الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

السيرة المُعرَّضة للنقد... سيمون أسمر أخذ وأعطى

فاطمة عبدالله
السيرة المُعرَّضة للنقد... سيمون أسمر أخذ وأعطى
السيرة المُعرَّضة للنقد... سيمون أسمر أخذ وأعطى
A+ A-

لم يُخرِج "ديو المشاهير" من سيمون أسمر جواهره. أمطر عليه زخّات من قسوة الموقف وتورُّط النفس في حرج. فرض نظراً ثاقباً على مشهد مرتبك، يضجّ بالهواة، فانتقى ما رآه صالحاً، واستبعد ما تراءى له أقلّ جدوى. لربما تغاضى أو ظَلَم، ككلّ بشريّ في ميدان خصب، لكنّه أتقن دور الصانع، أدّاه بمهارة امتلاك المفاتيح والتحكُّم في الأبواب. رجل المغامرة والطاولة المُسيّجة بالجوكر. حياته دولاب، بأضواء هائلة وخفوت مخيف. رأى المشهد من فوق، حيث قهقهات الحظّ، ثم لمحه من الجهة الأخرى. هناك أشلاء من وحدة وعتب وجرح الرفقة. يُنتقد بقدر ما يُقدَّر. جسمه لبّيس للإشكاليات والأسئلة. وحوله تحوم الحقائق والثرثرات. أساء إلى نفسه بحجم أقنعة الحياة وعبساتها المفاجئة. كأنّه يتواطأ معها أو يذعن للسعاتها. ولعلّه بالغ في الانتقائية ورهانات الحدس، فأخذ وأعطى. وصل وأوصل. الكلام عنه مفتوح الاحتمالات، وسيرته معرّضة لتساؤلات نقدية. معاصروه في حزن، يختارون جميل الكلمات. يُخبرون الفضائل وينتقون المحاسن. "ديو المشاهير" قلَّم هالته، وكشف سلوكيات لم نرها محمودة. تدين له ذاكرة التلفزيون، فقد صنع محطات من وهجها. يرحل تاركاً أرشيفاً من بهجات. يستريح بالإنجازات والأخطاء، والضوء والانطفاء والمحن والثمن وبعض الغدر ونكران الوفاء.

بصوت يُظهر ترسّبات العُمر في الحنجرة، تتحدّث صونيا بيروتي عن رجل من موهبة. "هي سرُّه، عزّزها بالعِلم. فضوله هائل، يعمل ليتعلّم". تعدّد ما أنجز، ويروقها التوقّف عند إخراجه أساتذة كباراً من الظلّ، وإشراكهم في لجان تحكيم. "ناقش معهم الأفكار". تُكرّر الإعجاب به. ذات مرّة التقته في مصعد "النهار"، فسألها العمل في برنامج تلفزيوني. "أنا صحافية، لا أملك خبرات الفنّ"، فردّ بكلمات لامعة: "حسناً. الصحافة تجعلكِ تُكثرين الأسئلة". تصفه بالشخصية الحاضرة: "لم يعتمد على أحد سوى نفسه. لم يساعده أحد. تملّكه هاجس أن يُكمل حتى النهاية ما يبدأ به. حرصه كبير على الصورة. أفضّل أن أبكيه، على أن أتحدث عنه".

جورجيت جبارة متأثرة أيضاً. تعلم أنّ للمرء أخطاءه ويجوز أن تكون أخطاء سيمون أسمر كبيرة. "لكنّه وفيّ. من القلّة الأوفياء". تعرفه منذ أن كانت طالبة في الستينيات، "ولم يحدث ما خدش صداقتنا". تنتقي رقيّ الكلمات، وتذكر الرجل بالخير: "علاقاته مع الآخرين تخصّه. أتحدّث الآن عن علاقتي به. لا يتكرّر، وهذا ليس كليشيه لفظياً. أحد لم يقدّم ما قدّمه. لم يقتبس. رؤيته خلّاقة. وكان كريماً جداً". تمرّ على مشكلات سبّبها الكرم، ثم تستدرك حصر الحديث بإطار عاطفيّ يعنيهما، كالزمالة ورفاق المهنة. الأهم أنّها تؤكّد: "سيمون أسمر خفيف الظلّ. صاحب نكتة. على الأقل، يعرف كيف يضحك". تفسّر مهمّته: "إمبريساريو". تراها وظيفة عادية في الغرب، لكن في لبنان، قلّما يتمّ تفهّمها: "يؤدّي عملاً ويتلقّى مقابلاً، أو حصّة من الأرباح. هذا ليس جريمة. يقولون إنّه لربما ظلم أحداً. لا أدري، لكنّني أخالها أيضاً مبالغة. معضلته أنّه يراقب التفاصيل، وهذا مُتعِب. كاراكتيره خاص جداً".

تحبّه، أيضاً، نضال الأشقر. يروقها احترافه وتراه نادراً. "ضحكنا كثيراً، ووقعت مشاحنات. كان يصغي إلى وجهات النظر. ذوقه سرّ نجاحه، وقدرته على تمييز طاقات البشر. قنّاص مواهب، يرى من بعيد، ويدعم مَن يراه جديراً بالسند. للدعم مقابل، وهذا ليس سراً. بعضهم رفض الاحتكار فعمل خارج جناحه، وبعضهم تمسّك به فوصل. هذه طبيعة عمله. قدرته هائلة على الإقناع وصناعة توليفات جديدة. يتقن عمله الى حد يستحيل إنكاره. اسم كبير".

حَلم نيشان بالمرور في مدرسته. يسرد اللقاء الأول به حين تقدّم إلى مبنى إميلي كرم في جونية، حيث "استوديو الفنّ" آنذاك. حين استضافه في "مايسترو" الـ2009، سأله إن كان "صانع النجوم" قد أخطأ يوماً في نظرته إلى الأشياء. ردّ: "نعم، في النظرة إليك، حين نصحتك بعد نيلك الميدالية الذهبية بأنّك تصلح للعمل الإذاعي". يشيد نيشان بصراحته: "ملاحظاته أحياناً مُحرِجة. اهتمَّ بالشكل، ورأى في الثقافة أهمّ صفات المُحاوِر". هو من جيل راقب بذهول جمالية العبور إلى عوالم الشهرة. "وصل الى المجد وانكسر. تمّم واجباته الحياتية ودفع الأثمان. كان الفنانون يسألون رضا الوالدين والربّ وسيمون أسمر. تبدّلت الأحوال وتقلّبت العلاقات. علّم تذوُّق التلفزيون، وحوّله من فسخة للهواة إلى صناعة. كان "تراند" زمنه. البلوك منه كارثة".

[email protected]

Twitter: @abdallah_fatima

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم