الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

فليخرج الموتى من برّاد الموتى

المصدر: "النهار"
عقل العويط
عقل العويط
A+ A-

من أسوأ ما يمكن أنْ يتعرّض له الفرد، أو مجموع الأفراد، هو الابتزاز، يمارسه شخصٌ، أو حزبٌ، أو ميليشيا، أو سلطةٌ، أو حكمٌ، أو محتلٌّ، أو... قَدَر.

الأسوأ من ذلك، أنْ يقبل الطرف الذي يتعرّض للابتزاز، بأنْ يكون ضحيّة الجهة التي تبتزّه، فينصاع لها، ويجاريها، ويتواطأ معها، ويتناغم وإيّاها، إلى حدٍّ أنّهما يروحان ينسجان حلفًا مكينًا، ويصيران – يا للابتزاز - كائنًا واحدًا أحدًا.

أصف الابتزاز، باعتباره ضربًا من ضروب اللصوصيّة الشرّيرة والصفيقة والدنيئة والحقيرة. وأصف أطرافه وأسياده والقابلين به، بما يصفهم به القابعون في ظلام العيش، الذين أسمعهم يصرخون من أودية يأسهم متّهمين هؤلاء بأنّهم أبشع الناس وأرذلهم وأحقرهم.

هناك بالطبع مستوياتٌ للابتزاز، وأمثلةٌ عنه، لا عدّ لها ولا إحصاء.

يكفي أنْ نعاين حياتنا السياسيّة التي تحفل بما لذّ وطاب من صنوف الابتزاز الوحشيّ، الفرديّ والجماعيّ، المنظّم والعشوائيّ، الذي نعيش تحت إرهابه، ويتلذّذ أكثرنا به، طوعًا وقسرًا.

من بين أنواع الابتزاز التي نحن أبطالها وجنودها ومرتزقتها وضهاياها الميامين، أصطفي هذا الذي نتعرّض له يوميًّا، وكلّ ساعة، وكلّ لحظة، عندما نُهدَّد من كلّ حدبٍ وصوب باحتمال فرط التسوية الرئاسيّة، التي جاءت بالجنرال ميشال عون رئيسًا للجمهوريّة، وبالشيخ سعد الحريري رئيسًا للحكومة.

لا أخترع اختراعًا، ولا أكتشف اكتشافًا، عندما أقول إنّ التسوية القائمة جعلتنا نعيش في أسفل سافلين. فيا ترى، شو بدّو يصير أكتر ممّا صار ويصير؟ بل أين المشكلة في أن ينفرط عقد هذه التسوية العظيمة، التي لم تستجلب إلّا الوبال للبلاد وللأوادم من أهلها والعباد؟

المَدينون ازداد دينهم. الفقراء ازداد فقرهم. الجوعى ازداد جوعهم. العاطلون عن العمل ازداد تعطّلهم. اليائسون ازداد يأسهم. في المقابل، الناهبون ازداد نهبهم، والكاذبون المنافقون ازداد كذبهم ونفاقهم وابتزازهم.

المعادلة واضحة. أهل الاستئثار والاستبداد في السلطة يبتزّون حلفاءهم الأضعف منهم. وهؤلاء وأولئك، بالتحالف والتضامن، يبتزّون البسطاء المعتّرين، ويخوّفونهم بانفراط التسوية القائمة.

فلتنفرط هذه التسوية. ولتُفقأ هذه الدملة، وليذهب كلٌّ إلى بيته وعرينه وحزبه وتيّاره وطائفته ومذهبه.

هل يتوقّف دفع الرواتب؟ هل تغلق مؤسساتٌ إضافيّةٌ أبوابها؟ هل يُجمَّد توقيع الموازنة؟ هل تستقيل الحكومة؟! وهل تنهار الليرة؟!

شو عليه؟! لن تقوم القيامة من جرّاء ذلك. ولن تنزل السماء على الأرض.

أقصى ما يمكن أنْ يحصل، حصل مثله، في الأمس القريب، وفي الأمس البعيد. ويحصل اليوم، وقد يحصل غدًا، وبعد غد.

نحن الآن نعيش في برّاد الموتى.

أقصى ما يمكن أن يحصل، هو أنْ تنقطع الكهرباء الرسميّة وغير الرسميّة، فنتعفّن نحن الموتى داخل البرّاد الجماعيّ هذا، أو نُرمى خارج البرّاد، فتفوح الرائحة.

شو عليه؟! بل أين المصيبة في أن تصل الأمور إلى فوح نهاياتها التراجيديّة؟!

فلنُعطَ جوابًا شافيًا واحدًا: هذا الذي يجري كلّه، يجري في سبيل ماذا، وإكرامًا لماذا؟

أفي سبيل التسوية القائمة، وتثبيتًا لديمومتها؟!

الموتى يصرخون: يا لعار هذه التسوية، التي توازي العيش في قعر القعر!

صدِّقوني، لا أعرف كيف يقبل أهل الابتزاز بمواصلة لعبة الابتزاز هذه؟

لكنّي أعرف تمامًا كيف يستطيعون أنْ يناموا على مخدّاتهم مرتاحي الضمير، في ضوء ما يعانيه أهل الطبقة المعوزة!

الحقّ ليس على هؤلاء فقط. الحقّ علينا نحن الموتى الذين يقبلون بهذا الابتزاز المستديم.

فليرفض الموتى لعبة الابتزاز هذه. وليخرجوا من برّاد الموتى.

رائحة الموت، إذا نتنت وفاحت، أفضل بكثير من رائحة لعبة الابتزاز.

خلص بقا. وليخرج الموتى من برّاد الموتى!

[email protected]

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم