الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

"تابو" الانتحار... عندما يرفض الأهل أن يموت ابنهم مرتين! #ما_تخبّي_احكي

المصدر: "النهار"
أسرار شبارو
أسرار شبارو
"تابو" الانتحار... عندما يرفض الأهل أن يموت ابنهم مرتين! #ما_تخبّي_احكي
"تابو" الانتحار... عندما يرفض الأهل أن يموت ابنهم مرتين! #ما_تخبّي_احكي
A+ A-

يرحلون تاركين أهلهم في اصعب موقف قد يواجهونه في حياتهم، فلا يكفي انهم خسروا فلذة كبدهم بل عليهم كذلك مواجهة المجتمع الذي يرفض فكرة الانتحار ويعتبر المقدم عليها ضعيف الايمان. عند وقوع الكارثة يخجل معظم الاهل من الكشف عن حقيقة ما اقدم عليه ابنهم، يحاولون بشتى الطرق "تلميع" نهايته، فهم لا يريدون ان يقتل مرتين، مرة بقرار منه والاخرى من معارفه الذين سيرجمونه بكلماتهم على الرغم من رحيله الابدي عنهم.

الانتحار بالارقام

153 حالة انتحار سجلتها القوى الامنية سنة 2018، فيما بلغ العدد حتى تاريخ 21 آب من هذه السنة 126 حالة انتحار من مختلف الجنسيات، ذكوراً واناثاً، ومن مختلف الاعمار، منها 81 لبنانياً، 19 اثيوبياً، 16 سورياً، 6 مختلفة، بنغلاديشيان، فلسطينيان... ل. أ.، م. ح.، ش. ح.، وغيرهم كثيرون، أسماء سلّط الضوء عليها بسبب الوفاة غير الطبيعية... منهم من وقع من شرفة منزله أو من سطح مبنى ومنهم من أوصلته رصاصة الى العالم الآخر ومنهم من تناول مواد سامة، منهم من عُرف الدافع لوفاته ومنهم من رحل وسرّه معه. اصابع الاتهام وجهت بداية الى المتوفى بأنه أقدم على قتل نفسه لكن أكثرية الأهل يرفضون هذه الفكرة ويصرون على اجراء تحقيقات دقيقة واضعين علامات استفهام حول ما حصل، مصرين على أن أولادهم لا يمكن أن يرتكبوا "جريمة" كهذه.

حالات معاكسة

"لا معيار معيّناً يمكن الاستناد إليه لمعرفة الأسباب التي قد تدفع الأهل الى رفض فكرة أن ابنهم اقدم على الانتحار، لكن ما هو اكيد ان منهم من يحاول دحض الفكرة بداية ليعود ويتقبلها مع الايام، في حين ان البعض الآخر يتفهم الواقع منذ البداية"، بحسب ما قاله مصدر في قوى الامن الداخلي لـ"النهار". وبخلاف أكثرية الأهالي التي ترفض أن تعلن الحقيقة على الملأ، لم تتوان غادة أشرم والدة ليث عن الاعلان عن ان ابنها اقدم على الانتحار بسبب لعبة الحوت الازرق، بل على العكس حاولت من خلال ما حصل تحذير غيرها الى خطورة الامر، ومنذ اللحظة الاولى للكارثة رفعت الصوت لتجنب كثيرين الوقوع في الفخ المميت.

وفي صورة معاكسة تماماً، عمدت احدى الامهات إلى تقديم افادتها امام القوى الامنية معلنة ان ابنها أقدم على الانتحار بطلقة نارية في رأسه، ليظهر بعد ايام قليلة انها حاولت ان تجنب صهرها التوقيف والسجن بعدما ارتكب جريمته بقتله، ربما لانها اعتبرت انها خسرت فلذة كبدها ولن يعيده اعترافها وهي في نفس الوقت لا تريد لابنتها ان تكمل حياتها من دون سندها...

رفض وانكار

بين الحالتين السابقتين عشرات العائلات التي رفضت وأنكرت الحقيقة بعد انتشارها على الاعلام، منها احدى العائلات التي اكدت القوى الامنية ان ابنها محمد ح. أطلق طلقتين ناريتين من سلاح حربي أصابتاه في قلبه والسبب قصة حب، فقد اصرت شقيقته بعد نشر الموضوع عبر "النهار" انه "يستحيل ان يقدم شقيقها على خطوة كهذه"، على الرغم من تأكيد القوى الامنية وما قالته زوجة عم الضحية التي لفتت حينها الى انه "في يوم خطبة حبيبته انهى ابن السابعة عشرة ربيعاً حياته"، مضيفةً "ألوم والدتها التي كانت دائماً تعده انها ستزوجه ابنتها، على الرغم من صغر سنه وعدم إدراكه معنى الحب، وفي النهاية لم تفِ بوعدها، وذلك عدا عن انه كان يائساً كباقي اصدقائه واقاربه من سكان مخيم شاتيلا، فالبطالة نهشت تفاؤل الشباب وحطمت طموحاتهم".

كذلك حال شقيق م. ش. (الذي تداول انه اطلق النار على ولديه قبل ان ينتحر على خلفية مشاكل عائلية وتوقف عمله وعدم قدرته على دفع ايجار منزله في عين الرمانة)، حيث شكك في سيناريو ان يكون شقيقه ارتكب "جريمة" كهذه التي بقيت مختبئة خلف الجدران لايام قبل ان تنكشف وتصدم الرأي العام، حيث أكد حينها أن "التعب النفسي كان بادياً على محمد في الأيام الأخيرة لكن بالتأكيد ان قتله ولديه ونفسه آخر خطوة قد يفكر بها"، واصفاً كل ما تم تداوله في مواقع التواصل الاجتماعي وكل من يسارع الى اطلاق الاحكام "بعديمي الضمير"، وطلب حينها "بانتظار انتهاء التحقيقات ليبنى على الشيء مقتضاه، اذ ربما تكون خلف القضية جريمة قتل". وذلك "على الرغم من أن التحقيقات الأولية كانت تشير إلى ان ما حصل ارتكتبه يدا م.".

وقبل ايام عثر على س. ش. في غرفتها في الاوزاعي وعلى الرغم من تأكيد القوى الامنية لـ"النهار" انها "اقدمت على الانتحار من دون ان تُكشف الاسباب بعد"، فإن شقيق سحر رفض ان يُتطرق الى الموضوع، مشدداً على ان شقيقته فارقت الحياة بسبب اصابتها بسكتة قلبية.

نصائح وارشادات احترازية

ما ذكر سابقاً ليس الا نقطة في محيط الحالات التي رفض فيها الاهل كشف حقيقة ما حصل مع ابنائهم، وكما قال الدكتور إيلي كرم، أستاذ في الطب النفسي في مستشفى القديس جاورجيوس الجامعي وجامعة البلمند ورئيس جمعية "إدراك"؛ "نادرا ما يقدم الاولاد على الانتحار ما دون سن العاشرة، بل بدءاً من سن الثانية عشرة وما فوق". ويتابع "هناك اسباب عدة للانتحار، والاهل يمكنهم الانتباه الى امور عدة تظهر في سلوك اولادهم لتفادي وصولهم الى هذه الخطوة".

احد اسباب الانتحار كما قال الدكتور كرم "مرض الاكتئاب الذي لا ينتبه له الاهل غالباً لكونه داخلياً"، منبهاً اياهم الى ضرورة ملاحظة عدة عوارض تظهر على ولدهم منها "إن قلّ حديثه معهم ومع اصدقائه، وتفضيله الانزواء، كذلك اذا تراجعت نتائجه في المدرسة ما يعني ان هناك تغييراً يمر به في حياته ودماغه، واذا تغير توقيت نومه وظهر عليه القلق ليلا، كذلك فقدانه الوزن يعتبر مؤشراً وعدم فرحه بالامور التي كانت تسعده في السابق كالخروج مع الاصدقاء والاستماع الى الموسيقى او ممارسة هواية الرسم ومشاهدة التلفزيون".

السبب الثاني الذي قد يدفع الابناء الى الانتحار كما قال الدكتور كرم: "الصدمة العاطفية لا سيما في سن المراهقة حيث يعتبره المراهق اول حب، وانهاء العلاقة بالنسبة له فاجعة، هنا على الاهل الوقوف الى جانبه ومساندته لتخطي المرحلة"، اما السبب الثالث للانتحار فهو "الادمان من خلال تعاطي الاولاد مخدرات قوية كالهيرويين والحبوب المخدرة حيث يمكن تناول جرعة زائدة لانهاء الحياة"، كما على الاهل ملاحظة "في ما ان تصرف ابنهم بطريقة غريبة وسوداوية، كأن ينزوي في غرفته ويبدأ بالضحك من دون سبب وكأنه يتكلم مع احد وإن كان هذا الامر نادر الحدوث". وشدد الدكتور كرم على ضرورة ان "يبقى الاهل على مسافة قريبة من اولادهم، طارحاً مثال المواظبة على تناول العشاء العائلي يومياً حيث يمكنهم حينها ان يكتشفوا ما يخبئه اولادهم والمتغيرات التي يمرون بها".

رفض الاهل الاعتراف بإقدام ولدهم على الانتحار يعود بحسب الدكتور كرم "الى شعورهم بالذنب والتقصير وعدم انتباههم الى ما كان يمر به، يطرحون علامات استفهام في ما لو كانوا يعاملونه بطريقة خاطئة او لو كان بامكانهم تفادي الكارثة، لذلك يحاولون بداية اخفاء الحقيقة عدا عن ان المجتمع سيعتبر ما حصل وصمة عار على جبين العائلة". لهذا كله شدد الدكتور كرم على "ضرورة استشارة الاهل لاختصاصي إذا ما لاحظوا تغييرات على ولدهم حتى وان لم يصطحبوه معهم وعدم التساهل بالموضوع، كما يمكنهم الاتصال على الخط الوطني الساخن 1564 الذي اطلقته وزارة الصحة اللبنانية في اطار البرنامج الوطني للصحة النفسية".


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم