الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

ترامب مهتمّ بشراء غرينلاند... لماذا تبدو الفكرة "مقنعة" لبعض المسؤولين؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
ترامب مهتمّ بشراء غرينلاند... لماذا تبدو الفكرة "مقنعة" لبعض المسؤولين؟
ترامب مهتمّ بشراء غرينلاند... لماذا تبدو الفكرة "مقنعة" لبعض المسؤولين؟
A+ A-

مساحة هائلة

على الأرجح، تدخل مساحة الجزيرة الهائلة في اعتبارات ترامب المعنويّة. فأن يشتري الرئيس الحاليّ وقطب العقارات السابق أكبر جزيرة في العالم لا بدّ أن يعني الشيء الكثير له على المستوى الرمزيّ. وتبلغ مساحة غرينلاند 2,175,597 كيلومتراً مربّعاً متخطّية مساحة الجزيرة التي تليها مباشرة في الترتيب (غينيا الجديدة) بما يقارب ثلاثة أضعاف.



لو تمّت العمليّة، لما كانت المرّة الأولى التي تشتري فيها الولايات المتحدة أرضاً من دولة أجنبيّة. فهي اشترت مناطق واسعة غرب نهر الميسيسيبي من فرنسا عُرفت بعمليّة "شراء لويزيانا" سنة 1803. وحصلت حينها الإدارة الأميركيّة من الفرنسيّين على مساحة تقارب مساحة غرينلاند، 2,140,000 كيلومتر مربّع، مقابل 15 مليون دولار. كذلك، اشترت الولايات المتحدة ولاية ألاسكا من روسيا سنة 1867 ب 7.2 مليون دولار، وقد أضافت إلى أراضيها مساحة كبيرة بلغت حوالي 1,518,800 كيلومتر مربّع.

"ليست غريبة إلى هذا الحد"

بالتالي، قد لا تبدو فكرة شراء ترامب لمزيد من الأراضي بهذه الغرابة. على الأقلّ، هذا ما كتبته إفرات ليفني في مجلّة "كوارتز" الأميركيّة أمس حيث أشارت أيضاً إلى أنّ الولايات المتحدة اشترت جزر العذراء من الدنمارك نفسها سنة 1917 ب 25 مليون دولار. وسبق أن أبدت إدارات سابقة رغبتها بشراء الجزيرة من الدولة نفسها كما حصل خلال إدارة الرئيس هاري ترومان سنة 1946 مقابل عرض بلغ مئة مليون دولار. وبحث الرئيس أندرو جونسون مسألة شراء غرينلاند وآيسلاند سنة 1867 أي في الوقت الذي تم فيه شراء ولاية ألاسكا. وذكر التقرير نفسه وجود قاعدة جوّيّة أميركيّة في غرينلاند تضمّ قاعدة رادار كجزء من نظام إنذار أميركيّ من الصواريخ البالستيّة.



إذاً، إنّ ما يقوم به دونالد ترامب متوافق مع مسار طويل من اتفاقات الشراء التي وقّعتها بلادها على مرّ السنين مع حكومات أجنبيّة بما فيها الدنمارك. وهذا يطرح تساؤلاً عمّا إذا كان الرفض الدنماركيّ في هذا الإطار رفضاً مبدئيّاً أم متعلّقاً بسياسة تفاوضيّة معيّنة. من غير المرجّح اليوم أن تقوم الحكومات ببيع أراضيها مقابل الحصول على أسعار مغرية. فعلى المدى البعيد، يبدو أنّ الدول الشارية هي المستفيدة الأولى مادّياً واستراتيجيّاً.

ألاسكا خير مثال

الأموال التي دُفعت لشراء ألاسكا ومعظم وسط الولايات المتّحدة (22 مليون دولار) لا تعادل جزءاً بسيطاً من الناتج المحلّي الإجماليّ لهذه المناطق ولا من الثروات التي تحتويها. وتدرك الدنمارك الثروات الكامنة في جزيرتها الخاصّة. لهذا غرّدت وزارة خارجيّتها أنّ "غرينلاند غنيّة بالموارد القيّمة كالمعادن، أنقى جليد ومياه، أرصدة سمكيّة، مأكولات بحريّة، طاقة متجدّدة وأفق جديد لسياحة المغامرة. نحن منفتحون أمام الأعمال لا البيع".

يأتي هذا حتى مع التعديلات على أرقام الشراء بسبب التضخّم، فتصبح قيمة الشراء الفعليّة لألاسكا اليوم بحدود 125 مليون دولار فقط. ولا يزال الرقم شبه معدوم أمام ما تحتويه الولاية اليوم من ثروات طبيعيّة من زيت الحيتان والفراء والأخشاب والرصاص والمعادن مثل الزينك والبلاتينوم والذهب إضافة إلى مليارات براميل النفط الاحتياطيّة، وفقاً لما يذكره البروفسور الزائر المتميّز في جامعة ألاسكا ويليام هنسلي. وأضاف في موقع "كونفرسايشن" أنّ هذه الثروات تمكّن الولاية من دفع رواتب سنويّة لسكّانها حتى من دون ضريبة الدخل.



ولمرّات عدّة، ضايقت مقاتلات روسيّة نظيراتها الأميركيّة بالقرب من ألاسكا أو حلّقت في الأجواء الدوليّة المجاورة للولاية ممّا قد يؤشّر إلى وجود ندم ضمنيّ بسبب بيعها هذه الولاية الثريّة إلى الولايات المتّحدة. ووقع آخر حادث من هذا النوع في 9 آب الحالي حين اعترضت مقاتلات أميركيّة وكنديّة قاذفتين روسيّتين في تلك المنطقة.


"مصلحة استراتيجية"

مع ارتفاع حرارة الأرض وذوبان جليد غرينلاند، ستكون الجزيرة جاهزة لاستقبال زراعات جديدة والمزيد من الأحياء السكنيّة إضافة إلى الإفراج عن ثروات طبيعيّة ضخمة. لا شكّ في أنّ ترامب يضع هذه التحوّلات نصب عينيه. وستشكّل غريندلاند منفذاً إضافيّاً للولايات المتّحدة، كما هي الحال مع ألاسكا اليوم، للوصول إلى القطب الشماليّ، حاضنٍ آخر للثروات الطبيعيّة التي سُفرج عنها مع توقّع استمرار ذوبان الجليد. وبحسب معهد "بروكينغز" تضمّ الجزيرة معدن اليورانيوم المستخدم لإنتاج الطاقة النوويّة إضافة إلى معادن وثروات كثيرة أخرى مثل الألماس.



وليس واضحاً ما إذا كان ترامب قد فكّر بهذه الجزيرة لإجراء المزيد من التجارب العسكريّة أو لإقامة منظومات دفاعيّة صاروخيّة مع انسحاب بلاده وروسيا من معاهدة القوى النوويّة المتوسّطة المدى. لكن إن لم يكن ترامب قد التفت تلقائيّاً لهذه الميزة فإنّ مستشاريه جاهزون لتلقّف المكسب الكامن في الجزيرة إذا تمكّنت الولايات المتّحدة من شرائها. لهذه الأسباب وربّما غيرها، غرّد النائب الجمهوري مايك غالاغر عن ولاية ويسكونسن أنّ للولايات المتّحدة "مصلحة استراتيجيّة مقنعة في غرينلاند".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم