الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

عشاء

المصدر: "النهار"
عقل العويط
عقل العويط
عشاء
عشاء
A+ A-

- ستائرُكِ مسدلةٌ، وبابُكِ موصَدٌ. القمرُ وحيدٌ ظلُّهُ في البحر. البستانُ الذي تصل أراضيه إلى نواحي قلبي، منهوبةٌ عرائشُهُ في نواحي قلبي. كيف أُطعِم الثعالب التي تعوي في الأودية، إذا سَأَلَتْني أنْ أسطح لها التين والعنب؟

- ستائرُكَ مشلّعةٌ، وبابُكَ غير مرئيّ. هواؤكَ يأخذ أشجار الحور إلى كلّ خيالٍ ومكان. القمرُ، لا ظلُّهُ، لا بدّ أنْ يكون هو الذي اختار أنْ ينزل في البحر. أبحث عن يديكَ فلا أعثر على عطرٍ من لغةٍ ولا على فكرةٍ من ثياب. الوجعُ الصيفيُّ قد يكون جَعَلَكَ مشغوفًا بالإمّحاء. ربّما بسبب الحرّ وصلافة الضجر. ربّما بسبب الظلال الكثيفة التي تمكر بالرؤية. هل صحيحٌ أنّكَ لم تعد أنتَ؟

- تلك شجرةٌ وحيدةٌ، أنا إيّاها، أمس واليوم وإلى الأبد. كثيرٌ هو الصمت الذي يمنحني أنْ أغيم لأرى لا شيء، ولأرى جيّدًا. أُحبّ نَزَقَ أنْ أكون زبيبًا وتينًا مُلقًى على السطوح الليليّة. هكذا يُستطاب أنْ أؤكَل. وهكذا أتخفّى لأعثر على ما بقي منّي. ليس صحيحًا أنّي أنا. ليس صحيحًا أنّي لستُ أنا. صحيحٌ أنّي صرتُ لا أحد، وبلا أثر. أكتب فقط ما ينتاب الشجرةَ في النعاس والنوم. وأكتب الضجر الذي يكتنف النعاس والنوم.

- كيف لي أن أعرف لماذا، وبأيّ عذرٍ تُجوِّع الثعالبَ في الجوار؟ كيف لي أنْ أعرف بأيِّ ليلٍ تسهر على الليل، وخصوصًا عندما السماءُ ترتعش – كما الآن – وتختار أنْ تظلّ مقفرة؟ أتفعل ذلك، يا ترى، إكرامًا لعواء الجنس الذي يهشّل القمر؟ عجبًا، كيف يترك حارسُ بستانٍ بئرَ بستانه مهجورةً بلا ماء؟! أَلاَ يشعر هذا الحارس، أَلاَ تشعر أنتَ نفسكَ بالتبكيت أو بالإحراج إذا سُئلتَ أنْ تروي العطاش عندما تعييهم سبل الارتواء؟!

- الماء يأتي بالماء. والعطش يأتي بالعطش.

- هل يجب أنْ أخاف؟

- خافي قليلًا وكثيرًا. أو لا تخافي. عادةً، ينهمر الليل من دون ثياب فلا يشعر أحدٌ بالإرتباك. إحساسُهُ بالجموح، يُعفيه من كلّ حيرةٍ أو ندم. عراؤه يحفّز على العراء. تعالَي في الليل، وافعلي فقط ما يفعله الليل.

- أخاف. أخاف أنْ أربح القمر الذي في البحر فأخسر الكلمات. أخاف أنّي أخاف.

- مُهلِكٌ وممتعٌ ألّا تخافي. مُهلِكٌ وممتعٌ أنْ تخافي...

- ماذا بعد؟

- قولي إنّ شَعرَكِ منسدلٌ ليحمي نداء عينيكِ من كبت الخَفَر. قولي فقط إنّ الحرّ شديد، وإنّك فقط عطشى.

- إنّ الحرّ شديدٌ، وإنّي فقط عطشى.

- لا يكفي. لا يكفي.

- لكنّي أقول وأكرّر: إنّ الحرّ شديدٌ، يا سيّد، وإنّي فقط عطشى...

- السماءُ اللبقةُ تعرف من تلقائها أنْ تنزل عليكِ بماء السماء.

- مُهلِكٌ وممتعٌ أنّ الحرّ شديدٌ، وأنّي فقط عطشى.

- مُهلِكٌ وممتعٌ أنّكِ فقط عطشى...

- مُهلِكٌ وممتعٌ فقط...

- السماءُ غيومُها تُدثّركِ الآن. والقمرُ الذي في البحر، بعد قليلٍ ينضمّ بوارف بحره، لتطفح البئر ويكتمل العشاء.

[email protected]

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم