الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

لبنان الصغير

سمير عطاالله
Bookmark
لبنان الصغير
لبنان الصغير
A+ A-
يعود المهندس جورج أبو سليمان إلى الضيعة كل صيف مع عائلته، ويقيم في منزله عشاء يجمع معظم رعيله. وبعض الرعيل الأكبر. حضرت العشاء هذه السنة، محرجاً بالفارق في السن، فإذا بي أيضاً أمام مجموعة فوارق كثيرة أخرى. تأملت الحضور فإذا هم نموذج للبنان، الذي تعمّقت جذوره في الأرض وتحلّقت اعضاؤه في ارجائها. لا نعرف عمر بتدين اللقش على وجه الضبط. نعرف أن المير بشير اطلق عليها الاسم لكثرة صنوبرها، واللقش هو لحاء الشجرة الظليلة.وكان شاعرها العظيم بولس سلامة يروي، أنها كانت في الأساس مُلكاً للدروز، الذين اقتطعوها لرهبان دير مشموشة، وكان أهل الضيعة شركاء لديهم، فتملّكوها منهم قطعة قطعة، اولها حيث يقوم منزل الشاعر، ولذا سمّي "جلّ المُلك".قصة بتدين اللقش هي قصة "لبنان الكبير" في علة الوجود، لا في أرشيف القناصل. عشاء جورج أبو سليمان لم يكن مجرد مناسبة اجتماعية. قرية المرابعين هذه تضم، كما ظهر في العشاء، عدداً كبيراً من المهندسين والأطباء والطبيبات واساتذة الجامعات والمحامين وقاضياً كبيراً وضابطاً رفيعاً وقبطاناً في البحرية التجارية وسيدة أعمال كبرى.وإذا كانت نظرية النسبية تنطبق أيضاً على هذا الوادي، ما بين "المطل" و"البقروق" ومائة منزل تقفر في الشتاء، فإن عدد هؤلاء المجلّين في أعمالهم شيء قياسي طيب. غادر جورج أبو سليمان طالباً إلى ستراسبور من المطار من دون المرور ببيروت تحاشياً للكلفة. وحمل معه بتدين اللقش. قبل خمس سنوات جاء بواحد من كبار رسامي فرنسا لكي يصور الضيعة، ثم يرسمها على جدران منزله في باريس. وعندما انتهى من عمله قررت بلدية العاصمة الفرنسية وضع المنزل على لائحة الاثريات الوطنية. وبعد أسابيع تنزل شركة هرمس Hermes الى أسواق العالم المناديل التي عليها صورة بتدين، منقولة عن رسمها.أليست رحلة طويلة بين "الخلّة" و "الغبّيط"، وجادة يينا؟ قرية وهبها الدروز للرهبان. جوارها (بلغة اليوم) دير، وجوار الدير بلدة سنية (بنواتي) بأكملها، وجوار الجوار شيعة جباع، ودروز نيحا. وعندما كنا صغاراً كانت...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم