زَيْتٌ لمفاصل الآلة الدستورية

إن كان يحصل أحياناً احتكاك في مفاصل الآلة الدستورية، فمرد ذلك إلى الرجال الذين يريدون التحكم بها، أكثر بكثير مما هو عائد إلى خلل في القِطَعِ التي تتألف منها الآلة.Léon Duguitآلةُ الدولة دستورُها. فإذا ما سُمِعَ صرير أو أزيز، فلأن القائمينَ على الآلةِ أهملوا ترويتها بزيت المرونة، أو غفلوا عن ترس فيها تخطى حَيِّزَ دورانه، أو عبِثوا بطرائق تركيبِها المفصلةِ في بيانها المصور(كاتالوغ)، أو سوَّلت لهم نزعاتهم تبديل وظائف قِطَعِها، فابتكروا لها خريطة جديدة تسخر هذه الماكينةَ لتصبح طوع مُكْنَتِهم من دون حسيب أو رقيب.وليس مبدأ فصل السلطات ميداناً لتصارعها، بل مناخ تآلفٍ تؤدي فيه وظائفها بانسجام وكفاءة. فلا نلومنَّ الآلة ولا صانعَها إذا جعجعَتْ؛ اللومُ كلُّه على الطحَّان الذي أساء إلى كَرَمِ الرَّحَى، حتى غاب عنها الطِّحْنُ وحلَّت محله أصوات مزعجةٌ، يحسبها هتاف الجماهير الافتراضية التي تمجد عبقريته، وما يأتي إلّا تخريبًا للآلة، بزَعْمِ أن فعلَه ضربٌ من التطوير.في حديث ممتع مع سماحة المفتي الدكتور مالك الشعار، فصَّل لي فروض العين وفروض الكفاية، مستذكراً محاضرة للشيخ محمد الغزالي فقال: فرض العين واجب على كل مسلم، فإذا تركه أَثِمَ، ومن ذلك ما ثبت وجوبه بدليل قطعي كالصلاة والزكاة، فلا يسقط عن المسلم المكلف إذا قام به شخص آخر. أما فرض الكفاية فنوعان: ديني ودنيوي، إن قام به بعض المجتمع أو واحد منه رفع الإثم عن الجميع، أما إذا أُهمل كليًّا فالمجتمع كله آثم؛ ومن فروض الكفاية الدنيوية الواجبات والأعمال التي لها علاقة بمصالح الناس العامة، كطلب العلم في مجالاته كافة والقضاء بين الناس، والحرص على النظام العام وانتظام الحياة وتيسير الضرورات الإنسانية.من هذه المرجعية الأخلاقية يُنظر إلى الحكام كمكلفين بفروض العين ويُنظر إلى المحكومين كمكلفين بفرض الكفاية فقط. لكنْ، إذا ما...