الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

"النهار" تنشر رد "كفى" على ملاحظات المحاكم الروحية حول قانون العنف الأسري (٢)

"النهار" تنشر رد "كفى" على ملاحظات المحاكم الروحية حول قانون العنف الأسري (٢)
"النهار" تنشر رد "كفى" على ملاحظات المحاكم الروحية حول قانون العنف الأسري (٢)
A+ A-

الهرج والمرج هو ما يحصل في المحاكم الطائفية

في كل مرة يتم تقديم مشروع قانون من شأنه إعطاء المرأة حقوقها البديهية كحمايتها من العنف مثلاً، يجابه بالممانعة والرفض والعنف.

هكذا جرى وقت تقديم مشروع قانون حماية النساء من العنف الأسري (قانون 293/2014)، وتمّت المماطلة في البحث به وأخذ إقراره مع إدخال تعديلات عليه سبع سنين، واليوم، يتمّ التعامل مع اقتراح تعديل القانون 293 في الطريقة ذاتها.

نشرنا في الجزء الأول ردودنا على الملاحظات العامة التي وردتنا، وفي ما يلي، ندخل في تفاصيل اقتراح تعديل القانون 293/2014 لنُجيب على الملاحظات التي وردتنا من رجال الدين حول هذه التفاصيل ولنؤكّد على ضرورة تسريع النقاش في اللجان النيابية المشتركة وإقراره لتفعيل الحماية للنساء والأطفال.

أولاً - في شمول الأسرة لما بعد انحلال الرابطة الزوجية

إن الهدف من امتداد مفعول القانون لما بعد انحلال الرابطة الزوجية هو، كما ورد في أسباب التعديل، لسد الثغرة في هذه المادة التي مكّنت العديد من المعنّفين التهرب من تنفيذ الأحكام الصادرة بموجب هذا القانون لمجرد حصول الطلاق.

صحيح أن الطلاق الرجعي هو محصور بالطائفتين السنية والشيعية، لكن القانون العام لا يشرع لحالات خاصة ولا يمكن أن يتضمن مصطلح "كالعدة الرجعية" لا تنطبق على جميع المواطنين. فالنص يأتي عاماً، لكنه يشمل ضمناً فئات عدة من المجتمع يكون لكل منها حالة معينة تميزها عن الأخرى من دون أن يذكر القانون هذه الحالات بالتفصيل.

لو كان الأمر عائداً لنا، لكنا رغبنا بشمول أكبر عدد من النساء بالحماية بغض النظر عن أوضاعهن الخاصة والتي تكون موجودة في بيئة معينة ومرفوضة في بيئات أخرى. فنحن لا نهوى لعب دور النعامة لنغرق رؤوسنا في الرمال ونرفض مواجهة الحالات المتنوعة التي هي واقع حسي ومكرس في مجتمعنا. فمنذ النسخة الأولى للقانون 293، كنا نطالب بأن تشمل الحماية النساء الموجودات في علاقات المساكنة وهي علاقات موجودة ومقبولة في بعض المجتمعات اللبنانية وكذلك النساء الموجودات في علاقات زواج موقت وهي علاقات موجودة ومقبولة في مجتمعات أخرى. والنساء ضمن هذه العلاقات سواء المساكنة أو الزواج الموقت غير محميات ولا مصونة حقوقهن. لكن طبعاً العقلية الذكورية والطائفية الناكرة للحالات الاجتماعية والمتمادية في دس رؤوسها في الرمال حالت دون شمول هذه النساء بالحماية.

إضافة الى كل ما تقدم، لا يخفى على أحد أن النساء وأثناء السير بالتقاضي أمام المحاكم الشرعية أو الروحية أو المذهبية وفي القضايا الخلافية التي تلي الطلاق، يتعرضن للكثير من الضغط والتهديد والاعتداء الجسدي أحياناً ليتنازلن عن حقوقهن بالمشاهدة أو بالحضانة أو نفقة الأولاد وهي الحقوق التي تأتي بعد الطلاق. إضافة الى أنه، وبالتجربة العملية، فقد صدر قرار حماية لامرأة من طليقها باجتهاد من أحد القضاة الذي اعتبر أن العنف الذي تتعرض له المطلقة من طليقها هو ناتج من استمرار مفاعيل العلاقة الناشئة عن الرابطة الزوجية.

إن الضحية زهراء القبوط التي قتلت بالرصاص على يد طليقها لأنها رفضت الرجوع اليه بعد محاولاته المتكررة في إرجاعها، هي مثال صارخ على الحاجة إلى توسيع مفعول القانون لما بعد انحلال الرابطة الزوجية، وكذلك الضحية لطيفة قصير التي قتلت خنقاً على يد طليقها بعد أن تهجم عليها في منزلها ولم تكن المرة الأولى التي يحصل فيها هذا التهجّم بالرغم من شكواها عليه تكراراً. ولم يردع بل اكتفي بتوقيعه على منع تعرض ليس له اي مفعول قانوني بحسب القانون العام. ومن الأمثلة الصارخة أيضا الضحية نسرين روحانا، التي قتلت بعد انفصالها عن زوجها حيث أقدم على قتلها بعد أن اختطفها من مكان عملها. فإذا كنتم لم تسمعوا بهؤلاء النساء وغيرهن الكثيرات يعني ذلك أنكم على مسافة بعيدة من الواقع المرير الذي تعيشه النساء في مجتمعنا الذكوري حتى بعد انقضاء العلاقة الزوجية.

ثانياً - تعريف العنف الأسري على أنه سوء استخدام للسلطة

إن توصيف مجتمعنا بالمجتمع الذكوري الأبوي لا يحتاج الى دليل. ومن المؤكد أن هناك فرقاً بين العنف العام الذي يمارس بين الأفراد دون أن يكون لأحدهم سلطة على الآخر وهذا أمر يغطيه القانون العام، وبين العنف الذي يرتكبه صاحب السلطة ضد من هم خاضعون لسلطته وعاجزون عن مواجهة هذه السلطة ونقصد هنا السلطة الواقعية التي يتسامح معها المجتمع الذكوري أو السلطة القانونية المكرسة في بعض النصوص القانونية ولا سيما قوانين الأحوال الشخصية.

كما أن الكل يُجمع أن أكثر أفراد الأسرة هشاشة هم النساء والأطفال، وبديهي القول إن الفئات الضعيفة أو المستضعفة لا تملك القدرة على مواجهة المعنّف إذا ما كان يمارس السلطة عليها، وفي هذه الحالة يكون العنف وإساءة المعاملة ترجمة لسوء استخدام السلطة. هذا يستدعي تدخل الدولة لحماية الأفراد ووضع حد لإساءة استخدام السلطة. فالعنف الناتج من سوء استخدام السلطة هو سلوك متعمّد موجّه ضدّ الأفراد، الهدف منه إخضاعهم بالقوة لهذه السلطة والسيطرة عليهم، وإفقادهم القدرة على مواجهته أو مقاومته.

وفي ظل وجود قانون خاص لحماية الأطفال من العنف وإساءة المعاملة وهو القانون 422، كان لا بد من إيجاد آلية لحماية النساء من العنف الذي يتعرضن له ممن يمارسون السلطة عليهن داخل الأسرة، فكان القانون 293 والهدف الأساسي منه حماية النساء من العنف داخل الأسرة، مستندين الى مفهوم العنف ضد المرأة الذي يعتبر أن ظاهرة العنف ضدها هي تجسيد لعلاقات قوى غير متكافئة بين الرجل والمرأة عبر التاريخ، أدّت الى هيمنة الرجل على المرأة وممارسته التمييز ضدها والحيلولة دون نهوضها الكامل، وأن العنف ضد المرأة هو من الآليات الاجتماعية الحاسمة التي تفرض على المرأة وضعية التبعية للرجل.(بحسب ما جاء في الإعلان العالمي للعنف ضد المرأة).

وهذا الواقع ليس حكراً على لبنان بل إن ظاهرة العنف ضد المرأة هي ظاهرة عالمية ولذلك استدعت تدخل الأمم المتحدة عبر الاتفاقيات والإعلانات التي صدرت عنها وطلبت من الدول التصدي لهذه الظاهرة وحماية النساء من العنف. فرفض التعديل اعتراضاً على معيار إساءة استخدام السلطة داخل العائلة يؤكد على العصبية الجنسية التي ينطلق منها هذا الاعتراض، لأن المعترض هو على يقين بأن مرتكب العنف هو الذكر (وليس الرجل) في أغلب الأحيان، وهو يرفض محاسبة هذا الذكر وتحميله مسؤولية تعسفه في استخدام السلطة. وهذا ما يسمى بالتمييز الناتج من عصبية الجنس الذي يريد للسلطة الذكورية أن تكون مطلقة من دون رقيب أو حسيب.

إضافة الى ذلك، إن الهدف من تعريف العنف داخل الأسرة على أنه سوء استخدام للسلطة لا يعني كما يزعم البعض، أن العنف الصادر عن شخص لا يمتلك السلطة أصبح مبرراً، بل على العكس، هو للحؤول دون استغلال هذا القانون وعقوباته المشددة لتشمل أفعالاً تصدر عن بعض أفراد الأسرة ويشملها القانون العام. فإذا حصل نزاع بين أخوين على أي موضوع مثل التعدي أثناء البناء أو الخلاف التجاري اذا كانوا شركاء في عمل تجاري واحد وأقدم أحدهما على قدح وذم الآخر أو على ضربه فلا يمكن السماح لأحدهما باستغلال قانون العنف الأسري لاتخاذ إجراءات بحق أخيه غير الإجراءات التي ينص عليها القانون العام وهذا الأمر قد واجهه المحامون العامون الأسريون.

صحيح أن تطبيق القانون في الفترة السابقة قد أدى الى صدور قرارات حماية أغلبها بحق زوج أو أب أو أخ فذلك هو أمر طبيعي لأننا في مجتمع ذكوري والسلطة داخل أسرنا في أغلبها هي للذكور سواء كانت سلطة قانونية أو سلطة واقعية.

أما بالنسبة لمصطلح "أو غيرها" الوارد في تعريف العنف الأسري فهو ضروري للدلالة على أن إساءة إستخدام السلطة ليس محصوراً بالاعتداء الجسدي ولا يمكن حصره بصورة واحدة أو بصور محددة لأن هناك أشكال عنف معنوية لا يمكن إثباتها بتقرير طبيب شرعي وهي الأكثر شيوعاً من العنف الجسدي، لكن المظهّر للعلن هو العنف الجسدي الذي تراه العين ويمكن إثباته بتقرير طبي. واقتراح الغاء هذا المصطلح أو التخفيف من أهميته هو تسطيح واستخفاف بأشكال العنف المتعددة التي تمارس فعلياً، مثل حجز الحرية وانفاق أموال الأسرة بغير موضعها لحرمان مستحقيها من النفقة، ومنع الأم من مشاهدة أطفالها وغيرها الكثير من الأفعال التي يمارسها المعنف للضغط على الضحية وإخضاعها لسلطته وشروطه.

بالنسبة للتخوف من الاستنسابية واستغلال النص القانوني فهو غير مبرر وينتقص من جدارة القضاة العدليين وقدرتهم على تكييف النص والتمييز بين الفعل المتعمّد والقصدي في إيذاء الضحية (وهو عادة ما يكون فعلاً متكرراً)، وبين الفعل الظرفي الطارئ. الا أننا نتفهم هذا التخوف من الاستنسابية لكونها هي السائدة في محاكم الأحوال الشخصية بخاصة المحاكم التي لا تستند الى نص قانوني واضح.

إن المغالاة في ردة الفعل على شمول المحرض والمتدخل والشريك مستغرب وفي غير موضعه ولا يستدعي الرد المطول، لأن المحرض والمتدخل والشريك وبحسب قانون العقوبات، هم مشمولون بالعقوبة في كل الجرائم التي ينص عليها القانون وليس هناك حاجة لنص خاص. وما ورد في اقتراح تعديل القانون ليس سوى تأكيد على المبدأ العام. والموضوع لا يستدعي اجراء دراسة عن تعريف المحرض ودوره بالفعل الجرمي، إذ كان بالإمكان بما أنه اطلع على قانون العقوبات لتعريف المحرض، الاستطراد والاطلاع على المواد التي تعرّف الجريمة وعناصرها والتي يجب أن تشمل الركن المعنوي والمادي. فالنية الجرمية هي ركن أساسي لتكوين الجريمة. فلو حصل الاطلاع على هذه المواد، لما كنا خضنا نقاشاً في أمثلة وهمية لا منطقية. فما ذكر من أمثلة حول إمكانية اعتبار قاضي الشرع أو مفتي الأزهر شريكاً أو محرضاً على إرتكاب الجرم هي أمثلة غير جدية ويجب إسقاطها من النقاش والا قياساً على ما ذكر من أمثلة، يمكن اعتبار المشرع اللبناني الذي يرفض تجريم الاغتصاب الزوجي محرضاً (بالمعنى القانوني) للزوج على اغتصاب زوجته (وهو عنف جنسي). للأسف هذا النقاش اللامنطقي لا يمكن الرد عليه أو الدخول في سجال معه.

ثالثاً: في العقوبات

إن عدم وجود عقوبات محددة لكل جرم يدخل ضمن تعريف العنف الأسري، أوجد إرباكاً في التطبيق أمام القضاء. فتفاوت تفسير القانون بين القضاة، ومنهم من ذهب الى حدّ اعتبار أن العنف الجسدي غير مجرم في القانون 293 الا اذا حصل في معرض الحصول على الحقوق الزوجية.

ومن الثغرات التي عرّضت القانون للانتقاد، هي أن القانون شمل في تعريف العنف أشكال العنف كافةً منها الاقتصادي والمعنوي، لكنه لم يرتّب أي جزاء على من يرتكب هذه الأشكال من العنف. اعتُبر هذا نقصاً في التشريع وجعل القاضي يعود الى القانون العام ليلائم الفعل المرتكب مع النص العام كي يتمكن من ترتيب جزاء على مرتكبه. من هنا ارتأت وزارة العدل أن تكون جريمة العنف الأسري جريمة قائمة بذاتها، وبسبب عدم القدرة على حصر الأفعال العنفية، تم اعتماد الضرر الناتج من الفعل العنفي لترتيب الجزاء الملائم له. ولا نعتقد أن هناك من هو أكثر خبرة من وزارة العدل وهيئة الاستشارات والتشريع فيها في مسألة الموازنة بين الجرم والعقوبة.

أما في ما يخص جريمة الزنا، فإننا لنعجب من ردة الفعل حول طلب الغائها. فلطالما تمسّكت المراجع الدينية عامةً ومحاكم الأحوال الشخصية بخاصة بكل ما يختص بالأسرة والعلاقة بين أفرادها، ورفضت تدخّل القضاء العدلي بها معتبرة إياه تعدياً على صلاحياتها.

يعتبر فعل الزنا إخلالاً من أحد أطراف العقد بالموجب المترتب عليه في عقد الزواج، وبالتالي فإن هذا الإخلال هو موضوع شخصي، يتعلق بأطراف العقد ولا شأن للمجتمع به. بما أن قانون العقوبات يتدخل ليرتب عقوبة على الجرم الذي له علاقة بالمجتمع والسلوك الإجتماعي، وبما أن عدم الإلتزام من أحد الزوجين بمضمون عقد الزواج وإقدامه على إقامة علاقة مع غير الزوج هو أمر لا يتعدّى الإخلال بموجب تعاقدي، يجب بالتالي أن تبقى المفاعيل المترتبة عليه ضمن قضاء الأحوال الشخصية ليرتب عليه سبباً رئيسياً للطلاق مع التعويض للطرف المتضرر ولا يتعداه الى إنزال عقوبة الحبس واعتباره جريمة بحق المجتمع.

لماذا إذاً هذا الاستغراب كله؟ فحتى في النصوص الدينية، لا يخفى على أحد أن فعل الزنا لا يُعاقب عليه في النص الديني الا في حالة توافر أربعة شهود (بحكم المجامعة العلنية). هل من العدل أن تحاكم الضحية منال عاصي بجرم الزنا بعد وفاتها، من دون أن يكون لها حق الدفاع عن نفسها، لمجرد اعتراف شخص بإقامة علاقة معها وزعم زوجها أنها اعترفت له قبل مماتها أنها على علاقة مع آخر، ومنال تحت التراب لا تستطيع أن تؤكد أو تنفي هذا الادعاء؟ ربما لو أتيحت لها فرصة الدفاع عن نفسها لوجدنا أنها هي من تمّت خيانتها وأن زوجها هو من كان يجب أن يحاكم بجريمة الزنا. الهدف من المحاكمة كان منح قاتل منال عاصي الأسباب التخفيفية المسندة الى ثورة الغضب. إن الإبقاء على جريمة الزنا يجعل إلغاء المادة 562 من قانون العقوبات بلا أي مفعول عملي ولذلك يجب استكمال إلغاء مفاعيل المادة 562 عبر الغاء المواد 487-488-489 من قانون العقوبات وتعديل المادة 252 منه.

رابعاً: في دور الاختصاصية الاجتماعية

كنا نتمنى لو قامت وزارة الشؤون الاجتماعية بواجبها وأعدت لائحة بأسماء المساعدات الاجتماعيات وهي اللائحة المطلوبة منها بموجب القانون 293 لمساندة الضحية خلال التحقيق بشكوى العنف الأسري. لكن هذا لم يحصل، والقرار في وزارة الشؤون الاجتماعية لم يؤخذ بعد بالتدخل لتقديم هذه الخدمة للضحايا، رغم قيامنا بالشراكة مع الوزارة بتدريب 75 اختصاصية اجتماعية على القانون 293 وعلى دورهن بموجب هذا القانون. لكن وزارة الشؤون لم تعلن لغاية تاريخه عن اللائحة المعتمدة من قبلها من الاختصاصيات الاجتماعيات لمساندة الضحايا، وهذا بالتأكيد دور الدولة وليس دور الجمعيات التي تقوم حالياً بسد الفراغ الناتج من عدم قيام الدولة بمهامها. إزاء هذا الوضع، وبما أنه لا يمكن تأخير التحقيق لحين تأمين اختصاصية اجتماعية، كما لا يجوز معاملة النساء كالقصّر الذين يتوجب مرافقتهم أثناء التحقيق من مندوبة الأحداث، من المفترض أن يُباشر التحقيق بالشكاوى المقدمة منهنّ دون حضور اختصاصية اجتماعية، إلّا في حال طلبت السيدة هذا الدعم. كما انه، ونتيجة للتدريبات التي أجرتها منظمة "كفى" للعناصر الإناث في قوى الأمن الداخلي بالشراكة مع مديرية قوى الأمن الداخلي على القانون 293 وعلى كيفية تقديم الدعم الاجتماعي للضحايا، أصبح بالإمكان أن تؤمن عناصر قوى الأمن الداخلي من الإناث، المساندة المطلوبة للنساء.


خامساً: في التنفيذ عبر النيابة العامة

إن أسباب التعديل المقدمة مع اقتراح التعديل كافية للدلالة على أهمية إيراد مثل هذا الإجراء. إذ إنه، وبالتطبيق العملي، تبين أن التنفيذ عبر النيابة العامة له فاعلية أكبر وأسرع من التنفيذ عبر الكاتب التابع لقاضي الأمور المستعجلة الذي، في كثير من الأحيان، يكون هو نفسه معرضاً للخطر أثناء الانتقال لتنفيذ قرار الحماية وبحاجة للاستعانة بالقوى الأمنية لمرافقته في التنفيذ.

سادساً: في حماية أطفال الضحية

للأسف، وبما أن موضوع الحضانة لدى الطوائف مرتبط ببلوغ الطفل سناً معينة وذلك دون الأخذ بعين الاعتبار مصلحة الطفل الفضلى، من الطبيعي أن تعترض المحاكم الطائفية على إخراج أولاد الضحية معها إذا لم يكونوا بسن حضانتها. الموضوع ليس انتزاع صلاحية الحضانة بل هو حماية الأطفال المعرضين للخطر. والقضاة الذين طبقوا القانون 293 اعتبروا أن الطفل الشاهد على العنف هو عرضة للخطر مثل الطفل الذي يقع عليه العنف مباشرةً إذا لم يكن أكثر. إضافة الى أن فصل الأطفال في قرارات الحماية، كأن تخرج الفتاة مع الضحية دون الصبي أو العكس، هو أمر في غاية الخطورة ويؤثر نفسياً على الطفل الذي قد يشعر أن والدته تخلت عنه وفضّلت حماية شقيقته.

فعند وقوع العنف داخل الأسرة، يكون كل الأفراد الموجودين في هذه الأسرة سواء كانوا ضحايا مباشرين أو ضحايا ثانويين (شهوداً على العنف) عرضة للخطر ويجب حمايتهم بغض النظر إذا كانوا راشدين أم قاصرين. ومثلما يستمر قضاة المحاكم الطائفية بالمطالبة باحترام صلاحياتهم، يفترض بهم أن يحترموا بدورهم اختصاص القاضي المدني. فالقاضي، سواء أكان قاضياً طائفياً أم مدنياً، يطبّق القوانين المقرة بغض النظر عن قناعته بها. فهو جهة يفترض بها تنفيذ القوانين النافذة الى حين تعديلها من المشرّع، وإلا اعتبر متقاعساً عن إحقاق الحق. لكن بعض قضاة المحاكم الطائفية يعتبرون أنفسهم فوق القانون، فبدل أن ينظروا الى قرارات الحماية الصادرة عن قضاة العجلة كبيّنة على إساءة المعاملة وخطورة المعنّف للبت بالطلاق أوبعدم أهلية الحاضن للحضانة، فإنهم يرفضون كل ما يصدر عن قضاة الأمور المستعجلة من قرارات حماية تطبيقاً للقانون 293، محاولين تجاهل هذا القانون وكأنه غير موجود، مشككين بكفاءة القضاء المدني وقدرته على التحقق من وجود العنف الذي استوجب صدور قرار لحماية الضحية. فمنهم من يتعسف في المماطلة أو في إصدار أحكام مجحفة بحق الضحية التي لجأت للقانون 293 كقصاص لها، ومنهم من يتجاوز صلاحياته ليحكم بإلغاء مضمون قرار الحماية الصادر عن قضاء الأمور المستعجلة.

إن مصلحة الأطفال الفضلى لا تحسب بالأرقام. فحماية أطفال الضحية هي أمر جوهري وضروري بحيث إن معظم الضحايا يرفضون الخروج من المنزل وحماية أنفسهن إذا كان ذلك سيفرض عليهن التخلي عن أطفالهن القاصرين وتركهم بين أيدي المعنّف.

سابعاً: في حماية الضحية القاصر

طالما أن الطوائف ما زالت تسمح بتزويج القاصرات وطالما أن الدولة اللبنانية ما زالت متقاعسة عن واجبها في تشريع تحديد السن الأدنى للزواج، فإن للقاصرات اللواتي يتم تزويجهن الحق بالحماية من العنف الذي يتعرضن له بعد الزواج. ومعظم التشريعات العربية التي تسمح بتزويج القاصرات، وحتى بعض الطوائف في لبنان، تُرشد القاصرة في ما ينتج عن الزواج من نزاع. لكن هذا الأمر غير مقر من الدولة اللبنانية. وبما أن قانون حماية الأحداث يعطي للقاصر حق التبليغ المباشر عن العنف الذي يتعرض له، فمن باب أولى إعطاء القاصرة المتزوجة والتي تعاني من عنف زوجي الحق باللجوء الى قاضي الأحداث دون الحاجة الى ولي أمر للاستفادة من الحماية المنصوص عنها في القانون 293.


في الختام إن إقرار إقتراح تعديل القانون 293/2014 هو حاجة ملحة لتفعيل الحماية لضحايا العنف الأسري وما جاء من ملاحظات على لسان مختلف المراجع الطائفية ليس بجديد، فنحن نتوقع في كل مرة تذكر فيها حقوق النساء ومطالبة الدولة بالقيام بواجبها لحماية النساء كمواطنات وحماية حقوقهن، أن نسمع الملاحظات نفسها من الطوائف التي صادرت وتستمر بمصادرة دور الدولة. حياة النساء التي تقتل داخل الأسرة هي أولوية بالنسبة لنا وأهم من الهواجس السلطوية غير المبررة الموجودة لدى القيّمين على الطوائف.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم