحت اشراف مباشر من الولايات المتحدة ظهرت تسمية اخرى هي "الشرق الاوسط الجديد". وكان شمعون بيريز سباقا الى تأليف كتاب اصدره بهذا الاسم وفيه تفاصيل كثيرة لما يراه الاسرائيليون من ترتيبات ضرورية تجعل اسرائيل "دولة طبيعية" في هذه المنطقة. وابرز تلك الترتيبات: اتفاقات سلام منفردة بين اسرائيل وكل الدول العربية واقامة علاقات ديبلوماسية معها، وايجاد حلول عملية للمسألة الفلسطينية عبر الاعتراف بدويلة فلسطينية تحت الرقابة الاسرائيلية، واعتماد مبدأ الارض في مقابل السلام لحل مشكلة الاراضي التي تحتلها اسرائيل في كل من سوريا ولبنان والاردن، وتغيير اسم الجامعة العربية لتصبح جامعة الشرق الاوسط لتضم اسرائيل الى اعضائها، وابدال اسم السوق العربية المشتركة باسم "السوق الشرق الاوسطية" التي تضم اسرائيل، وتطبيع العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بين العرب واسرائيل، ورفض كل اشكال العداء لاسرائيل في الكتب ووسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة العربية. واللافت للنظر ان ترتيبات "سايكس - بيكو" القديمة تمت بالسر، وخطوة خطوة بسبب المعارضة العنيفة التي ابداها القوميون العرب لكل اشكال الاعتراف - ولو الشكلي - باسرائيل. اما الآن، فإن الترتيبات التي يقوم بها الاسرائيليون والاميركيون لتشكيل النظام الشرق الاوسطي الجديد تتم علنا وبموافقة اطراف سلطويين عرب. وقد اختارت الولايات المتحدة مندوبا خاصا لهذه المهمة هو السيد روبرت بيللترو، الذي يجول بين عاصمة عربية واخرى لاطلاعها على تلك الترتيبات. ويقف الى جانبه احيانا مندوب روسي مهمته اكمال الديكور عند التقاط الصور التذكارية التي تعمم على وسائل الاعلام العربية والدولية. الصورة اذاً سوداوية تماما وهي تشير الى انهيار مريع للنظام الاقليمي العربي عند مطالع القرن الحادي والعشرين. توصيف النظام الشرق الاوسطي الجديد: وجهتا نظر عربية واسرائيلية لا شك في ان التحولات الكبيرة التي شهدها العالم في العقد المنصرم جعلت من الولايات المتحدة اقوى دولة ذات فاعلية مباشرة في التاريخ المعاصر لجميع البلدان الاخرى. وقد ساعدها هذا الموقع في التحكم بالايديولوجيات العالمية السابقة وفي مصير جميع القوميات لدرجة ان احد موظفي الخارجية الاميركية، فرنسيس فوكوياما اصدر كتابا بعنوان: "نهاية التاريخ والانسان الاخير"، وفيه تنظير ايديولوجي جديد يبشر بوقوف عجلة التاريخ عند مرحلة الديموقراطية الاميركية. وان القوميات والدول الاخرى يجب ان تلتحق تبعيا بهذا النموذج الاميركي الذي سيعمم ثقافته، ونمط الحياة الاستهلاكية فيه على العالم. ولما كانت المنطقة العربية تشكل مجالا حيويا بالغ الاهمية للاستراتيجية الاميركية، على الصعيدين الدولي والاقليمي المتوسطي، فإن حرب الخليج الثانية وتدمير الجيش العراقي وفرض الحصار الدولي على ليبيا وحرب اليمن وحرب الجزائر وحرب لبنان والانتفاضة الفلسطينية المستمرة ضد الاحتلال الاسرائيلي وتفجر الاوضاع في مصر والبحرين وفي مناطق عربية اخرى جعلت الولايات المتحدة قادرة على تفكيك النظام الاقليمي العربي السابق والعمل على توليد نظام اقليمي آخر باسم النظام الشرق الاوسطي الجديد تكون لاسرائيل فيه المكانة الاولى. وقد نبه الدكتور مصطفى الفقي في كتابه: "تجديد الفكر القومي" الى مخاطر هذه الاستراتيجية الجديدة بقوله: "خرج النظام العربي من الدائرة العربية البحتة ليكون نظاما اقليميا بلا مضمون قومي، فاصبح جزءا من نظام دولي كلي... لقد اصبحنا امام واقع محدد، وهوان ما درجنا على تسميته بنظام عربي، على امتداد الفترة منذ قيام جامعة الدول العربية حتى الآن، لم يعد له من حيث المضمون وجود. صحيح ان الجامعة العربية قائمة، والمواثيق موجودة، والافكار مطروحة، ولكن هناك ازمة ثقة حقيقية بين الاطراف العرب جعلت الحديث عن نظام اقليمي اقرب الى الواقع العملي من الحديث عن نظام عربي". ثم يضيف في مكان آخر المقولة الآتية: "ان خريطة سياسية جديدة يتم رسمها وصوغ بنودها لتحول شرق اوسطي قد يكون جذريا وشاملا، ولكنه سوف يراعي بالضرورة اعتبارات تتصل باهداف القوى صاحبة المصلحة في الوجود على ارضه والمشاركة المستمرة في رسم سياسات مستقبلية. وسوف يشهد الشرق الاوسط - ومدلوله سياسي وليس جغرافيا فهو يشير الى مدلول استراتيجي استخدمته وزارة الحرب البريطانية في نهاية الحرب العالمية الثانية وبدأ في التداول بحيث يشير الى منطقة وسط في الطريق الى الشرق الاقصى - نقول سوف يشهد عملية اعادة توزيع مراكز القوى وفقا لنتائج التطورات الدولية والاقليمية وما نتج عنها من متغيرات في النظام العالمي كله بدءا من اختفاء الاتحاد السوفياتي ككيان سياسي مؤثر وانتهاء بضرب العراق عسكريا وسياسيا...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم