"لم أعد أحتمل سماع صوت قوي بعد انفجار مرفأ بيروت"... عبارة نسمعها كثيراً فهل هذه الحالة طبيعية؟

من لحظة وقوع انفجار مرفأ بيروت، تبدّلت حياة اللبنانيين. كثيرون يحاولون الخروج من دوامة الحزن والقلق والتوتر التي أدخلهم فيها الانفجار دون جدوى. فحياتنا كلّها بعد الانفجار ليست كما قبله والكل يشهد على ذلك. كثر من اللبنانيين يعانون اليوم من تداعيات ما تعرضوا له ونسبة كبيرة منهم تعجز عن سماع صوت من دون الشعور بحالة توتر نظراً لقوة الإنفجار لحظة وقوعه وصوته المرعب الذي تسبب لهم بصدمة بكل ما للكلمة من معنى. عن هذا التوتر الذي يعانيه اللبنانيون اليوم لدى سماع ضجة أو صوت بعدما عاشوا لحظات الانفجار المرعبة، تتحدث الاختصاصية في المعالجة النفسية نور واكيم، وتوضح ما إذا كان الوقت كفيلاً بمساعدتنا على تخطيها أم إذا كانت سترافقنا دوماً.

ما سبب التوتر الذي يشعر به اللبنانيون لدى سماعهم أي صوت بعد انفجار بيروت؟

تأثر الكل بطريقة أو بأخرى سواء جسدياً أو نفسياً، وسواء من هم خارج لبنان أو فيه ومن كانوا على مقربة من موقع الإنفجار أو في مناطق بعيدة. ثمة من خسروا منازلهم أو مؤسساتهم، ومن خسروا احباءهم. كما أن الخوف على الأحباء الذين كانوا في مكان قريب من موقع الإنفجار وتضرر المنازل والمشاهد المرعبة التي رأيناها في تلك الليلة ولا نزال نراها إلى اليوم. إضافةً إلى الصوت الذي سمعه الكل في بيروت وضواحيها والذي أعاد إلى الأذهان ذكريات الحرب، كلّها عوامل تسببت بمشاعر سلبية للبنانيين وتعباً نفسياً، فنراهم كلّهم تحت وقع الصدمة نتيجة ما حصل.

لكن تشدد واكيم على عدم اعتماد تعبير اضطراب ما بعد الصدمة بشكل عشوائي لكل من تنهمر دموعه أو يعبر عن مشاعره. فيمكن ان يكون هذا فعلياً ويمكن ألا يكون هذا صحيحاً. في المقابل، تشير إلى حالة التوتر الحاد التي تتطور فهي سلوكيات خوف محددة وتستمر من نحو 3 أيام حتى شهر ما بعد التعرض للصدمة والتي لا نزال كلبنانيين ضمنها. في هذه الحالة، والتي تنطبق حكماً على ما حصل مع اللبنانيين على أثر الانفجار، تكون لديهم توتر حيث تعود إلى الذاكرة باستمرار مشاهد للحظات الانفجار وكوابيس. كما أنه في هذه الحالة يمكن التعرض إلى اضطرابات نوم وانفعالية زائدة وصعوبة تركيز وقد يعجز كثيرون عن تذكر تفاصيل ترتبط بما حصل حينها، فيما يمكن أن يتجنب البعض أماكن تذكر بالإنفجار وما حصل فيه. هذه الأعراض كلّها ترتبط بحالة التوتر الحاد التي تستمر لفترة شهر تقريباً، وبالتالي لا نزال حالياً في هذه الفترة ومن الطبيعي التعرض لهذه الأعراض وليس هذا مستغرباً بعد الصدمة

هل من حاجة إلى معالجة نفسية لمن يشعرون بخوف أو توتر حتى لدى سماع أي صوت؟

طالما أننا لا نزال في مهلة الشهر بعد الانفجار، تعتبر الأعراض كافة طبيعية ضمن حالة التوتر الحاد. أما في حال استمرارها إلى ما بعد الشهر، فقد يكون ممكناً التحدث عندها عن اضطراب ما بعد الصدمة في حالات معينة حيث لا تخف الأعراض بل على العكس تزداد سوءاً وحدةً وتزيد المشاعر السلبية ويعجز الشخص عن الإحساس بأية مشاعر إيجابية ويميل إلى الإنعزال وتستمر اضطرابات النوم والانفعال الزائد.

في هذه الحالة يمكن الإشارة إلى اضطراب ما بعد الصدمة، لكن تشدد أيضاً وأيضاً على عدم اعتماد هذا المفهوم بطريقة عشوائية. فمن الطبيعي أن نبكي وأن نحزن وأن نشعر بصدمة جراء ما حصل، كما أن من الطبيعي التعبير عن هذه المشاعر وهذا لا يعني أننا نعاني اضطراب ما بعد الصدمة. فاللبنانيون يتعرضون إلى أحداث مؤسفة وصعبة من اشهر عديدة ومن الطبيعي أن يواجهوا صعوبات من دون ان يعني ذلك أنهم يعانون اضطراب ما بعد الصدمة. هذه الأعراض التي يعانونها تتحسن مع الوقت، أما في حال ازدادت سوءاً فيمكن التعاطي معها بشكل مختلف وطلب مساعدة اختصاصيين نفسيين، وإن كان يمكن لمن يشعر بالحاجة ويعاني الأعراض المرافقة للتوتر الناتج من التعرض للصدمة أن يبحث عن مساعدة نفسية إذا كان ذلك يشعره بالارتياح.

.