الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

"أﻏﻨﻰ إﻧﺴﺎن ﻓﻲ العالم يموت جوﻋﺎً": قصتان عن إميل البستاني و"رود تشلد" FactCheck#

المصدر: "النهار"
هالة حمصي
هالة حمصي
A+ A-

"ﺃﻏﻨﻰ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻓﻲ العالم يموت جوﻋﺎً". قصتان في بوست واحد، و"الرﺳﺎﻟﺔ موجهة الى من يرون ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺎﻝ هو الشيء الوحيد الذي تُقضَى به ﺍﻟﺤﺎﺟﺎﺕ"، وفقا لما جاء فيه. رجل اعمال لبناني كبير، و"ثري بريطاني يهودي"، ونهايتهما مأسوية، وفقا للبوست. "اﻛﺒﺮ ﺃغنياء ﻟﺒﻨﺎﻥ" اميل البستاني الذي قضى في تحطم طائرته في البحر، "ولم يتمكنوا من العثور على جثته كي تدفن في القبر الذي بناه في أجمل منطقة مطلة على بيروت"، وفقا للزعم.

وهناك ايضا "أحد أكبر اغنياء بريطانيا، وهو يهودي يدعى رود تشلد"، او "روتشليد"، او "ريتشموند"، وفقا لما جاء في العديد من المنشورات. وفي الزعم المشترك بينها، انه قضى في خزنته وحيدا، بعدما علق فيها. "فجرح ﺇﺻﺒﻌﻪ، وكتب على الجدار: ﺃﻏﻨﻰ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻓﻲ العالم يموت جوعا وعطشا"... و"عبرة لمن اعتبر".

البوست قيد التناقل على صفحات وحسابات لبنانية وعربية على وسائل التواصل الاجتماعي. والتحقق من صحة القصتين يبيّن الآتي:

النتيجة: ما اورده البوست عن سقوط طائرة رجل الاعمال اللبناني اميل البستاني في البحر صحيح، بخلاف ما زعمه عن "قبر بناه في أجمل منطقة مطلة على بيروت". بالنسبة الى قصة ذلك الغني الذي كتب بدمه "اغنى اغنياء العالم يموت جوعا"، فلم نجد اثراً لرود تشلد، او ريتشموند، او رابطا بروتشيلد. القصة على الارجح رواية خيالية لأخذ عبرة منها. 

"النّهار" دقّقت وسألت من أجلكم

الوقائع: كلّ فترة، يتجدد تناقل البوست على وسائل التواصل الاجتماعي. وله شكلان على ما يبدو، الاول مركّب، بحيث يضم قصتين عن رجل الاعمال اللبناني اميل البستاني، وايضا عن "يهودي بريطاني ثري يدعى رود تشلد". وهنا نصه:

والشكل الآخر للبوست عبارة عن قصة "رود تشلد، الثري اليهودي البريطاني" المزعوم وحدها. والبوستان ينتشران بعنوان واحد: "أغنى انسان في العالم مات عطشا وجوعا".

التدقيق:

-بحثا عن البوست في شكله الاول، اي قصتي بستاني و"رود تشلد" معاً، يتبين ان آثاره تعود الى عام 2017، بحيث امكن ايجاده هنا (19-3-2017)، وهنا ايضا بعنوان: "هنيئـاً لمن لا يظلــم أحــداً" (23-9-2017)، قبل ان يتكثف تناقله عام 2018، على مختلف منصات وسائل التواصل الاجتماعي... حتّى تموز 2019.

بالنسبة الى البوست في شكله الآخر، اي قصة "رود تشلد" وحدها، فقد أمكن ايجاد آثارها عام 2008 (في الصورة المقتطعة ادناه- الموقع الاصلي لم يعد موجودا)، وعام 2013 هنا (القصة ذاتها، ولكن الاسم كتب روتشيلد، وليس رود تشلد)، وعام 2016 هنا (الاسم رود تشلد)، وعام 2017 هنا وهنا وهنا، وعام 2018 هنا،  حتى تموز 2019. وقد نشرت القصة مواقع اخبارية عربية عدة.

في واقع الامر، امكن ايجاد ايضا ان القصة ذاتها نشرت عام 2010 هنا بعنوان: "اغنى اغنياء العالم يموت جوعا". في هذه النسخة القديمة للقصة، المبسطة ولكن بالتفاصيل ذاتها، لا ذكر اطلاقا لروتشيلد، او رود تشلد، ولا ليهودي بريطاني ثري. "قصة قصيرة رائعة"، وفقا لما كُتب في العنوان ايضا، وعبارة "اغنى اغنياء العالم يموت جوعا" عبرة لمن اعتبر".

وفي نسخة اخرى للقصة ذاتها نشرت ايضا في 8 ايلول 2010 هنا، الرجل الغني يدعى ريتشموند، وليس روتشيلد.

ماذا يمكن استنتاجه من ذلك؟ قصة ذلك الغني الذي كتب بدمه "اغنى اغنياء العالم يموت جوعا" قديمة، ولها نسخ عدة، بحيث تعتمد كل منها اسما مختلفا (رود تشلد، روتشيلد او ريتشموند) او من دون اي اسم، ولكن تفاصيلها العامة هي ذاتها. وهذا التباين من شأنه ان يثير شكوكا حول جدية حول الاسم المتداول وصحته. 

-لندقّق الآن في القصّتين:

بالنسبة الى ما يزعمه البوست عن رجل الأعمال اميل البستاني، نعم كان من كبار اغنياء لبنان، وكان يملك طائرة خاصة سقطت في البحر في 15 آذار 1963، على "بعد نحو 3 كيلومترات شمال بيروت، على ما ذكره بعض الاهالي في مخابرات هاتفية ببرج المراقبة"، وذلك وفقا لـ"رواية رسمية" نشرتها جريدة "النهار" في عددها الصادر في 16 آذار 1963.

خبر سقوط الطائرة الخاصة للبستاني في "بحر بيروت" شكّل عنوان مانشيت "النهار" يومذاك. وفي الصفحة الرابعة، عنونت: "كارثة جوية بحرية تهز لبنان- الموت يضرب موعدا لاميل البستاني ونمر طوقان قبل ان يركبا الطائرة من بيروت... الى الآخرة".

في يوم ماطر وعاصف، على ما كُتِب، انطلق النائب البستاني، برفقة الدكتور نمر طوقان والمهندس مروان خرطبيل في رحلة من بيروت الى عمان، يقود طائرته الخاصة الطيار البريطاني جون الكسندر أوغيلفي. وفي وقت تم العثور على جثتي طوقان وأوغيفلي يومذاك، لم تسفر عمليات البحث عن جثتي البستاني وخرطبيل عن اي نتيجة.

من ذلك الحادث المشؤوم، "لم يلفظ البحر من آثار البستاني سوى "قلبق" (قبعة) وضعه على رأسه يومذاك "لدى مغادرته منزله، وكان احضره معه من رحلته الاخيرة الى باكستان"، و"ملف" حمله معه. "وقد شوهدا طافيين على سطح البحر، فالتقطهما الباحثون وأرسلوهما الى التحقيق" (القصة الكاملة لاختفاء إميل البستاني، مقالة، نجم الهاشم، المسيرة، 21 آذار 2016).

وتجدون ادناه الصفحات الاولى والرابعة والخامسة من عدد النهار" الصادر في 16 آذار 1963، وفيها ما نشرته الجريدة من مقالات عن الحادث، وايضا عن سيرة البستاني الرجل "العملاق". في لمحة سريعة، كان "ألمع ابناء لبنان"، وفقا لما كتبته "النهار". "أنشأ أكبر شركة للانشاءات في العالم العربي"، شركة المقاولات والتجارة العربية (كات- 1928)، و"التي كان لديها (يومذاك) 17 الف مستخدم يعملون في 19 دولة عربية وافريقية وآسيوية". صاحب "امبراطورية تمتد على ثلاث قارات، وتشمل شتى المصنوعات، ابتداء من قطعة الشوكولاتة حتى خطوط انابيب النفط"، كان ايضا البستاني، النائب والوزير والصناعي والتاجر، "كاتبا، بحيث ألّف كتابين مثيرين حول القضية العربية".

بحجم وطن، كانت الصدمة التي خلّفها سقوط طائرة البستاني. "اختفاؤه شكّل لغزاً كبيرا، وحيكت حوله أخبار وحكايات كثيرة وصلت الى حد اعتباره مؤامرة أو حادثاً غير عادي نظراً الى الدور الكبير الذي كان يلعبه الرجل في الحياة السياسية والاقتصادية على مستوى لبنان والمنطقة"... "لكن التحقيقات التي أجريت في تلك المرحلة لم تذهب في اتجاه المؤامرة" (القصة الكاملة لاختفاء إميل البستاني، مقالة، نجم الهاشم، المسيرة، 21 آذار 2016).

22 تموز 1975. "بعد مضي 12 سنة و4 اشهر و7 ايام، اكتشاف طائرة اميل البستاني في البحر قبالة مرفأ بيروت"، عنونت "النهار" في صفحتها الاولى (23 تموز 1975). وفي التفاصيل، "علق امس ياطر الباخرة اليونانية "هيلنك ليدر" بجسم ثقيل تبين في ما بعد انه حطام طائرة مدنية"، "حطام طائرة المرحوم اميل البستاني"، وفقا لبرقية تلقتها المديرية العامة لقوى الامن الداخلي. "وقد وجدت داخل الحطام فردتا حذاء وبعض العظام البشرية وكلسات وبقايا كنزة"، وفقا لما اوردت "النهار". خرق كبير في موضوع العثور على الطائرة، "لكن جثة البستاني اختفت الى الابد" في البحر. 

ماذا عن القبر الذي "انشأه لنفسه في أجمل منطقة مطلة على بيروت"، وفقا للزعم؟

اكدت مصادر عدة سألتها "النهار" ان البستاني "أنشأ قبرا في الدبيّة، مسقط رأسه، ليُدفن فيه أفراد عائلته". والدبية هي احدى قرى قضاء الشوف في محافظة جبل لبنان. "تمتد اراضيها على مساحة 40 مليون م2. تعلو عن سطح البحر بين 400 و500 متر، وتبعد عن بيروت 30 كليومترا" (دليل بلدات وبلديات لبنان).

ووفقا لمرجع موثوق به في البلدة، فإن "موقع القبر الذي انشأه البستاني لا يطل اطلاقا على بيروت"، موضحاً ان "قسما من الدبية يطل على بيروت، فيما القسم الآخر الاكبر لا يطل".

رود تشلد؟ 

-بحثا عن "الثري البريطاني الغني" المزعوم، ما يمكن قوله هو اننا لم نجد اثرا لـ"رود تشلد" او "ريتشموند". بالنسبة الى "روتشيلد"، فهذا ليس اسم رجل، بل اسم اشهر العائلات في العالم واثراها، ذات جذور يهودية ألمانية المنشأ Rothschild family. وقد ارتبط اسمها بالاعمال المصرفية، ابتداء من عام 1760، مع ماير أمشيل روتشيلد (1744 -1812) الذي نجح في اطلاق مؤسسة مصرفية عائلية ازدهرت وتوسعت في مختلف العواصم الكبيرة، لتصبح دولية وذات شأن كبير، وصولا الى "امتلاك العائلة أكبر ثروة خاصة في العالم".

ملاحظة: البوست اكتفى بذكر "روتشليد"، من دون تحديد اسم احد أفراد العائلة المنحدرين من ماير أمشيل روتشيلد، علما ان موقع The Rothschild Archive يتضمن سيرا ذاتية لـ166 فردا على الاقل، رجالا ونساء، منحدرين من ماير امشيل روتشيلد.

في الوقت ذاته، امكن ايجاد منشور متناقل على "الفايسبوك" (اعلاه) حدّد ان هذا "الرجل الثري الذي مات جوعا في الخزانة الهائلة التي بناها" ليس سوى ماير أمشيل روتشيلد.

غير ان هذا الزعم خاطىء، اذ تروي سيرة ذاتية أعدها عنه اموس ايلون Amos Elon بعنوان: Founder، ونشر عنها موقع LaTimes مقالة (24 ت2 1996)، انه في يوم الغفران في 16 ايلول 1812، وبعد معاناته طوال اعوام عدوى غير مشخصة في ساقه، توجّه روتشيلد مشيا إلى الكنيس في الصباح الباكر. وقد أمضى اليوم هناك، واقفا في معظم الوقت على قدميه. "وقد مرض في تلك الليلة". وبعد ثلاثة أيام توفي، ودُفن كبطل. كان يبلغ 68 عاما.

النتيجة: بموجب التدقيق اعلاه، فإن قصة هذا "الغني البريطاني اليهودي" المزعوم تارة باسم "رود تشلد"، وتارة اخرى باسم "روتشيلد" او "ريتشموند"، خيالية لاخذ عبرة منها.

اما بالنسبة الى قبر إميل البستاني، فقد بناه في قريته الدبية، في "منطقة لا تطلّ على بيروت"، وفقا للزعم. 

[email protected]



الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم