الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

أقصى ما أرتجيه أن يكون قلبي موضع ذلك السهم

المصدر: "النهار"
عقل العويط
عقل العويط
أقصى ما أرتجيه أن يكون قلبي موضع ذلك السهم
أقصى ما أرتجيه أن يكون قلبي موضع ذلك السهم
A+ A-

أتلقّى في العادة رسائل غير قليلة، تتفاعل مع كتاباتي المسمّاة "سياسيّة". لكنّي أعرف جيّدًا حدودي في هذا المجال، وفي كلّ مجال. فأنا لستُ كاتبًا سياسيًّا، ولن أكون. في كلّ الأحوال، لا أطمح إلى هذه الصفة، ولا إلى أنْ أنتمي إلى عالم السياسة، والسياسيّين، وطبقتهم السياسيّة (والاجتماعيّة طبعًا)، أو طبقة المحيطين بهم. يشرّفني جدًّا هذا اللاإنتماء، وأتباهى بكوني خارج هذه "الدائرة الذهبيّة"!

في المقابل، أتلقّى رسائل قليلة جدًّا، بل نادرة (أستخدم هذا التعبير، من أجل الأمانة والحفاظ على الدقّة الموضوعيّة)، تتفاعل مع كتاباتي الأدبيّة والإنسانويّة. هذا قد يكون مرًّا لمَن، من بين الكتّاب والأدباء والصحافيّين والإعلاميّين، يرتجي الشهرة وتلقّي رسائل التشجيع والإعجاب، وقد يكون محبطًا للغاية له، علمًا (وخصوصًا) أنّي لا أرتجي لحياتي سوى أنْ أكون نسمة هواءٍ، نسمة هواءٍ فحسب، أو غيمةً، محض غيمةٍ فحسب، لنفسي، للأحباب والأصدقاء، وفي الحياة مطلقًا، كما في عالم الأدب والأدباء.

قد تدغدغني الشهرة، وقد ترسل إليَّ شياطينها الغاوية. هذا طبيعيٌّ جدًّا، باعتباري كائنًا بشريًّا ضعيفًا. لكنّي لستُ مريضًا بهذا الهاجس، ولا معقّدًا منه، ولا واقعًا في أسره، ولا يعنيني إلّا في الحدود الدنيا، أن أُلاحق مسألة ترويج كتبي ومؤلّفاتي ومقالاتي، أو إطلاق شهرتي في الأوساط المختلفة. أرتجي فقط أنْ أكون نسمة هواءٍ، نسمة هواءٍ فحسب، أو غيمةً، محض غيمةٍ فحسب، وكم أرتجي أن يكون قلبي موضع السهم الذي تخترقه، الآن، وهنا، وفي كلّ وقتٍ، نظرةٌ جحيميّةٌ قاتلةٌ من امرأة. كما لو أنّي لم أتلقَّ طعنةً لذيذةً ومشتهاةً كهذه الطعنة من قبل.

سبب هذا المقال، أنّي تلقّيتُ توبيخًا وجدانيًّا قبل أيّام، من شخصٍ anonyme، قارئ أو قارئة، لا أدري، فحواه ومختصره أنّه ينبغي لي أنْ أكتب أدبًا، وفي الأدب، وأكتب شعرًا، وفي الشعر، وأكتب فنًّا، وفي الفنّ، إلى آخره. لأنّ كتاباتي في هذا المضمار، على رأي الشخص الموبِّخ، تفتح عتمةً، تستدعي القلب، تستكشف ما تحت الغطاء، غطاء الوعي، تليّن الطريق إلى اللاوعي، تستدرج التخييل، تضع الحلم في مرتبة الواقع، ترهّف الواقع إلى حدّ صيرورته حلمًا، تتلاعب بالغيوم، تُنزِل المطر، فتمنح القارئ المتلقّي القدرة على الامتلاء بجوهر حياته، وتهبه عزاءً لا تهبه إيّاه، لا الحياة المعيشة على أرض الواقع، ولا الكتابة في الموضوع السياسيّ.

أخجلني هذا التوبيخ، وأرجف روحي وعقلي، وجعلني – للحظة - أتمنّى محو كلّ كتابةٍ لي غير أدبيّة. علمًا أنّ كتاباتي كلّها، حتى الغارقة في الشجن العموميّ والسياسيّ والوطنيّ، هي كلّها أدبيّة.

على كلّ حال، ها أنا أطلب "المغفرة" من هذا الشخص الموبِّخ، سائلًا إيّاه الرأفة بمقالاتي "السياسيّة"، التي سأواصل، على رغم توبيخه، كتابتها، طالبًا منه أن يعرف فقط أنّ كتاباتي في الشأن العامّ هي صرخة. هي صرخةُ وجدانٍ رافضٍ لهذا الواقع المخزي.

لعلّ هذه الكتابة - الصرخة تُزلزِل واقعًا رابضًا على الصدور، وتشقلب جبلًا يطوي تحت ركاماته فساد هذه الطبقة السياسيّة، وأصنامها!

كلمة أخيرة: أقصى ما أرتجيه من الحياة ومن الكتابة، أن يكون قلبي موضع ذلك السهم!

[email protected]

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم