الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

كيم يواصل تصعيده... ما الذي يزعجه أكثر من المناورات المشتركة؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
كيم يواصل تصعيده... ما الذي يزعجه أكثر من المناورات المشتركة؟
كيم يواصل تصعيده... ما الذي يزعجه أكثر من المناورات المشتركة؟
A+ A-

أحداث الأسبوعين المنصرمين

قال مسؤول في وزارة الخارجية إنّه "مع تنصّل الولايات المتحدة من التزاماتها من جانب واحد، نخسر تدريجيّاً تبريراتنا للمضي في الالتزامات (بتجميد التجارب النووية والصاروخية البعيدة المدى) التي قطعناها مع الولايات المتحدة أيضاً". تبدو التجارب العسكرية الأخيرة مؤشرات إلى توجّه بيونغ يانغ لتنفيذ تهديداتها، علماً أنّ الإدارة الأميركية حاولت استيعاب بعض سلوكياتها لكن من دون جدوى.

في اليوم نفسه أعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية مورغن أورتيغوس أنّ بلادها "تنتظر بفارغ الصبر استئناف المفاوضات" معربة عن أملها بإحراز تقدّم خلالها. وفي 23 تمّوز، أعلنت كوريا الشمالية أنّ زعيم البلاد تفقّد غوّاصة جديدة سيتمّ نشرها في بحر الشرق (اليابان). والخميس الماضي، أطلقت بيونغ يانغ صاروخين بالستيّين قصيري المدى وصفتهما بأنّهما "نوع جديد من الأسلحة التكتية الموجّهة" و "منظومة أسلحة فائقة الحداثة"، وذلك بسبب نيّة واشنطن وسيول إجراء التدريبات العسكرية المشتركة وفقاً لوكالة أنبائها المركزية. وبالكاد أعرب ترامب عن "عدم انزعاجه" من إطلاق الصواريخ البالستية القصيرة، حتى أطلقت بيونغ يانغ يوم أمس صاروخين بالستيين قصيري المدى.

خيارات قليلة

تتعدّد التحليلات بخصوص الطريقة الفضلى التي يجب على الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن يردّ من خلالها على السلوك الكوريّ الشماليّ. يواجه ترامب الآن موقفاً صعباً بما أنّ تشديد اللهجة مع كيم سيضعف الآمال المستقبلية بمتابعة المفاوضات بشكل بنّاء وقد يزعزع الاستقرار الأمنيّ النسبيّ الهش الذي تشهده شبه الجزيرة الكوريّة. بالمقابل، إنّ غضّ نظر مستمرّاً من ترامب عن التجارب العسكريّة لبيونغ يانغ قد يُقرأ على أنّه "رخصة" لاعتماد كيم تصعيداً تدريجياً متصاعداً في المنطقة.

يريد كيم أن تسير المفاوضات بطريقة مجزّأة ومتقابلة: تخفيف واشنطن بعض العقوبات مقابل تقديم بيونغ يانغ تنازلات محدّدة. لكنّ ترامب – مدفوعاً ربّما بنظرة مستشاريه – لا يريد رفع أيّ جزء من العقوبات قبل أن يتنازل كيم بشكل كامل ونهائي وقابل للتحقّق عن ترسانته النووية. تُعقّد وجهات النظر المتصلّبة وحدها استمرار المفاوضات، فكيف الحال مع إضافة عناصر شك أخرى إلى المعادلة مثل المناورات المشتركة المزمعة بين سيول وواشنطن. وخفّض الطرفان حجم المناورات التي تجري سنوياً في آب تماشياً مع انخفاض التوتر ومن أجل تطمين كيم. غير أنّ هذه الخطوة لم تكن كافية بالنسبة إلى الزعيم الكوريّ الشماليّ.

أبعد من المناورات

بحسب الباحثين، ليست قليلة الأسباب التي تدفع كوريا الشماليّة إلى هذا السلوك. على سبيل المثال، أشار رئيس قسم أمن منطقة آسيا-الهادئ في "معهد هيودسون" الأميركي باتريك كرونين إلى أنّ كوريا الشمالية غاضبة من جارتها الجنوبية بسبب شرائها مقاتلات أف-35. وقال في حديث إلى شبكة "سي أن أن" قال إنّ هذه المقاتلات تستطيع تفادي الرادارات الكورية الشمالية.

من جهة ثانية، وفيما تعدّ هذه التجربة الثالثة خلال الأشهر الثلاثة الماضية، تذكّر بإطلاق الصاروخ الأول في نيسان الماضي ومن المنطقة نفسها، وونسان، باتّجاه بحر اليابان أيضاً. وللمفارقة أيضاً، أتى إطلاق ذلك الصاروخ بعد أيام على إجراء سيول وواشنطن مناورات جوية مشتركة وصفتها بيونغ يانغ ب "الغادرة". في ذلك الوقت، قطعت الصواريخ مسافة بين 70 و 200 كيلومتر بينما الأسبوع الماضي قطعت مسافة تراوحت بين 430 و690 كيلومتراً، ووصل مداها صباح اليوم إلى 250 كيلومتراً. من جهة أخرى، يمكن ملاحظة أنّ سلوك كوريا الشمالية في الآونة الأخيرة لم يتّسم بالعداونية تجاه خصومها التقليديين فقط.


غضب من روسيا أيضاً؟

في 17 تمّوز، احتجزت بيونغ يانغ سفينة صيد روسية وعلى متنها 15 روسياً وكوريَّين جنوبيَّين بعدما اتهمتها باختراق مياهها. لكنّ وكالة صيد الأسماك الروسية نفت الاتّهام وحذّرت من أنّها لن تجري أي محادثات عن التعاون في مجال الصيد مع بيونغ يانغ قبل تسوية هذا الأمر. لم تفرج كوريا الشمالية عن السفينة والصيادين الذين على متنها إلا بعد 11 يوماً على احتجازها. حدث ذلك بعد شهرين فقط على قمّة فلاديفوستوك التي حلّ فيها كيم ضيفاً على الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين. يصعب وضع هذه الخطوة بشكل جازم في إطار استفزاز كوريّ شماليّ مقصود للروس. لكنّ تزامنها مع التجارب العسكرية واستغراق معالجتها وقتاً طويلاً يجعلان من هذه الفرضية أمراً محتملاً، وإن كانت أسبابها غير مؤكّدة.

هل يريد كيم من روسيا أن تضغط على الولايات المتحدة لاستئناف المحادثات مع بلاده؟ يبدو هذا السبب مستبعداً لعدم تمتّع الروس بهذه الإمكانات الديبلوماسيّة مع الأميركيّين. إذاً، هل يريد كيم أن تمارس روسيا دوراً أكبر في مساعدة بلاده على تخطي بعض العقوبات الأميركيّة؟ هذه الفرضية أكثر احتمالاً. فهنالك الكثير من المطالب الاقتصادية التي يسعى كيم إلى تحقيقها مع موسكو من بينها لعلّ أهمّها رفع عدد عمّال بلاده في روسيا إذ تشكّل اليد العاملة الكوريّة في الخارج مصدراً متواضعاً لكن ضروريّاً للإبقاء على ما تبقّى من خطّ الإنعاش الاقتصاديّ.


الاقتصاد مرّة أخرى

قد يلعب دور الأداء الاقتصادي الكوري الشمالي الأسوأ منذ التسعينات دوراً أساسياً في دفع كيم نحو هذا السلوك. في حديث مع وكالة "فرانس برس"، أعلن البنك الكوريّ الجنوبيّ أنّ العقوبات الأميركيّة والغربيّة أدّت إلى تقلّص صادرات كوريا الشماليّة بأكثر من 85% سنة 2018. وذكرت الوكالة أنّ أداء اقتصاد بيونغ يانغ اليوم هو الأسوأ منذ مجاعة 1997 التي راح ضحيّتها مئات الآلاف من الكوريين الشماليين.

يوفّر هذا المعطى حجراً أساسياً في الأحجية التي يشكّلها تصعيد بيونغ يانغ الأخير. لذلك، لن يكون مستغرباً استمرارها على المنوال نفسه، إن لم يكن أحدّ، خلال الأسابيع المقبلة إذا لم تستطع مع واشنطن فتح كوّة جديدة في جدار الأزمة.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم