الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

إلى القرّاء: الاحتمال ضئيلٌ بنزول المطر في هذه اللحظة

عقل العويط
عقل العويط
إلى القرّاء: الاحتمال ضئيلٌ بنزول المطر في هذه اللحظة
إلى القرّاء: الاحتمال ضئيلٌ بنزول المطر في هذه اللحظة
A+ A-

ليس في جعبتي أيُّ خبرٍ مفرحٍ أزفّه إليكم.

من المعيب أنْ أُوهِمكم بشيءٍ لا أملك ناصيته وحذافيره. لذا يصعب عليَّ أنْ أُراوغ و"أمغمغ": كأنْ أقول لكم إنّ الحكومة بخير، وأحوال البلاد بخير. لا صحّة لذلك عندي على الإطلاق. لأنّي لا أملك أيَّ دليلٍ (أو حدس أو إحساس) يسندني في هذا القول. لكنْ، هل يمكنني، والحال هي هذه، أنْ أدعوكم إلى التعصيب والتجهّم والقنوط وغلق النوفذ والأبواب وإطفاء النور؟

لا يمكنني أنْ أفعل ذلك، ليس لأنّي جبان، بل لأنّي "مؤمنٌ"، كشاعر، باحتمال نزول المطر في هذه اللحظة بالذات، التي لا يُرجَّح فيها أيُّ احتمالٍ موضوعيٍّ كهذا. وإذا كان ثمّة احتمالٌ، فهو ضئيلٌ للغاية.

هذا الاحتمال الضئيل، الضعيف، الهشّ، شبه المستحيل، هو الذي يمنعني كلّ يومٍ من إشهار يأسي، ومن دعوة قرّائي إلى اليأس.

يسعدني أنّي واضحٌ للغاية، وأنّ وضوحي هذا بسيطٌ وسهل الاستيعاب، بحيث يحول دون وقوع أيِّ التباسٍ في معناه، وفي احتمالاته ودلالاته.

من أجل تأكيد المؤكّد في هذا الوضوح اللئيم الخسيس، يهمّني أنْ أصارح القرّاء بالقول إنّ كلّ ما يحصل أمامي على مستوى عمل السلطات والرئاسات والسياسات والسماويات... اللبنانيّة، يحملني، كمتلقٍّ وشاهد، على لزوم "إقناع" نفسي وعقلي وقلبي وروحي بأنّ حال الدولة والإنسان فيها، تحت وطأة ذلك، ومن جرّاء ذلك، كحال الميت دماغيًّا وسريريًّا.

واجبي، كشخصٍ عاقل، والحال هذه، أنْ "أقتنع" بالاستحالة، أي باستحالة حصولِ تغييرٍ إيجابيّ، في ضوء المعطيات الموضوعيّة، يقلب المعادلة رأسًا على عقب.

فلماذا لا "أقتنع"؟

جوابي ساذجٌ بالطبع، وفاقد الحجّة، ومن المرجّح أنْ يثير ضجر القرّاء، فضلًا عن استدرار الشفقة.

أعرف هذا كلّه، لكنّي عنيدٌ ومُكابِر، وبالقدْر نفسه، رافضٌ المراوغة و"المغمغة".

أقصد، أنّه يستحيل عليَّ أنْ أكذب على نفسي، فكيف أكذب على القرّاء؟

... وإذا كذبتُ، فكيف أكون مقتنعًا ومقنعًا؟!

لأجل هذا، هاكم جوابي الساذج، الفاقد الحجّة، والمثير ربّما لضجر القرّاء وشفقتهم وخيبة أملهم حيالي.

"أؤمن"، بصفتي شاعرًا، باحتمال نزول المطر في هذه اللحظة بالذات، التي لا يُرجَّح فيها أيُّ احتمالٍ موضوعيٍّ كهذا. وإذا كان ثمّة احتمالٌ، فهو ضئيلٌ للغاية. بل شبه مستحيلٍ، إلّا إذا حصلت "مصادفةٌ موضوعيّة"، كالمصادفة التي يتحدث عنها السورياليّون le hasard poetique.

"أؤمن" بأنّ تلك الغيمة الشحيحة، شبه المرئيّة، في سماء هذه الصبيحة البيروتيّة اللبنانيّة، صبيحة 25 تمّوز 2019، أراها فوقي تمامًا، تقترب لتمثل قبالة تلك الغيمة الشحيحة شبه المرئيّة، أو بالأحرى اللّامرئيّة بالعين.

أرجّح أنّ الغيمتَين هاتَين ستتشاكيان، بعد هنيهة، أي بعد همسٍ شفيفٍ من النسيم العليل، وأنّهما ستتلامسان، وستتغامسان، وقد تتجامعان، وقد تبرقان عميقًا عميقًا، كشبهِ لحظةِ نشوةٍ جامحةٍ غير قابلةٍ للتكرار.

مثل ذلك، هو محض افتراضٍ ليس إلّا. لكنّي سأواصل الافتراض "مؤمنًا" بأنّ هذا التشاكي بين الغيمتَين التمّوزيتَين فوق سماء بيروت – لبنان، لا بدّ من أن يهمي مطرًا يُسمّى الرذاذ الحميم الفائق الوجود، في مثل هذا الوقت من اليأس العميم.

هل قلتُ إنّي "مؤمنٌ"، كشاعر، باحتمال نزول المطر في هذه اللحظة بالذات، التي لا يُرجَّح فيها أيُّ احتمالٍ موضوعيٍّ كهذا. وإذا كان ثمّة احتمالٌ، فهو ضئيلٌ للغاية؟

خذوا هذا الاحتمال الضئيل للغاية، بل شبه المستحيل، ووسِّعوا له الحيِّز.

خذوه باعتباره وقوفًا أمام المرايا.

وخذوه باعتباره لذّةً، شغفًا، وجدًا، و"إيمانًا" بتحقّق المستحيل.

وابتسموا قليلًا لمراياكم، أمام مراياكم.

لعلّ مراياكم هذه، بفضل تلك الابتسامة، بل بقوّة تلك الابتسامة، تصنع غيمةً، غيمتَين، تهميان مطرًا رذاذًا في صبيحة 25 تمّوز هذا، على حياتنا اللبنانيّة الجماعيّة والشخصيّة!

[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم