الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

مقهى "الغندول" كان وطنًا بمنازل وأحلام كثيرة

عقل العويط
عقل العويط
Bookmark
مقهى "الغندول" كان وطنًا بمنازل وأحلام كثيرة
مقهى "الغندول" كان وطنًا بمنازل وأحلام كثيرة
A+ A-
أقفل مقهى "الغندول" أبوابه في كورنيش المزرعة بعدما أدّى قسطه للعلى. عشيّة العام 1972، التقينا فيه، أسرابًا متنوّعةً من الفتيان المعلومين المجهولين الأشاوس الحالمين النبلاء العشّاق الشعراء التائهين العزّل والمشّائين، ممهورين بالمواهب والمعايير والفلسفات والأفكار والعواطف والعقول والأشعار. هذا المقهى الذي تأسّس منذ 1952، كان علامةً، وكان حامل معنى، وكان بوصلة. عايش الأيّام اللبنانيّة بحلوها والمرّ، وتضمّخ بالعزّ والأمل والبحبوحة، ليتضرّج في ما بعد بليالي الحروب والضغائن والمشاريع القاتلة. لم تقتله الحرب، فعاندها واستنهض معناه والبوصلة متباهيًا بفروسيّته ورغبته الهائلة في الحياة، لنستفيق أمس على أبوابه المقفلة بعدما كانت أبوابه مشرّعةً على كلّ أصيلٍ وأنيقٍ ونبيلٍ في المدينة وأرجاء البلاد.ليس في المستطاع الإحاطة بأعمار هذا المقهى وحقباته. لكنّه كان الفتى في أجياله كافّةً، على رغم الترهّل وسنوات اليأس التي مرّ بها وتركت بصماتها على جسده والروح. عايشتُ "الغندول"، وعشتُهُ، مليًّا، في الأعوام الأربعة التي سبقت اندلاع الحرب اللبنانيّة. وهي السنوات التي أمضيتُها طالبًا في كليّة التربية – الجامعة اللبنانيّة، التي كانت تبعد عن المقهى مئاتٍ قليلةً من الأمتار، نجتازها، مرورًا بكلّيّة الآداب، بإيقاعات القلوب والمشاعر، انطلاقًا من معقلنا الأوّل، كافيتريا المعلّم أسعد (سلامة) وشقيقه جوزف في الكلّيّة، إلى عريننا الثاني ذاك، على الكورنيش، قبالة ثكنة الحلو، وهو كان "المقرّ" العلنيّ والسرّيّ لحالمي ذلك الزمن، وشعرائه، ومناضليه من الطلّاب، وعشّاقه على السواء. ظللتُ وفيًّا للمقهى، فكنتُ أزوره كلّما أتيحت الظروف الموضوعيّة، لأستعيد أثاث المكان وطاولاته وكنباته الوثيرة وجدرانه وباره ورفوف القناني وأرواحه وعطوره المعشّشة فيالأرجاء.كان "الغندول" بيتًا مطلًّا على الطريق. وكان شرفةً من معايير وورودٍ. بل شرفاتٍ تطلّ على الجهات كلّها. وكان شجرًا لعصافير كثيرة. وهواءً. وظلالًا تتكاثف وتتآخى لتتوالد بذاتها. وكان حديقةً تُسقى بالجلوس. وتُسقى...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم