الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

التغيّر المناخي يضرب العالم... فماذا عن لبنان؟!

جورج كرم
التغيّر المناخي يضرب العالم... فماذا عن لبنان؟!
التغيّر المناخي يضرب العالم... فماذا عن لبنان؟!
A+ A-

بات من المؤكد أن ظاهرة التغيّر المناخي قد أحكمت سيطرتها على الكوكب الأزرق؛ فالعالم بأسره يعاني "جنون الطقس" ويشهد تطرفاً مناخياً مرعباً... من الثلوج المبكرة التي ضربت أوروبا وكندا وسيبيريا العام الماضي، إلى الأمطار الطوفانية في كلّ من تركيا، شرقي آسيا ودول الخليج العربي؛ من درجة الحرارة القياسية التي سجلتها موسكو في 19 تشرين الأول 2018 (16،3 درجة مئوية) والتي لم تشهدها منذ 137 عاماً إلى موجة الحر الاستثنائية (من حيث موعدها وشدّتها) التي ضربت القارة الأوروبية الشهر الفائت؛ من ظاهرة "حجارة البرَد" المتنقلة بين دول وقارات العالم إلى الثلوج في الصحاري السعودية التي حوّلت واحاتها إلى أراض خضراء؛ من الأعاصير المدمرة والمتنقلة بين اليابان، الفيليبين، المكسيك، الولايات المتحدة والدول العربية (سلطنة عمان واليمن) إلى العصر الجليدي الصغير المرتقب، بحسب آخر دراسات وكالة "الناسا"...

إذاً، التغيّرات المناخية حول العالم آخذة بالتفاقم وبوتيرة تتخطى كلّ التوقعات، ولبنان ليس بمنأى عنها، فهذا البلد الذي يقع وسط الساحل الشرقي للبحر المتوسط بدأ يشهد تغيّرات مناخية ملموسة منذ عدّة سنوات، وأبرز المؤشرات التي توصلنا إليها في دراستنا هي كالتالي:

على صعيد الحرارة، ارتفعت متوسطات الحرارة السنوية في كلّ من محطات سهل البقاع (الهرمل، بعلبك، رياق وكسارة) ومحطة بيروت الموجودة على الساحل، في الفترة الممتدة من 1964 إلى 2014. هذا الارتفاع كان متقارباً بين كلّ من محطة بيروت الساحلية ومتوسط المحطات البقاعية، إذ ارتفع متوسط الحرارة السنوي حوالى 2،5 درجتين مئويتين، وارتفع متوسط الحرارة القصوى السنوية حوالى درجتين مئويتين، بينما سجل متوسط الحرارة الدنيا السنوية ارتفاعاً بنحو ثلاث درجات مئوية. والجدير ذكره أن ارتفاع درجات الحرارة الفصلية اختلف بين كلّ من الحرارة القصوى والدنيا السنوية، في حين شهد فصلا الشتاء والربيع الارتفاع الأكبر في الحرارة القصوى، فيما سجّل كلّ من فصلَي الصيف والخريف الارتفاع الأكبر في الحرارة الدنيا السنوية.

وصحيح أن اتجاهات كميات الأمطار السنوية والشهرية والفصلية لم تسجل أي اتجاه يذكر للفترة الزمنية 1943-2014، إن كان في المنطقة الساحلية (محطة بيروت وطرابلس) أو في سهل البقاع (محطة الهرمل وبعلبك ورياق وكسارة) إلا أن مشهد هطول الأمطار بات متطرفاً، فالأمطار أخيراً أصبحت تهطل بكميات غزيرة وخلال فترة زمنية قصيرة، فجميع المحطات المناخية تقريباً تسجّل اتجاهاً نحو التزايد لعدد الأيام الممطرة 50 ملم وأكثر، وهذا دليل إضافي على التغيّر المناخي في لبنان.

أما في ما يتعلّق بفترة الجفاف، فالاتجاه العام يميل نحو التزايد خصوصاً في أقصى البقاع الشمالي (محطة الهرمل) إذ أصبحت فترة الجفاف تمتدّ إلى شهر تشرين الثاني بعدما كانت تنتهي في شهر تشرين الأول، مع العلم أن هذه المحطة هي الوحيدة التي شهدت تناقصاً واضحاً في كمية الأمطار، وتراجعاً في عدد أيام المطر بدءاً من عام 1994.

بعدما بدأت ظاهرة التغيّر المناخي تلقي بظلالها على لبنان، وجب على الجميع التحرّك سواء على الصعيد الرسمي أو الشخصي، للحد من آثارها السلبية في الموارد المائية (السطحية والجوفية)، الغطاء النباتي، التنوع البيولوجي والقطاع الزراعي الذي يعتبر الأكثر تأثراً بهذه الظاهرة. فالدولة عليها تحمّل مسؤولياتها، أمام خطورة هذا الوضع ودقته، ومن الضروري وضع استراتيجية جدية لمواجهة هذه الظاهرة. حتى المواطن يستطيع المساهمة في ذلك من خلال التخلص من بعض العادات اليومية السيئة (كإهدار المياه...) كما أنه يستطيع، وبشكل فردي، التخفيف من ظاهرة الاحتباس الحراري التي تعتبر السبب الرئيسي للتغيرات المناخية من خلال تبديل نمط حياته وسلوكه اليومي (كترشيد استهلاك الطاقة واعتماد وسائل النقل المشتركة...). لكن، وللأسف، فبحسب دراسة ميدانية قمنا بها للتعرّف إلى مدى وعي سكان سهل البقاع لظاهرة التغيّر المناخي، فإن معظم السكان حتى الآن لا يعتبرون هذه الظاهرة خطرة على الصعيد المحلي، كما أنهم لا يعتبرون أنفسهم مسؤولين في التخفيف من حدّتها، فبرأيهم المسؤول الأول والأخير هو "الدولة والحكومات" فقط.

أخيراً، نأمل من المعنيين التعاون مع الباحثين في مجال التغيّر المناخي وتسهيل عملية حصولهم على البيانات المناخية الضرورية لاستكمال الأبحاث نظراً لأهمية نتائجها في تقدير الموارد المائية وفي عملية التنمية.

 دكتور مختص في علم المناخ

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم