الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

هواجس البابا فرنسيس أمام قاضية لبنانيّة: العدالة والعائلة و"الإيمان والشجاعة"

المصدر: "النهار"
هالة حمصي
هالة حمصي
هواجس البابا فرنسيس أمام قاضية لبنانيّة: العدالة والعائلة و"الإيمان والشجاعة"
هواجس البابا فرنسيس أمام قاضية لبنانيّة: العدالة والعائلة و"الإيمان والشجاعة"
A+ A-

العدالة في الميزان، والعائلة بين الايمان والتحديات. في تموز وآب 2019، فتح البابا فرنسيس وشبكته، "شبكة صلاة البابا في العالم"، الباب على عالمين كبيرين، حيويين لحياة الانسان ونمو المجتمع البشري في الحقوق والواجبات والمواطنية والمسؤوليات والمحبة، ذلك ان "القرارات التي يتخذها القضاة تؤثر على حقوق المواطنين وممتلكاتهم"، على قول البابا فرنسيس (نية الصلاة لتموز 2019)، ولان "العائلة هي المكان الذي تنشأ فيه قيَمنا، المكان الأول الذي نكتشف فيه الحب من خلال والدينا وإخوتنا، إنها إنعكاس لحب الله"، على ما تضيف شبكته (نية الصلاة لآب 2019).

رسالتان من البابا فرنسيس، "نيّتان" للصلاة حول القضاة والعائلة. في حيثيات الموقف الاول، تشديد بابوي على ان "استقلال القضاة يحفظهم من المحسوبية والضغوط التي يمكن ان تلوث قرارات عليهم اتخاذها". و"دعونا نصلي من أجل من يطبقون العدالة كي يعملوا بنزاهة، وكي لا تكون الكلمة الاخيرة للظلم الذي يسود في العالم". وفي الموقف الآخر، دعوة اخرى ملحة الى "الاهتمام بعائلاتنا، لانها المدارس الحقيقية للمستقبل ومساحات الحرية ومراكز الانسانية".

تحديات

هواجس بابوية مستحقة. وتقاربها واحدة من اهل البيت، تفكر فيها، وتصارح بشأنها. من العدالة أولا... وتتكلم القاضية جورجينا ابي طايع يونس، عضو هيئة التشريع والاستشارات، كـ"مؤمنة ومسيحية وانسانة وقاضية": "التحديات التي يواجهها القاضي في عمله كثيرة، ومنها ما يتصل بالقانون ذاته الذي لا يراعي احيانا اعتبارات العدالة؛ ومنها ما يتعلق بنفس القاضي، اذ هو انسان قد تتحكم او تستبد به احيانا ميول وعواطف واعتبارات تبعده عن حس الموضوعية والتجرد والحياد، ما يوجب عليه التنحي من دون انتظار طلب رده".

وهناك ايضا تحديات "تتعلق بوجود تدخلات تريد حرف القضية عن مسارها الطبيعي. وعلى القاضي او القاضية، في هذه الحالة ان يكون منيعا، حصينا، وان يصدّ التدخلات على اختلافها، ايا يكن مصدرها او اتجاهها، والا ينتظر من احد ان يحميه، لانه هو الحامي والرادع، ولانه يستمد حصانته من ذاته، قبل ان يستمدها من اي نص دستوري او قانوني" .

*هل يمكنك كقاضية ان تمارسي ايمانك المسيحي في مهنتك، ام ثمة موانع وحواجز احيانا؟

-ايماني المسيحي لا يقوم على شكل او على طقس او على صلاة فحسب، انما ايضا ينهض على قيم واسس اخلاقية هي جوهر كل دين! لا يكفي ان اصلي او ان اصوم حتى اكون مؤمنة، بل يجب ان اشهد للحق وللحقيقة في حياتي الخاصة والعامة. يجب ان اكون شجاعة في ما افعل وفي ما اقول، والا اعيش انفصاما او ازدواجا بين ما اقول وما افعل ! الشجاعة هي جوهر الايمان، والصدق هو روح كل صلاة! بهذا المعنى، انا مؤمنة ومسيحية وانسانة وقاضية! وانا لم استطع ولن استطيع ان ابدي رأيا او اصدر قرارا يخون قناعتي التي استمدها فقط من معطيات الملف الموضوعية المقرونة بحس انساني، لان القاضي او القاضية ليس آلة عمياء او صماء، وانما هو انسان يطبق القانون على بشر قد تنعشهم او تصلحهم بعض رحمة لا تتناقض وهدف العقوبة الاصلاحي.

*القاضي الذي يعاقب، والقاضي الرحوم. وفي الوجهين، يمكن ان نرى صورة الله "الديان" "العادل"، وفي الوقت نفسه الرحوم. اين تجدين نفسك، كقاضية، في هاتين الصورتين؟

-الهدف من العقاب ليس انتقاما او اقتصاصا، انما هو إصلاح من يخالف قانونا او يرتكب جرما! القاضي ليس ديانا، لانه هو ايضا معرض للخطأ! والقاضي ليس جبارا، لانه هو ايضا إنسان. وهو قبل كل شيء، ورغم كل شيء، إنسان قد يخطىء او يصيب، قد يقع او يوشك ان يقع، فيحتاج الى من يساعده ويرحمه، لا الى من يجلده أو يرجمه! عندما يحكم القاضي على إنسان، فعليه ان يضع نفسه مكان هذا الانسان، وان يبحث عن الأسباب التي جعلته يخطىء، وان يتوخى من كل حكم يصدره او عقوبة يلفظها، إصلاح هذا الشخص! وباب الإصلاح هو الردع! وحدها العقوبة الرادعة تحمي المجرم من سهولة الانزلاق مجددا، فلا يستسهل سلوك طريق الاجرام مجددا! كما وحدها العقوبة الرادعة والحازمة تحمي المجتمع وتبلسم بعض آلام الضحية، اذ نظلم الضحية مرتين، عندما تتسم عقوبة المجرم بتهاون وبتساهل غير مبررين. والله، حين يعاقب ابناءه الضالين، فانما يفعل ذلك بداعي المحبة والردع والإصلاح، لا بقصد التحطيم أو الاذلال او الانتقام!"

"يد تعطي"

*العائلة هي "المدرسة الحقيقية للمستقبل"، على قول البابا فرنسيس، "حيث تنشأ قيَمنا". ما القيم التي تحاولين نقلها الى عائلتك، كقاضية وكامرأة مسيحية؟

-العائلة هي مدرسة من دون كتاب، هي مدرسة من دون شهادات، هي مدرسة من دون جدران، ولكنها هي المدرسة! لا كتاب فيها، لان سلوك الأهل ومسارهم هو الكتاب الحقيقي! ولا حاجة، هنا، الى الوعظ والإرشاد ولكثرة الكلام، اذ ان الفعل والتصرف والسلوك ابلغ من كل كلام، لا بل هو الكلام الحقيقي الذي يرسخ في اذهان الأولاد الذين غالبا ما ينسون الكلام ليتعلقوا فقط بما رأوه وبما لمسوه من تصرف اب او من سلوك ام يستلهمونه او يسترشدون به عند كل مفترق في حياتهم! هكذا، احاول تربية أولادي على قيم أسعى دوما الى تجسيدها، وهي قيم الصدق والشجاعة والشفافية والترفع عن صغائر الأمور، كي يروا جوهر الحياة ويشاركوا، في حلوها ومرها، أناسا يتقاسمون واياهم القيم نفسها. هذه هي الروح المسيحية، روح لا تسقط في البهرجات وفراغ المظاهر وخواء الماديات، لانها روح تسمو بالانسان، ولا تجعله مرادفا لثمن الحذاء الذي ينتعله او السيارة التي يركبها او القميص الذي يرتديه!

*في رأيك، ما الذي يجب ابرازه او العمل عليه في عائلاتنا المسيحية، خصوصا ان البابا يسمي العائلة "مدرسة التنمية البشرية الحقيقية"؟

-لن تبقى عائلة مسيحية، ما لم تبق هي القيم هي الثروة الحقيقية التي تنهض عليها وبها العائلة المسيحية! والمسيحية ليست شارة صليب فحسب، انما ايضا يد تعطي وتساعد وتنشر قيم المحبة والأصالة والتجذر في الانتماء الى حضارة قوتها الحقيقية ليست في رصيد مصرفي، وانما في إرث روحي وفي دور حضاري وفي رسالة إنسانية تعبر كل حدود، لأنها تؤمن بالاخوة الانسانية، لا بالعصبية الهدامة والمدمرة!"

شبكة صلاة البابا في العالم 

في اضاءة للفريق العربي لشبكة صلاة البابا في العالم على هذا الموضوع، "عائلاتنا هي المكان الذي تنشأ فيه قيَمنا. وأكثر من ذلك، إنها المكان الأول الذي نكتشف فيه الحب من خلال والدينا وإخوتنا، إنها إنعكاس لحب الله".

بعد ايام قليلة، تعلن الشبكة "نية الصلاة" البابوية الجديدة، ممسكة بيد البابا في صلاته من اجل العالم وشعوبه... الدعوة الى المحبة والوحدة في الصلاة تتجدد كلّ شهر. 

في كانون الثاني 2016، اطلق البابا فرنسيس "شبكة صلاة البابا في العالم". ويطل كل شهر في شريط فيديو يعلن فيه نية صلاة جديدة من اجل العالم. ويتولى فريق شبكته بالعربية، بقيادة الاب زكي صادر اليسوعي، تفعيل الصلاة في المنطقة العربية، انطلاقا من لبنان.

حاليا، يتبع نحو 12,484 الف شخص صفحة الشبكة بالعربية في "الفايسبوك". ويتألف الفريق العربي من 9 اعضاء.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم