الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

شاي أو زهورات، واستراحة قلّ نظيرها... "حمام عز الدين" يعود إلى صباه للاستجمام السياحي

المصدر: "النهار"
طرابلس - رولا حميد
شاي أو زهورات، واستراحة قلّ نظيرها... "حمام عز الدين" يعود إلى صباه للاستجمام السياحي
شاي أو زهورات، واستراحة قلّ نظيرها... "حمام عز الدين" يعود إلى صباه للاستجمام السياحي
A+ A-

حمام عز الدين واحد من سلسلة الحمامات التقليدية التي سادت منذ عصور، ولا يزال عدد منها موجوداً في #طرابلس القديمة المملوكية، منها حمام العبد الذي لا يزال يعمل، وحمام النوري المهم والمهمل، والحمام الجديد، وأزيلت حمامات أخرى بمرور الزمن.

تتوسّط حمام عز الدين مجموعة من المواقع الأثرية، ويمكن اعتبار منطقة وجوده، حارة أثرية متكاملة. فالحمام يبدأ شرقاً من جهة السويقة، ويمتد غرباً ليطلّ بابه الرئيسي على سوق النحاسين. أما المواقع الأثرية القريبة منه، فمنها خان الخياطين، وخان المصريين، وقبالته شرقاً جامع البرطاسي، وجنوباً جامع الأويسية، وليس بعيداً منه التكية المولوية، وقلعة طرابلس التاريخية. وليس في ذلك غرابة، فكلّ مباني طرابلس المملوكية كتلة أثرية متواصلة من دون انقطاع.

يبدأ الحمام من الجهة الغربية، حيث مدخل مقنطر، بداخله باب عادي متواضع، لكن تعلوه عتبة حجر تحمل محفورات ذات رموز لاتينية، منها حمل تحوط رأسه هالة في الوسط، وحوله زهرتان، يفسّر وجودهما تاريخ الموقع الذي كان كنيسة زمن الصليبيين، وعندما دخل المماليك المدينة، دمروا الكنيسة، وأقيم على بقاياها حمام عز الدين. ووفق مؤرخ طرابلس الدكتور عمر تدمري، فإنّ "الحمل هو الحمل الذي يضحّى به في فصح النصارى".

الاسم الذي يحمله الحمام يعود لبانيه، "الأمير نائب السلطنة عزّ الدين أيبك الموصلي المنصوري بين سنتي 694 و698 هجرية"، وفق تدمري، (1294-1298م) وفي الحمام "ضريح الباني قرب نافذة عليها كتابة تاريخية ونقوش تمثل شعاره".

حتى أواسط الستينات، يذكر سكان المحلة أنّ الحمام كان لا يزال يعمل بكل طاقته، لكنّ تطوّرات الحداثة، والتقنيات العمرانية الجديدة التي جعلت الحمام جزءاً من المنزل، أثرت في الحمامات التقليدية، وتراجع دورها، لينضمّ إلى ذلك عنصر الأحداث الأمنية التي شلّت كل المظاهر العامة، فتوقّف حمام عزالدين عن العمل 1975، وتعرّض للإهمال والتآكل، ولحقته العديد من الأضرار.

مكونات الحمام

يعتمد الحمام على تسخين المياه أساساً، وربما كانت طريقة التسخين فيه هي الركيزة التي استندت إليها وسائل التدفئة الحديثة الأكثر تطورا، وهي "التدفئة المركزية". كما أنّ بعض التقنيات التي اعتمدت في الحمامات التقليدية، شكّلت الأساس لتقنيات الحمامات الجديدة مثل "السّونا"، و"السّبا"، وسواها.

يخصّص للتسخين اتساع كبير عند طرفه، مكوّن من طبقتين، يضمّ مستوعباً كبيراً، أو مرجلًا من النحاس للمياه، قلّ نظيره اليوم، يتركز في الطبقة العليا من المتّسع. وتخصص الطبقة السفلية للتوقيد، وإشعال النار بالحطب أساساً، ولها فتحة واسعة تمتدّ إلى خارجها، وتنفتح على الطريق العام، حيث يتولى أشخاص مكلّفون عملية التوقيد، بإضافة أغصان الأشجار، والعناصر القابلة للاشتعال.

الطبقة العليا مقفلة من كلّ الجهات، تغلي فيها المياه بقوة، ويتصاعد فيها البخار الكثيف، ولها كوة تنفذ في الجزء الأعمق من الحمام، تخرج منها الأبخرة القوية الساخنة، لتملأ الجزء الأعمق وهو المعروف بـ"الجواني"، أي الأكثر عمقاً في الحمام.

وتمتدّ من أسفل المرجل المليء بالمياه الشديدة السخونة، أنابيب نحاس لها تمددات تحت الأرض في مختلف أرجاء الحمام، تنقل المياه إلى مختلف أجزائه بالجاذبية، لأنّ المرجل يقوم على نقطة أكثر ارتفاعاً من مختلف أقسام الحمام.

تتغطّى أرضية الحمام بالرخام، والبلاط المختلف الأصناف، لكن تحتها ممرات مخصصة لتمرير الأنابيب، هي شبكة مياه كاملة بهندسة راقية تنم عن مدى احترافية معلمي العصور السابقة.

والشبكة تلعب دورين في آن: تزويد الأقسام بالمياه الساخنة، وتدفئة الحمام من الأسفل، فيشعر الداخل إلى الحمام، خصوصا شتاء، بدفء ملحوظ متمايز كثير عن حرارة الخارج، كما يمكن تلمس مصدر الحرارة من دفء البلاط.

القسم "الجواني" مخصّص لمحترفي الاستحمام على درجات حرارة عالية، إذ من الصعب على الانسان أن يتحمل ارتفاع الحرارة الكبير، والبخار الكثيف الذي يملأ القاعة، وفي ذلك تقنية خاصة تستهدف تذويب الدهون في الأجساد، وتقوم بمهام "السّونا" الحديثة.

في الجزء الثاني من الحمام، ردهة أقل حرارة، وتتوسّط ردهات الاستحمام، وتعرف بـ"الوسطاني"، ويجري فيها الاستحمام في أقسام فرعية منفصلة عن بعضها البعض، وتتوزّع فيها الحمامات المزودة بأجران الحجر التي تستوعب المياه الساخنة عبر شبكة الأنابيب القادمة من المرجل.

ثم الردهة الأقل حرارة، وتعرف بـ"البراني"، ويجري فيها تحضير الزبون للاستحمام، وإدخاله من حرارة خفيضة في الخارج، إلى حرارة أكثر ارتفاعا بالتدريج، لكي يتأقلم المستحم مع الجو، ولا يدخل في أجاء حرارات ذات فروق عالية.

خارج البراني، يقوم صالون الاستقبال المعروف بـ"المشلح"، وهو المكان الذي يستقبل الوافدين من الخارج للاستحمام. مساحة واسعة تتوسّطها بركة ماء مع نافورة، وتحف بالفسحة أركان جلوس مرتفعة، مقسّمة كمقعد لكل زبون، وتحت المقعد فتحة كأنها خزانة لاستيعاب أغراض الزبون، يحفظها فيها ريثما انتهى من الاستحمام، حيث يعود متمماً مهمات الاستحمام، ليجلس في المقعد المخصّص له، يتلقى التجفيف اللازم، وتقدم له من عاملي الحمام، المشروبات الساخنة من شاي وزهورات وقهوة، وفق الرغبة، حيث يقضي أوقات استراحة قدر ما يشاء، وفي إقامته، قد يلتقي بأشخاص جدد، فيتعارفون، أو بأصدقاء متواعدين على اللقاء في الحمام، ويقضون فترات استراحة واستجمام قلّ نظيرها خارجاً.

من أهم الممارسات التي تجري في الحمام، هي التدليك الذي يتم في "الوسطاني" على بلاطة مخصصة لتلك الغاية، حيث يتم تسخين البلاطة بقوة تناهز الأربعين درجة، بتثبيتها على نقطة تعبر مباشرة فوق أنابيب نقل المياه الساخنة.

تتغطى ردهات الحمام، وأجزاؤه المختلفة بقبة لكل جزء، وتزرع في سقوف القبب أوعية نصف كروية من الزجاج السميك، المقاوم للحرارة، والانكسار، تؤمن الإنارة للحمام، وتفنن الصناع الحرفيون المهرة في زرعها في سقوف القبب، فجاءت متناسقة على شكل نجوم خماسية.

أما الصالون الأساس، فيتغطى بقبة كبيرة، محفوفة بنوافذ للإنارة تغنيها عن الزجاج.

جرت للحمام محاولات ترميم وإعادة تأهيل عدّة، وآخرها بهبة من "الصندوق العربي للتنمية الاجتماعية الاقتصادية"، وقد طاول العمل فيه كل أقسامه، وأعيد إلى ما كان عليه في السابق، تبليطا بالحجر الفرني، وتأهيل الشبكة، والجدران بورقة من كلس، ورمل دون اسمنت، وهو اليوم ناجز المهمات، لكنه يستخدم كموقع سياحي بإشراف المديرية العامة للآثار.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم