الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

صراع بين خطّ سالفيني وخطّ البابا فرنسيس في إيطاليا؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
صراع بين خطّ سالفيني وخطّ البابا فرنسيس في إيطاليا؟
صراع بين خطّ سالفيني وخطّ البابا فرنسيس في إيطاليا؟
A+ A-

"حرب مقدّسة كاملة"

في جلسة 20 آب التشريعيّة الصاخبة، استشهد رئيس الحكومة الإيطاليّ السابق ماتيو رينزي بآية "كنت جائعاً فأطعمتموني وعرياناً فكسوتموني" لمواجهة تشدّد سالفيني إزاء المهاجرين. وكان الأخير قد رفع المسبحة الورديّة وقبّلها ردّاً على الانتقادات التي طالته. على أيّ حال، لم تكن تلك المرّة الأولى التي يستخدم فيها رئيس "الرابطة" هذه الإشارة، وعلى الأرجح لن تكون الأخيرة.



في تقرير نشرته مجلّة فورين بوليسي" الأميركيّة منذ أسبوع، يشرح الكاتب السياسيّ في صحيفة "إيل فوليو" الإيطاليّة ماتيا فيراريزي أنّ الأزمة الحكوميّة أطلقت "حرباً مقدّسة كاملة" في إيطاليا، كاتباً عن قصّة لكنيستين كاثوليكيّتين: واحدة تركّز على العدالة الاجتماعية والترحيب باللاجئين ومساعدة الفقراء وحماية البيئة والدفاع عن قيم الاتّحاد الأوروبي وبناء الجسور عوضاً عن الجدران. هي تعارض بقوّة أفكار قادة مثل سالفيني والرئيس الأميركيّ دونالد ترامب.

أمّا الكنيسة الكاثوليكيّة الثانية، يتابع فيراريزي، فتشدّد على الدفاع عمّا يسمّى بالغرب اليهودي-المسيحي من الهجرة الجماعيّة وتدافع عن العائلة التقليديّة وتحارب القوانين المتساهلة في مسائل الإجهاض والمثلية. وهي تشكك ببيروقراطية الاتحاد الأوروبي وعلمانيته المتوسعة. "هذا القسم يخشى من أنّ قيادة الفاتيكان الحاليّة قد تحوّل الكنيسة في نهاية المطاف إلى منظّمة تقدّمية غير حكوميّة".

دعم خارجيّ؟

إذا كان الفكران يتصارعان سياسياً في إيطاليا، فليس مستبعداً أن يكون تشكيل الحكومة الائتلافيّة بين "الحزب الديموقراطيّ" و "حركة النجوم الخمس" عنصراً مضاعفاً لهذا الصراع في المرحلة المقبلة، خصوصاً إذا صحّ تقويم فيراريزي عن أنّ الحكومة لقيت "مباركة من الهرميّة الكاثوليكيّة لتفادي انتخابات أمكن على الأرجح أن تعزّز قوّة سالفيني".



يوافق كتّاب كثر على أنّ سالفيني خسر المعركة الأخيرة لكنّه لم يخسر الحرب. فهو لا يستعدّ لإطلاق التجمّعات الكبيرة وحسب بل يمكن أن يحصد دعماً سياسياً من الخارج، مثل كبير المخطّطين الاستراتيجيين السابق في البيت الأبيض ستيف بانون الذي كان ينشط في أوروبا خلال الانتخابات القارّيّة أو المحلّيّة في المرحلة الماضية. ومع ذكر بانون وترامب، يصعب تجاهل كتاب "كيف تريد أميركا تغيير البابا" الذي ركّز على محاولة أساقفة أميركيّين لدفع البابا فرنسيس للاستقالة، وقد سلّطت "النهار" الضوء عليه في تقريرها أمس.

ومن المحتمل أيضاً أن يحظى سالفيني بدعم روسيّ، حيث يحتفظ الكرملين بنظرة محافظة شبيهة بتلك التي يحتفظ بها سالفيني، تضاف إلى إشادة الأخير بالسياسة الروسيّة ودعوة أوروبا لرفع العقوبات عن روسيا. كذلك، برزت تسجيلات تظهر مقرّباً من سالفيني يفاوض مسؤولين في موسكو للتوقيع على عقد طاقة من شأنه أن يحوّل الأموال إلى "الرابطة" قبل الانتخابات الأوروبية في 29 أيار الماضي.

من جهته، قدّم رئيس الحكومة المجري فيكتور أوربان دعمه لسالفيني عبر رسالة وجّهها إليه أواخر آب جاء فيها أنّ المجريين "لن ينسوا مطلقاً أنّكم كنتم الأوروبيين الأوائل في بذل جهد من أجل منع المهاجرين غير الشرعيّين من إغراق أوروبا عبر البحر المتوسّط"، ووصفه بأنّه "رفيق سلاح" للدفاع عن "الإرث المسيحيّ لأوروبا". لكنّ صحفاً إيطاليّة أشارت إلى أنّ ألمانيا ضغطت على "الحزب الديموقراطيّ" للتحالف مع "حركة النجوم" من أجل تفادي انتخابات تشريعيّة مبكرة تعزّز موقع سالفيني.


"التفسّخات موجودة"

بغضّ النظر عن الداعمين الخارجيّين لرئيس "الرابطة" أو خصومه، لا يبدو سالفيني في صراع علنيّ مع البابويّة، أقلّه بحسب ما يعلنه شخصيّاً. فهو قال أواسط آب في حديث صحافيّ إلى مجلّة "أوجي" الإيطاليّة إنّ زيارته للبابا ستكون "شرفاً عظيماً"، مضيفاً أنّ نقاط التعاون مع الفاتيكان أكبر بكثير من نقاط الاختلاف.

وكان البابا قد أعرب عن قلقه بسبب "سماعنا خطابات تشبه خطابات هتلر سنة 1934"، وذلك في مقابلة مع صحيفة "لا ستامبا" في 9 آب. ردّاً على هذا الكلام، اتّهمت صحيفة "ليبيرو" الإيطاليّة البابا فرنسيس بأنّه "لا يضيّع أيّ وقت، مفتتحاً حملته الانتخابيّة بسرعة قياسيّة. بشكل بديهيّ كان يهاجم السياديّة، حتى ولو لم يسمّ سالفيني". كان ذلك إشارة إلى الأجواء الانتخابيّة التي رافقت إنهاء سالفيني ائتلافه الحكوميّ ومطالبته بإجراء انتخابات نيابيّة مبكرة.

ليس واضحاً مدى رغبة سالفيني بالدخول في صراع علنيّ مع البابويّة، حتى ولو كانت الأخيرة في وارد "خوض حملة" ضدّه وفقاً لتعبير الصحيفة. فاحتمال وجود رهان على أنّ الحكومة الجديدة ستضعف مع مرور الوقت بسبب تناقضاتها، كبير جدّاً.

أشار تقرير لوكالة "رويترز" في 28 آب إلى أنّ طرفي الائتلاف الحكوميّ (يسار وسط ويمين شعبويّ) يواجهان خصماً واحداً لكن ليس لديهما سوى القليل من النقاط المشتركة. ونقل التقرير عن رئيس شركة "بوليسي سونار ريسك" فرنشيسكو غالييتي قوله إنّ الائتلاف الحكومي "لن يدوم. التفسّخات أصلاً موجودة، لذلك إنّ أسس هذا البناء ضعيفة جدّاً".

قد تكون هذه التناقضات كافية وحدها كي تسقط الحكومة، من دون أن يضطرّ سالفيني للدخول في صراع علنيّ مع الفاتيكان لن يكون مضمون النتائج. فعلى الرغم من التقدّم الكبير الذي أحرزه حزب "الرابطة" في غضون سنة، هنالك أغلبيّة مسيحيّة صامتة قد تلعب دوراً مرجّحاً في المرحلة المقبلة.

إلى الآن، يتمتّع سالفيني بشعبيّة تقارب 40% وهي الأعلى في إيطاليا، لكنّه بحاجة إلى الغالبيّة البرلمانيّة المطلقة لتشكيل حكومته عقب انهيار محتمل للحكومة الحاليّة. السجال العلنيّ مع البابا فرنسيس لن ينفعه في ذلك. لكنّ الصراع الفكريّ الخفيّ بين خطّيهما قد لا يهدأ في المدى المنظور.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم