الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

تحدّي الحداثة والتقليد في صالون فارس للحلاقة

المصدر: "النهار"
طرابلس- رولا حميد
تحدّي الحداثة والتقليد في صالون فارس للحلاقة
تحدّي الحداثة والتقليد في صالون فارس للحلاقة
A+ A-

ميزات متعددة لا يزال يختزنها "صالون فارس" للحلاقة في شارع المطران بطرابلس. فمنذ تأسيسه زهاء ٤٣ سنة خلت، أي في العام الثاني من اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية ١٩٧٥-١٩٧٦، مرّ الصالون بمراحل وتحديات عديدة، لكنه حافظ على طابعه التقليدي، مع تحديث حيث دعت الحاجة.

مؤسس الصالون فارس فارس، قدم من أنفة الساحلية في الكورة بعد أن تعرّضت بلدته للحروب سنة ١٩٧٦، وأسس صالونه الطرابلسي بعد أن استأجر بيتاً له ولعائلته، ومنذ ذلك الحين، لم يغب يوماً عن الصالون، ولم يتغير ما فيه.

في منتصف المفترق الذي يربط مدرسة "عبرين" وقبالتها قصر الحلو للحلاب على طريق عام الميناء، من الطرف الغربي، ومقهى "البنكي" الشهير من الطرف الشرقي، يقوم صالون فارس على زاوية الرصيف في حي سكني أهلي الطابع، وتجري فيه الأعمال التي تخدم سكّانه من محلات سمانة وخضار ولحوم ومصبغة ومكتبة وما شابه.

تخرج من الصالون رائحة خاصة بالحلاقين القدماء، لا تُعرف بالصالونات الحديثة، وهي رائحة عطرية قوامها البودرة التي تستخدم خلال قصّ الشعر، وبعض المعطرات التي كان الحلاق يرشها للزبائن عقب انتهاء عملية القص. لكن الصالونات الحديثة، لم تعد تستخدم البودرة التي خدمت تسهيل عملية قصّ الشعر بآلة الحلاقة اليدوية، قبل اختراع الآلة العاملة على الكهرباء.

كان حلاق تلك الأيام، بحسب فارس، يعمل بيده، ويحرك آلة القصّ بالباهم من جهة، وبقية أجزاء الكف من جهة ثانية، وعليه تحريك الآلة بين كل ضربة وضربة، وهذا عمل يستغرق وقتاً طويلا، ويحتاج ليد متمرسة بالقصّ دون كلل، وبينما تستغرق عملية الحلاقة اليوم ما معدله ربع الساعة، فإنها كانت تستغرق ثلاثة أرباع الساعة أو أكثر سابقاً.

أحياناً كثيرة، يصعب تحريك الآلة بسبب تعرق الزبون، فيضطر الحلاق لرشّ الموضع الذي يحتاج لقصّ، بالبودرة التي استُخدمت لمكافحة "التحسّس" للأطفال حديثي الولادة، وكانت تتمتع برائحة مقبولة.

يفيد فارس أنه لم يعتمد كثيراً على هذه الآلة، وبديلاً منها اخترع آلته الخاصة وهي القصّ بموسى الحلاقة مع الممشط، وهي تقنية كانت خاصة به منذ بداياته، كما قال.

يتحدث فارس لـ"النهار" بقوله: "انفردتُ بين مختلف حلاقي المدينة بأمرين، القصّ بالموسى والممشط، ومعالجة "الثعلبة" التي تظهر بقعة جرداء من الشعر على الوجه، وتحدث بسبب صدمة، أو خوف.

فترة نزوحه إلى طرابلس، نزحت مئات العائلات من قراها إلى المدينة، ومنها إلى الشارع الذي يسكنه، ويعمل فيه. ويفيد أنه استطاع أن يساعد والده في تعليم أخوته السبعة الباقين، وتأمين مدخول يكفي البيت لأن السكان كانوا كثراً، والمهنة مطلوبة، في إشارة منه إلى رواج المهنة، وكثرة المواطنين في الشارع.

يقول: "كان عندي معلمان للحلاقة، وقد تدربوا عندي. وكان المحل يعج بالزبائن، ينتظر كل واحد دوره، وبعض الأحيان يضطر للانتظار أكثر من ساعة، وذلك بعد أن تأمّن البديل من القص اليدوي، باختراع آلة القص على الكهرباء. تسرّعت مهنتنا، وازداد الطلب عليها، لكننا واجهنا الضغط بتطور آلة الحلاقة الكهربائية".

رغم ذلك، لم يكن فارس ليكتفي بآلة الحلاقة، فعليه دائماً العودة للمقص والممشط، والموسى.

تعلّم فارس المهنة عند والده قبل التهجير في "أنفة"، وكان ما يزال في الرابعة عشرة من عمره، وكان والده يفضل متابعته الدراسة، لكن شقاوته، وحاجة البيت لمن يساعد الوالد، عاملان تضافرا ليزجّا بفارس في مهنة أحبها، وبرع فيها، واخترع للصبية أشكالاً "خاصة منها شكل الزورق على الرأس"، كما يقول، ذاكراً أن الموديلات الجديدة التي كانت دور الأزياء تروّج لها، "كنت أتعلمها بمجرد النظر إليها".

التراجع

فارس كثير الشكوى اليوم رغم تمتعه بالراحة نظراً لقلّة الزبائن. فقد بدأ العمل بالتراجع مع بداية تراجع عدد السكان الذين بدأوا يغادرون المدينة منذ تطور الأحداث الأمنية فيها، خصوصاً في فترة الحروب الداخلية حيث تجددت مواجهات باب التبانة-جبل محسن، وكثيراً ما كانت القذائف تطاول أحياء المدينة البعيدة.

خرج كثيرون بالتدريج، وهاجروا، أو عادوا إلى القرى التي وفدوا منها منذ أواسط القرن الماضي طلباً لتعليم أبنائهم، وللعمل. وفي هذ الأثناء، ومع ازدياد بطالة الشباب، أقبل العديد منهم على تعلم الحلاقة بالطرق الحديثة، فجذبوا ما تبقى من زبائن، وبقي قلة من رواد فارس المخضرمين الذين اعتادوا عليه، وينتظر قدومهم بمعرفة مسبقة منه.

يقول: "افتقدت كثيراً للمهنة التي أحببت، ولم أعد أشعر أنني أعمل. ويأتيني زبون أو اثنين في اليوم، بينما كان الصالون يعج بالعشرات سابقاً".

ويتحسر على أيام زمان الجميلة "يوم كنا نقصّ بربع ليرة، أو نصف ليرة في السبعينيات، وعندما جئت إلى طرابلس، بدأت بثلاث ليرات على القصة، وكانت الأجرة تزيد مع تزايد الغلاء، فتدرجت إلى خمس ليرات، فعشر ليرات، واليوم عشرة آلاف، ومع ذلك، لم تعد الحرفة تشكل مدخولاً يغطي حاجات عائلة... مهنتنا ما بقى ينحكى فيها".

ويقارن بينها وبين تزيين النساء، ويقول: "الفارق كبير، فأي قصة نساء تكلف عشرات الدولارات، بينما قصة الرجل لا تزيد على العشرة آلاف ليرة لبنانية".

يتمتع صالون فارس بكراسٍ على الطراز القديم، مصنوعة من النحاس المغطى بالنيكل، والستينلس، وهي نادرة اليوم، لذلك، يقصده منظمو معارض الحلاقة من مختلف الأمكنة عارضين شراء الكرسيين اللتين استخدمهما منذ افتتاح صالونه. ويقول عن ذلك: "يوم اشترينا هاتين الكرسيين، كان ثمن الواحدة ٢٥٠٠ ليرة، وكان راتب الموظف بالمئات. واليوم يدفعون لي ثمن الكرسي ٤-٥ آلاف دولار أميركي، لكنني لا أبيعها، لأنني متعلق بها".

وللمرايات في محله قصة؛ فقد اشتراها عند الافتتاح بأسعار زهيدة، ونظراً لحسن صناعة الزجاج في تلك الفترة، ما تزال مراياته جديدة، وبإطاراتها الخشب السابقة. أما الشعارات التي خططها، وعلقها على الحائط، فقد كانت من الخشب، ووزعها بحسب وظيفتها: "المقص والممشط معاً لقص شعر الرأس، والموسى، والفرشاة، ووعاؤها معاً لحلاقة الذقن".

أثّرت التقنيات الحديثة على المهنة كثيراً، بنظر فارس، فهناك آلات الحلاقة اليدوية للذقن، والشفرات الجاهزة، ولم يعد للموسى مكانته السابقة، فتراجع مبيع الشفر القديم، وقلّ تسويقه، وإنتاجه. ثم جاءت موضة إطالة الذقن، والشعر، فتراجع القص كثيراً، و"باتت الظروف الراهنة عدوة لمهنتنا"، يختم فارس بحسرة.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم