العنف ضدّ المرأة... آثار نفسية لا تُحمد عقباها!

رحلة 16 يومًا انطلقت في الخامس والعشرين من تشرين الثاني وتنتهي في العاشر من كانون الأول. رحلة تخلد ذكرى الأخوات ميرابال اللواتي أُعدمن عام 1960 بسبب نشاطهن السياسي. من هنا، بدأت مناهضة العنف ضدّ المرأة بمختلف أشكاله، إذ صنفته الجمعية العامة للأمم المتحدة أنّه "كلّ عنف يحرم المرأة من حريتها قسرياً، أو يسبب لها أي أذى أو معاناة نفسية وجسدية".

العنف الأسري في العالم العربي 
 

هذا النشاط العالمي الذي يعرض على مدار أيام قصص نساء ناجيات من العنف المعنوي أو الجسدي، تحتل فيه المنطقة العربية انتشاراً في العنف الأسري، واستناداً إلى استطلاع رأي في 12 دولة، ينتشر العنف في 15% من الأسر العربية. ورغم أنّ اليمن حصد نسبةً متقدمة تصل إلى 26%، انخفص في كلّ من لبنان وتونس والأردن هذا المؤشر إلى 6%.

أرقام تشير إلى الخطر الذي تعايشه النساء، لا سيما العنف الجسدي، الذي يسود في الثقافات الذكورية أو النزاعات المسلحة. فيكرم المعتدي بالزواج من ضحيته دون أنّ يحملّه المجتمع مسؤولية فعلته عن تدمير الذات الانسانية، وإحالته إلى العلاج. هذه المفاهيم، برأي المعالجة النفسية كارولين سكر، لن تذهب صدفةً أو تنسى بتراكم السنوات بل تحتاج إلى أجيال للتعافي من هذه الذاكرة الجماعية.

العنف يناهض القيم الاجتماعية 
 

تنشأ النساء منذ ولادتهن على قيم الاحترام، والأخلاق، والصدق، والمحبة. وتنمى هذه القيم الاجتماعية والدينية لديهن بدءاً من الدائرة الصغيرة وصولاً إلى التعاطي مع المجتمع بأسره. هذه المعتقدات تنتهك مجرد تعرض المرأة للعنف، الذي يتنافى مع هذه المبادئ الأخلاقية. وعندها، تشعر الضحية بخطر يلاحقها، بتعدٍ على كرامتها، بتقييد لحريتها، بإحساس ذنب لا يغتفر، وبإهانة مجتمعية. هكذا تختصر سكر التأثيرات النفسية المرافقة للعنف. إذ يتركز في اللاوعي، وهو الجُعبة غير المرئية، التي تحتفظ بأشكال العنف، ما يدفع الناجية إلى الشعور بالخوف والموت وعقدة الذنب دون إدراكها لمسببات هذه الفوضى المشاعرية التي تظهر في تعاطيها مع المجتمع.

وهذه العقدة التي تنتج عن عنفٍ نفسي أو معنوي أو جسدي، تسترجعها خلاياها العصبية في كل موقف مشابه أو عند كل حدث، أكانت أعراض الخوف والرجفة والعرق ودقات القلب المتسارعة والأصوات، وتعيش في اللاوعي الذي يتحكم في تصرفاتها.

آثار جانبية لا تُحمد عقباها 
 

توضح المعالجة النفسية أنّ الدراسات العلمية شددت على أنّ الاغتصاب من أصعب أنواع العنف التي تتعرض له النساء، يرافقه التحرش الجنسي، "الأمر ليس بالبساطة التي يعتقدها الآخرون، تحتاج إلى متابعات لاستعادة جزء من عافيتها النفسية".

وانطلاقًا من مضاعفاتها الجانبية، من الضروري، تلقي النساء اللواتي تعرضن لعنف قوي على غرار الاغتصاب أو الصدمة إلى علاجات نفسية. هذه العلاجات لا تمحو آثار هذا العنف بل تمكنها من استكمال حياتها، باعتباره أنّه "حادث مؤلم، وليس حادثًا صادمًا".

وعلى مقولة "اللي بشوف مصيبة غيره بتهون عليه مصيبته"، برز في السنوات الأخيرة، الدعم النفسي الاجتماعي كعلاج متطور يساعد على تفاعل وتواصل العقل والجسد معًا، عبر الحديث عن القصة أو التروما، ما يدفع بأخريات للتعبير. وعليه، الاعتراف بما حدث والكلام عنه يحفز انتقال "التروما المركزة في العقل الباطني إلى إنعاش الوعي عبر طرق الذاكرة الصورية أو الحواس، ما يساعد في عملية الشفاء". 

عنفٌ واحد يغير حياة النساء المسؤولات عن تربية أجيال، يؤدي إلى زعزعة تواصلها مع دائرتها، قد يدفعها إلى إنهاء حياتها، في ظلّ غياب مجتمع يحتويها ويثأر لكرامتها بمعاقبة الفاعل على فعلته في أطر قانونية.

في هذه الرحلة، الكلّ مسؤول عن الصحة النفسية للنساء وخاصةً الناجيات لمساعدتهن على الاستمرار بأقلّ أضرار ممكنة.