الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

لبنان والصين

السفير فريد سماحه رئيس منتدى سفراء لبنان
Bookmark
لبنان والصين
لبنان والصين
A+ A-
في أكثر من مرحلة من مراحل تاريخ الصّين القديم والمعاصر، للبنان حضور رغم التفاوت الكبير في المساحات بين البلدين.. فكان لبنان القديم المعروف بفينيقيا له مركزه المرموق. تحت الشمس كان أسطوله يمخر البحار نحو الغرب والقوافل البرية كانت تأتيه من الشرق نحو المتوسط في ظل ترتيبات واتفاقيات تمكنت شخصياً من الاطلاع عليها في الصين في المراكز المخصصة لرحلات "طريق الحرير" القديمة التي كانت تصل مدينة "شيان" الصينية بمدينة "صور" جنوب لبنان، آخر مرفأ آسيوي لطريق الحرير الذي كانت البضائع الصينية تتابع طريقها منه بالزوارق الفينيقية الى البندقية "Venice" في إيطاليا.في هذه المقدمة، ابتغيت التذكير بوجود علاقات قديمة جداً بين لبنان والصين، قبل إقامة العلاقات الدبلوماسية التي نعيشها اليوم، في تاريخنا المعاصر.وفعلاً يصادف هذا العام ذكرى انقضاء ثمانية وأربعين عاماً على إقامة هذه العلاقات الدبلوماسية بين لبنان والصين الشعبية، إذ بعد إبطال عضوية "فورموزا" أي "تايوان" من منظمة الأمم المتحدة العام 1971 وإخراجها منها، حلّت مكانها "جمهورية الصين الشعبية" التي أصبحت بطبيعة الحال عضواً دائماً في مجلس الأمن الدولي. أسرع لبنان إلى الاعتراف بها إذ كان من الدول الأولى التي أقامت معها علاقات دبلوماسية، وقد وضع لذلك بيان مشترك بتاريخ 1971/11/9 وأعلن في الوقت نفسه في العاصمتين بيروت وبكين يوم 1971/11/10. أنشأت جمهورية الصين الشعبية سفارتها في بيروت في شهر كانون الثاني 1972 وأنشأت الجمهورية اللبنانية سفارتها في "بيجين" في شهر نيسان 1972.علاقات سابقة للعلاقات الرسمية:أربع ظاهرات برزت بين زمن العلاقات القديمة والعلاقات الدبلوماسية الحالية التي كان فيها لبنان حاضراً في الصين على مستويات فردية وخاصة.الأولى: حقبة الدكتور جورج حاتم (اسمه بالصينية ما هايدي) حضور علمي ونضالي (منذ 1931).الثانية: حقبة مترجمة كتاب النبي لجبران: عميدة الكتّاب الصينيين بنغ شين Bing Xin حضور ثقافي (1933).الثالثة: حقبة معالي السيد عدنان القصار حضور اقتصادي واجتماعي منذ 1955الرابعة: ظاهرة بيار أبو خاطر "رحمه الله" رجل الخير الكبير: حضور ثقافي وعمراني منذ 1995.إذن قبل التحدث عن مرحلة العلاقات الدبلوماسية التي أقيمت رسمياً بين البلدين أود أن ألفت النظر الى كل واحدة من تلك المراحل التي برز خلالها الوجود اللبناني في الصين.حقبة الدكتور جورج حاتم ما هايديولد جورج حاتم في "بوفالو/نورث كارولينا" من والدين لبنانيين، والده من حمانا ووالدته من ضهر الصوان. بعد إنهاء دروسه الأساسية في الولايات المتحدة، أتى إلى لبنان وتخرّج في الطب من الجامعة الأميركية في بيروت. ونظراً الى أنّ الولايات المتحدة كانت تتخبّط بالأزمة الاقتصادية والمالية التي حلّت بالعالم العام 1929، ونظراً الى الوضع السياسي الخطير الذي كانت تواجهه أوروبا في الثلاثينات، خاصة مع بروز النازية مع هتلر في أالمانيا والفاشيستيه مع موسوليني في إيطاليا والديكتاتورية مع فرانكو في إسبانيا، رأى حاتم أنه من الأفضل تجنّب تلك البلدان والقارات لبناء حياته الجديدة، فتوجّه الى الصين حيث كانت الاشتراكية بالنسبة اليه تفتح له آفاقاً جديدة خاصة وأنه كان متشبّعاً بالأفكار الماركسية. توجّه الى "شانغهاي" وفتح عيادة بدأ عمله فيها. وقد تعرّف هناك إلى فتاة من العائلات الكبرى تدعى "سوفي" كانت تتخصص بفن السينما وفي الوقت ذاته بالتمثيل، فجذبه جمالها وتزوجها دون إبطاء ما سهّل عليه إتقان اللغة الصينية. ونظراً لصداقتها مع زوجة "ماو تسي تونغ" الأولى، توصّل جورج حاتم الى التعرّف إلى الزعيم الصيني وأصبحا صديقين. وفي العام 1937 عندما بدأ "ماو" بحرب التحرير متنقلاً من منطقة الى أخرى ومن مدينة الى أخرى مرسّخاً النظام الشيوعي فيها، رافقه جورج حاتم في "مسيرته الطويلة" حتى الوصول إلى بكين العام 1949 وإعلان قيام "جمهورية الصين الشعبية". خلال الإثنتي عشرة سنة من النضال عالج الدكتور حاتم أكثر من أربعين ألف جريح، فكافأه "ماو" بتعيينه المسؤول الأعلى على كل وزارات الصحة في البلاد، المركزية منها وفي كل الولايات. ومنحه الجنسية الصينية إذ بذلك كان أول أجنبي يحصل على هذه الجنسية. مع ذلك كان يفتخر بأصله اللبناني وبشهادة تخصصّه الطبي التي يحملها ويتباهى بها لأنها من بيروت، من الـ AUB.ونظراً لمركزه المحترم في الأوساط الصينية وللصداقة التي كانت تربطني به، طلبت من فخامة الرئيس أمين الجميّل الموافقة على منحه وسام الأرز الوطني من رتبة "كومندور"، فاستجاب فخامته على الفور وأرسل لي الوسام مع المرسوم والبراءة. وكانت حفلة تسليمه الوسام في السفارة اللبنانية عرساً حضره عدد كبير من الرسميين على رأسهم رئيسة المجلس الاستشاري، ممثلة رئيس الجمهورية ووزيرا الخارجية والصحة وأكثر من مئة شخصية علمية صينية. من جهة أخرى سعيتُ مع السفارة الصينية في بيروت بصنع مجسم نصفي له من البرونز في الصين واستقدمناه الى لبنان، وبمعاونة بلدية حمانا مسقط رأس والده، ثبتناه في الحديقة العامة التي تحمل اسم جورج حاتم في حمانا.التطورات السياسية والاقتصادية في زمن وصولي إلى الصين كسفير للبنان سنة 1985 قمت بدراسة شؤون الصين وأوضاعها التي راحت منذ أوائل الثمانينيات أخبارها تحتل مساحات كبيرة من الصحف العالمية، فبدت التطورات السياسية والاقتصادية فيها وكأنها فصل جديد في تاريخها المعاصر، حتى إن بعض المراقبين يتحدثون عن بدء "الثورة الثالثة" على اعتبار أنّ الثورة الأولى حصلت العام 1911 بقيادة الزعيم "صن يات سن"، والتي قوّضت الامبراطورية وأعلنت الجمهورية. و"الثورة الثانية" اكتملت بسيطرة الحزب الشيوعي بقيادة الزعيم "ماو تسي تونغ" الذي أعلن قيام "جمهورية الصين الشعبية" العام 1949 و"الثالثة" في بدايتها على يد رجل الصين القوي "دنغ شياو بنغ" والتي كان لي الحظ بأن أرافق تطوراتها مع الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم