الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

إنها مجرد حياة... فلا داعي لكل هذا التأثّر!

المصدر: النهار
سارة برجاوي
إنها مجرد حياة... فلا داعي لكل هذا التأثّر!
إنها مجرد حياة... فلا داعي لكل هذا التأثّر!
A+ A-

كلما كبرت تعلمت أن الحياة لا تحتاج إلى كل هذا التأثر، تعلمت أنّ لا غاية من أن أحرق نفسي وأتلف أعصابي ودمي من أجل شيء كان ليدفن لاحقاً. تعلمت ألا أكون عاطفية لهذه الدرجة، فأندهش بالصدمات والضربات التي سأتلقاها بألم، وأكسر قلبي معها بكل ما فيه من ضلوع. تعلمت أنّ كل ما جاء من اختبارات إنما هو مراحل تمتحننا الحياة بها وسيأتي يوم وتندثر. فلا داعي لحزن سيمضي، ولا موقف لن يُؤخذ به، ولا صراخ لن يُسمع... فلمَ كل هذا القلق والتوتر؟ لا أدري فعلًا. فلا نتيجة من حزن على صديق سيغدر بك، ولا حاجة لألم على حبيب سيهجرك، ولا أسف على عمل سيستضعفك، ولا أمل من دراسة لن تفلح بها. دع الأمور تمشي كما هي، فأنت مجبر على السير في خطواتها كما هي، مهما غضبت أو انفعلت أو أطلت البكاء أو الكتمان، فكله سيزول. صدّقني!

هي الحياة التي ستعلمك درساً لن يمحى، هي الكتاب الذي إذا فتحته تأكّد أنه لن يُغلق، بل ستنسجم مع صفحاته وتتأرجح بين سطوره من دون معرفة طريق إخراجك منه. هي عالم تكتشف فيه كل شيء. وكل الشخصيات. منها البريئة الطيبة، ومنها الجشعة القاسية. منها من تمدُّ لك يد العون، ومنها من تتركك بمنتصف الطريق بلا سبب. هي ستعلمك أن تكون أقوى بعد أن تذوق المذلة، وأن تكون أقسى حين تعرف الظلم، وأن تكون لا مبالياً حين لا ينفع الاهتمام. وفي الوقت عينه، ستعلمك أن تكون طيباً حين ينبغي، رفيقاً حين يجدر بك أن تكون كذلك. أي كأنك بشخصية مركبة بعض الشيء ولكنها امتزجت بك بغير إرادتك.

ربما كنت لطيفاً لدرجة مفرطة، ولكنك الآن أصبحت لئيماً بدرجة مخجلة.

ربما كنت محباً لغيرك أكثر من نفسك، وأصبحت الآن أنانيًّا بشكل يُعارض داخلك.

ربما كنت مثالًا للحنان وإعطاء الأولوية، وأصبحت الآن متصدع المشاعر، فارغ العاطفة.

ربما غيّرتك الظروف كما تقول دائما... أو كما ترميها دائماً للحياة بقولك: "هي من جعلتني كذلك"، "هي من حوّلتني شخصاً لا يُطاق".

وربما جميع ما تقوله ذرائع غير مقنعة تضعها نصب عينيك وأنت تكذب على نفسك.

لعلّك أنت من أردت أن تكون هكذا وليست الحياة التي غيّرتك. لعلّك أنت من اخترت هذا المسار لوحدك من دون وسائل داعمة لسخطك. ولعلّ الحياة لن تترك لك المجال لتتجه نحو الأفضل، فبقيت غارقاً في الخطايا وأنت لا تُصلح نفسك.

ولكنّ النهاية المؤكدة أن كل ذلك كان مكتوبا ً وكنت ستمضي به حتما.ً. كان عليك أنت تعمل بالأسباب نعم! ولكنك مررت بكل تلك التجارب كما هي بكل ما فيها إما برضاك وإما بمعارضتك، وبالتالي خرجت منها كما دخلت إليها باحثًا عن أبعادها من دون أن تراها.

لذلك، لا داعي لكل هذا التأثر بالحياة، لا بمغرياتها ولا بثغراتها ولا بأحلامها المعلقة..

لا داعي لإضاعة العمر على ما سيغيب بلا عودة.. وسيزول من دون أن تعرفه مجددا..

بل دع الأمور تمشي كما هي، واعلم أنّ نصيبك لن ينقص منه شيء بل سيكون لك كما هو! وعمرك لن يأخذ منه أحدا بل ستعيشه كما هو! لذلك، فلنفسح مجالا لأنفسنا لمعالجتها بدلا من تعقيدها وبدلا من الإشتباك بأحداث تشوبها الضوضائية وأوهام منتظرة لوقت غير آت منذ البداية.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم