الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

الخلاف الأميركيّ - الدانماركي حول غرينلاند يعجب الصين... وربّما إيران

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
الخلاف الأميركيّ - الدانماركي حول غرينلاند يعجب الصين... وربّما إيران
الخلاف الأميركيّ - الدانماركي حول غرينلاند يعجب الصين... وربّما إيران
A+ A-

ساحة لصراع النفوذ

يحتلّ النفوذ الصينيّ اليوم أولويّة مطلقة لدى الإدارة الحاليّة التي تستأنف الحرب التجاريّة معها. لكنّ التمدّد الصينيّ في غرينلاند حظي باهتمام المراقبين الأميركيّين لما يفرضه من مواجهة للتمدّد الأميركيّ هناك. تقدّمت الصين بعرض لتطوير ثلاثة مطارات بقيمة تفوق نصف مليار دولار حيث يعتمد سكّان الجزيرة (56 ألفاً) على الطيران للربط الاقتصاديّ والتجاريّ مع البرّ الأساسيّ للبلاد. أتى العرض بعدما تقدّمت الحكومة المحلّيّة بمناقصة حول الموضوع. لكنّ الحكومة الدانماركيّة أبدت رفضها للمشروع ممّا أدخل الحكومتين في مفاوضات حادّة. لكن يبدو أنّ "الشركة الصينيّة للاتصالات والبناء" وفّرت على الطرفين عناء إنجاز هذه المفاوضات بعدما أعلنت في حزيران الماضي سحب عرضها وفقاً لما نقلته "رويترز" عن صحيفة محلّية.

كما أنّ الولايات المتّحدة حذرة من التمدّد الصينيّ، كذلك هو الاتّحاد الأوروبّيّ الذي يشهد منذ الأزمة الماليّة العالميّة سنة 2008 حضوراً استثماريّاً كبيراً لبيجينغ في القارّة العجوز. ومع ذلك، لا تزال الصين حاضرة في العديد من القطاعات الاقتصاديّة الأوروبيّة ومن بينها المطارات. لا يعني تراجع الشركة الصينيّة عن عرضها، تراجعاً للنفوذ الصينيّ من الجزيرة. فبيجينغ تستثمر في قطاع المناجم حيث تستخرج الحديد والأورانيوم والزنك ومعادن نادرة أخرى. في هذا الوقت، تملك الولايات المتّحدة قاعدة ثول الجوّيّة في الجزيرة وفيها نظام مبكر للتحذير من الصواريخ البالستيّة. وهذا ما يجعل الجزيرة ساحة لصراع نفوذ كبير بين الدولتين.

طموح أخطر

مع تراجع المساحات الجليديّة بسبب التغيّر المناخيّ، سيكون متوقّعاً احتدام هذا الصراع في السنوات المقبلة، طالما أنّ الجزيرة نفسها تشكّل باباً للوصول إلى الدائرة القطبيّة الشماليّة. وأصدرت الصين "الورقة البيضاء" في كانون الثاني 2018 والتي تضمّنت تطوير المشاريع المشتركة في تلك المنطقة واستخراج النفط والمواد الخام وغيرها من المعادن في سياق تطوير "طريق الحرير القطبيّة" ضمن خطّة صينيّة للاستثمار في عالم جديد يكشف عنه ذوبان الجليد.

"المعهد الدانماركيّ للدراسات الدوليّة" أصدر تقريراً في تشرين الأوّل الماضي، جاء فيه أنّ النيات الصينيّة تجاه غرينلاند واضحة وترى شركاتها، الخاصّة أو العامّة، أنّ غرينلاند هي الحدود الجديدة للاستثمار. وهنالك على الأقلّ أربعة مشاريع استثماريّة في غرينلاند للشركات الصينيّة حصّة فيها. إنّ اهتمام الشركات بثروات غرينلاند الباطنيّة وبنيتها التحتيّة متماشٍ مع سياسة الحكومة الصينيّة في "الورقة البيضاء" وستحصل هذه الشركات على المزيد من الدعم الديبلوماسيّ والماليّ فيها مدفوعة بهذه السياسة. ويشير التقرير إلى أنّ بعض الباحثين الصينيّين دافعوا عن ضرورة أخذ المسؤولين بالاعتبار إمكانيّة استقلال غرينلاند عن الدانمارك في السنوات العشر المقبلة.

تحظى غرينلاند منذ سنة 2009 باستقلال ذاتيّ، حيث تدير شؤونها الاقتصاديّة بنفسها فيما تعود الشؤون الخارجيّة والدفاعيّة للدانمارك. لكنّ فصل الاقتصاد عن الأمن مسألة حسّاسة، ولهذا السبب حملت الاستثمارات الصينيّة في غرينلاند قلقاً دانماركيّاً لكونها قد تُخضع الجزيرة للنفوذ الصينيّ.

حين دافعت عنها مرّتين

لدى الأميركيّين والدانماركيّين مصالح مشتركة في تحجيم الدور الصينيّ في غرينلاند. كتبت كريستين بانغ-أندرسون في مجلّة "جورج تاون" للدراسات الأمنيّة في شباط الماضي أنّ اهتمام سكّان غرينلاند أنفسهم بالاستثمار الصينيّ الذي يعادل 11.6% من الناتج المحلّيّ الإجماليّ يأتي في سياق بذل أفضل الجهود لقطع الروابط بالاستعمار وتحقيق الاستقلال عن الدانمارك. وتريد غرينلاند من خلال هذه المشاريع أيضاً تحقيق الاستقلال الماليّ إذ يشكّل الدعم الدانماركيّ حوالى 50% من موازنة غرينلاند. وفي 2016، رفضت الدانمارك بيع قاعدة عسكريّة أميركيّة مهجورة لأنّها تشكّل خطراً على قاعدة ثول الجوّيّة.

أمّنت الدانمارك مرّتين المصلحة الأميركيّة من خلال الاعتراض على توجّهات غرينلاند لفتح علاقات عمل مع الصين، لأنّها تشكّل خطراً على الأمن القوميّ الأميركيّ إضافة إلى أمنها الخاص. بذلك، بات على الإدارة الأميركيّة التعاطي بلين أكبر مع كوبنهاغن. ربّما أخطأ الطرفان من خلال أسلوبيهما الإعلاميّين في التعامل مع هذه المسألة. حتى القبول الافتراضيّ للدانمارك ببيع الجزيرة للأميركيّين لما أمكنه أن يمرّ بسلاسة، لأنّه يتوجّب على واشنطن أن تعزّز حضورها الاجتماعيّ بين سكّان الجزيرة في المقام الأوّل.

لم تقل يوماً لا.. ما قد يخسره مع إيران

اقترحت بانغ-أندرسون حين طالبت الأميركيّين ببناء قاعدة في عاصمة غرينلاند نوك كي تعلن نيّتها بالانخراط مع سكّانها. كما يمكنها تعزيز الانخراط الصحّيّ والتعليميّ والبحثيّ في لجنة ثلاثية مشتركة أقيمت سنة 2004 وتوقفت بعد عشر سنوات، بعدما بدّل الأميركيّون مقدّم خدمات غرينلانديّ لقاعدة ثول بمتعاقد أميركيّ ممّا كلّف السكان خسارة 60 وظيفة. كذلك، تبني الدانمارك تعاملها على "تاريخ استعماريّ مؤلم وغياب ثقة يخترق جميع التفاعلات مع غرينلاند".

اللافت في كلّ ذلك، أنّ بانغ-أندرسون قدّمت نصيحتها للحكومتين بتغيير نظرتيهما إلى غرينلاند قبل ستّة أشهر على التوتّر الأخير بين واشنطن وكوبنهاغن "كي لا تصبح غرينلاند أوّل قاعدة عسكريّة في الدائرة القطبيّة الشماليّة".

والدانمارك التي لم تقل يوماً "لا" لأيّ مهمّة عسكريّة أميركيّة أو أطلسيّة في الخارج وفقاً لما يقوله النائب السابق لمساعد وزير الدفاع للشؤون الأوروبية والأطلسيّة جيم تاوسند لمجلّة "فورين بوليسي"، قد لا تنضمّ إلى المهمّة البحريّة التي تقودها واشنطن في الخليج، على الرغم من أنّ احتمال تخطي كوبنهاغن للمشكلة قائم أيضاً. وإذا كانت الدانمارك تتطلّع فعلاً قدماً، فقد يكون ذلك دافعاً لترامب كي يفعل الأمر عينه.

تفاؤل؟

على الأرجح، هذا ما يسير الطرفان باتّجاهه. فبعدما وصف ترامب فريدريكسون بـ "البغيضة"، تحادث الزعيمان الخميس فيما أشار الإعلام الدانماركيّ إلى أنّ الاتصال الهاتفيّ كان "بنّاءً"، وفقاً لـ "أسوشييتد برس". كذلك، ذكرت الوكالة نفسها أنّ الولايات المتّحدة تخطّط لفتح قنصليّة في نوك مع توظيف أشخاص من السكّان المحلّيّين. يبدو أنّ سحابة الصيف في طريقها للتبدّد.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم