السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

عندما تدلّك الكلمات إلى كيفية الفهم والتحليل

المصدر: "النهار"
غسان صليبي
عندما تدلّك الكلمات إلى كيفية الفهم والتحليل
عندما تدلّك الكلمات إلى كيفية الفهم والتحليل
A+ A-

أعرض في هذه التأملات ما تحمله بعض الكلمات التي نستخدمها في التحليل الاجتماعي والنفسي، من مدلولات توجه الى حد ما التحليل نفسه.

الداخل والخارج

يحرص المفكرون والباحثون على التمييز بين "الداخل" و"الخارج" وعلى العلاقة المتبادلة بين الاثنين في تحليلهم للواقع النفسي او المجتمعي.

توحي كلمة "الداخل" في اللغة العربية، وكأن الخارج دخل للتو.

وتوحي كلمة "الخارج" في اللغة العربية، وكأن الداخل خرج للتو.

لا تحتاج في اللغة العربية لأن تفترض وجود علاقة حميمة بين "الداخل" و"الخارج"، فالكلمات نفسها تشجع على هذا الافتراض.

لكن هذه العلاقة وبحسب مدلول اللغة، لا تخلو من الالتباس والخلط بين "الداخل" و"الخارج"، فإذا بالداخل كأنه يخرج وإذا بالخارج كأنه يدخل في أي لحظة.

فهل يعكس هذا الالتباس في صلب اللغة، تداخلا عضويا بين "الداخل" و"الخارج" في نفوسنا ومؤسساتنا وبلداننا، وكعلامة لعدم استقلاليتنا كأفراد وكمؤسسات وكأوطان؟

الواقع

يبدو الأمر اكثر تعقيدا، اذا ما نظرنا الى مدلول كلمة "الواقع". كأن "الواقع"، أداخليا كان أم خارجيا، وكما تشير اللغة، لا نصنعه نحن، بل "يقع" علينا نحن العرب، على رؤوسنا وعلى مجتمعنا.

هل هذا نتيجة لتبعيتنا التاريخية والمستمرة، السياسية والاقتصادية والثقافية للاستعمار الغربي وللهيمنة الاقليمية وأشكالهما المختلفة المباشرة وغير المباشرة؟

ام انه استسلامنا فكريا وجسديا للتعاليم الدينية وللانظمة القمعية، هو ما يجعل "الواقع" في اللغة كما في حياتنا، كأنه من صنع عالم آخر؟

الفهم والتفهم

ان "تتفهم" الواقع، أكان رأيا أم فكرة أم شخصية إنسانية، سلوكا أم مجتمعا أم نظاما، يعني بحسب معنى الكلمة، ان تفهم شيئا فشيئا، او بالاصح ان تحاول ان تفهم وانت تتقبل في الآن نفسه.

يبدو لي ان قمة الفهم، ان تتفهم الواقع وانت تحاول فهمه.

ان تتفهم، لا يعني ان توافق على واقع ما بل ان تتقبل وجوده كواقع وكما هو.

فعندما ترفض هذا الواقع وتحاول فهمه من اجل تغييره، لكن من دون ان تتفهمه، فأنت على الارجح لن تفهمه كما هو بل كما يتبدى لك هذا الواقع وانت في حالة رفض له، اي كما يجب ألاّ يكون، بدل ان يكون همّك معرفة لماذا كان ما يجب ألاّ يكون.

أغلب الظن انك عندما تتفهم الواقع، وكما هي حال سيكولوجيا الانسان الذي يصنع الواقع، فإن هذا الواقع يعبّر عن نفسه ويعطيك مفاتيح اسراره واسبابه، بعد ان أعطيته انت صك الاعتراف به كما هو.

في هذا المعنى يعمل البحث الاجتماعي الذي يعتمد على التفهم، على سؤال الواقع عن اسبابه وينتظر جوابه، قبل ان يستنتج هو وحده هذه الاسباب.

الفهم والتفهم في علم الاجتماع

منذ نشأة علم الاجتماع، يتنازع الفعلَ الاجتماعي تعريفان. الاول اسس له دوركهايم ويفضل تعريف الفعل الاجتماعي كالشيء والتعامل معه كما تتعامل العلوم الطبيعية مع الاشياء، مركّزا على العوامل الخارجية التي يستبطنها الفعل وتؤثر فيه. الثاني اسس له فيبر ويعتبر فيه انه لا يمكن فهم الفعل الاجتماعي بدون تفهم ادراك الفاعلين ودوافعهم والمعنى الذي يعطونه لأفعالهم.

ان التحليل الذي يريد الفهم بدون التفهم، يتبنى مقاربة دوركهايم، ويشبه الى حد ما التحليل البنيوي الذي يستند الى البنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وتناقضاتها، ليستنتج منها، بالاستناد الى اقتناعات نظرية، السلوكيات البشرية والوعي المرافق لها.

اما التحليل الذي يحاول الفهم مستعينا بالتفهم، فهو يتبنى مقاربة فيبر، وهو يشبه الى حد ما ايضا التحليل الذي يلجأ الى دوافع البشر والمعنى الذي يعطونه لما يقومون به، لفهم العلاقة بين البنى وتناقضاتها على سلوكياتهم.

في مجتمعاتنا العربية، حيث يختلط الخارجي بالداخلي بشكل عضوي، وحيث يقدم "الواقع" نفسه في الوعي الشعبي كعامل خارجي، يبدو التحليل البنيوي المستند الى العامل الخارجي في تفسير السلوكيات البشرية الفردية والجماعية، عاجزا عن فهم الدوافع الداخلية في هذه السلوكيات، ولا سيما ان السلوكيات في مجتمعاتنا غير الديموقراطية التي تحكمها انظمة مستبدة او شبه مستبدة، لا تتناسب في أغلب الاحيان مع ما تتوقعه علاقات الهيمنة والظلم في البنى. وبالتالي ينزع التحليل البنيوي الى تحليل او تفسير العجز عن الفعل اكثر مما يحاول ان يفسر الفعل نفسه.

ربما كان هذا أحد الاسباب التي جعلت التحليل الاجتماعي عاجزا عن توقع الانتفاضات العربية ابان الربيع العربي. مما يحتم مواكبة التحليل البنيوي، برصد علمي لمواقف المواطنين ودوافعهم والمعنى الذي يعطونه لسلوكياتهم، اذا اردنا فهم حقيقة أفعالهم. بمعنى آخر، وجب أن يقترن الفهم

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم