العالم يسابق السرطان بعلاجات متطورة وفعّالة ولبنان يعاني!

 يواصل الطبّ سباقه مع السرطان، وينكبّ على الأبحاث والتجارب السريريّة التي توصّلت إلى نتائج واعدة وفعّالة، لكننا نغرق في لبنان بأزماتنا، وفي مقدّمها أزمة الدواء والاقتصاد.
 
فبعد أن كان الطبّ في لبنان قادراً على الكشف المبكر عن السرطانات بنسبة 60-70% من الحالات، بتنا اليوم نتفاجأ بظهور حالات مَرَضيّة متقدّمة، خصوصاً لدى النساء اللواتي هنّ دون سنّ الخمسين.
 
وعليه، نخسر اليوم المكاسب الكبيرة التي حققها الطب في لبنان خلال العقود الثلاثة الماضية في مواجهة السرطان والوقاية منه.
 
فالحالة التي كانت قابلة للشفاء أصبحت اليوم في دائرة القلق والموت، لأن العلاج موجود بكميّة محدودة أو أنّه غير متوافر ومكلف جداً.

يشرح رئيس قسم أمراض الدم والسرطان في الجامعة الأميركية في بيروت البروفيسور ناجي الصغير، الرئيس المؤسّس للجمعية اللبنانية لمكافحة سرطان الثدي، لـ"النهار" بأنّ العلاجات الحديثة والأبحاث الجديدة حول سرطان الثدي ترتكز على التفاعلات التي تحدث في داخل الخلية والأنزيمات والبروتينات الموجودة على سطح الخليّة.
 
ووفق ما بات معروفاً، يُقسم سرطان الثدي حسب مستقبلات هرمونات الأستروجين والبروجيستيرون إلى الأورام الإيجابيّة Hormone receptor-positive، أو الـHER2 التي تكون على سطح الخلية، أو التي لا تحتوي على مستقبلات أستروجين أو بروجيستيرون أو هير2، التي تُسمّى الثلاثية السلبيّة.
 
وقد أظهرت الأبحاث التي تتعلّق بسرطان الثدي المتقدّم أهميّة العلاج الجديد المضادّ للهرمونات لمنع إفراز الأستروجين أو مضاد للأستروجين مع أدوية أخرى تعمل على توقيف أنزيم kinase المرتبط بنمو الخلايا. وتتميّز الأدوية الثلاثة Palbociclib وRibociclib وabemaciclib العلاج الأساسي بنتائج فعّالة وبإطالة عمر المريضة من دون مرض.
 
يتحدّث الصغير أيضاً عن أدوية جديدة تُعنى بتغيّرات في داخل الحمض النوويّ، منها دواء الـAlpelisib، الذي يُستخدم اليوم للعلاج في الحالات المتقدّمة، بالرغم من أنه قد يُسبّب بعض الآثار الجانبية كارتفاع السكّر في الدم والحساسية... ممّا يتطلّب الوقاية من الحساسية في الشهر الأول، وانتباهاً ومراقبة دائمة للمريضة للسيطرة على معدّل السكّر.
 
كذلك شهدنا تطورات مهمّة في الـهير2 إيجابي أو الـHer2 positive، وأثبت دواء الـTrastuzumab مع العلاج الكيميائيّ فاعليّته في إطالة عمر المريضة في المراحل الأولى، واحتمال الشفاء بنسبة 30-40%، وتقليل نسبة معاودة المرض في أكثر من 50% من الحالات.
يُعطى هذا العلاج حسب الأبحاث لمدّة سنة، وفق ما يقول "الصغير"، الذي يُشير إلى إمكانية استعمال الدواء لـ6 أشهر حسب بعض الدراسات، خاصّة في البلدان قليلة الموارد.
 
 
 
ويتابع الصغير شارحاً بأننا "نستخدم هذا العلاج حتى قبل الجراحة بهدف تصغير حجم الورم الكبير. وفي 60% من الحالات يذوب الورم نهائيّاً، ثم نجري العمليّة الجراحيّة. وفي حال بقي بعض الورم، نصف عندها دواء T-DM1 الذي يعتبر من الأدوية الحديثة في هذا المجال".
 
أما بالنسبة إلى المراحل المتقدّمة من سرطان الثدي، فتكون الأدوية pertuzumab and trastuzumab هي الأساس. أما إذا عاود المرض الظهور، فقد أثبت دواء T-DM1 فاعليته، بالإضافة إلى دواء Trastuzumab-Deruxtecan (T-Dxd)، الذي أعطى نتائج مذهلة بعد معاودة المرض والخضوع لعلاجات أخرى.
 
ويشدّد الصغير على التطوّر البيولوجي الذي وصلنا إليه من خلال المضادّ البيولوجيّ الذي يحتوي على علاج كيميائيّ (T-Dxd) يلتصق بسطح الخليّة، ويدخل إلى داخلها لقتل الخلايا؛ وقد أعطى نتائج مذهلة إلا أنه في المقابل أدّى إلى التسبّب بالتهابات في الرئة في المراحل المتقدّمة جدّاً. ولكن استخدامه في المراحل المبكرة لم يُسجّل هذه المشكلات إلا بنسبة قليلة. وبالتالي، من المهمّ مراقبة المريض (سعال - ضيق تنفّس - إجراء صورة دورية للرئة) للتأكّد من عدم حدوث أيّ عوارض تفرض توقّف العلاج والحصول على الكورتيزون.
 
بالإضافة إلى ما تقدّم، تتوافر اليوم أدوية جديدة على شكل حبوب tucatinib التي تُعطى مع دواء trastuzumab ودواء Capecitabine، وقد أظهرت نتائج جيّدة في المراحل المتقدّمة، وفي سرطان الثدي المنتشر في الرأس، فضلاً عن تحسين الحياة عند المرضى. لكن Trastuzumab-Deruxtecan و Tucatinib غير متوافرين في لبنان والعديد من الدول، وكلفتهما عالية جداً.
 
 
عليه، يؤكّد البروفيسور ناجي الصغير أنّ "الأدوية المذكورة أحدثت فرقاً كبيراً في نتائج العلاج، وفي زيادة فرص الشفاء، خصوصاً في المراحل المبكرة من السرطان، بل شهدنا علاجاً ثوريّاً في سرطان الثلاثيّ السلبيّ حيث يحدث تكاثر زائد للخلايا وتحفيز لجهاز المناعة، إذ يوجد ما يُسمّى بمستقبلات PD-1 على سطح خلايا المناعة التي تعمل على قتل الخلايا السرطانية، في حين تحتال الخلايا السرطانية على الجهاز المناعي من خلال بروتين PDL-1 الذي يمنع تأثر الخلايا السرطانية بعمل الخلايا المناعية. لذلك، نُعطي دواء ضدّ PDL-1، وهو checkpoint inhibitors، الذي يعمل على وقف احتيال الخلايا السرطانية على الجهاز المناعيّ حتى يتمكّن من القضاء عليها. وأصبح هذا العلاج متاحاً لسرطان الرئة والميلانوما وبعض السرطانات الأخرى وسرطان الثدي الثلاثي السلبيّ.
 
ومن المهم أن نعرف أنه في الحالات المبكرة تُشفى المريضة من السرطان؛ وفي الحالات المتقدّمة نسيطر على الورم لفترة طويلة، ونطيل عمر المريضة.
ويتأسف الصغير لأننا نتحدّث عن علاجات وأدوية سرطانية حديثة واعدة في حين أن مرضى سرطان في لبنان محرومون من أدويتهم وعلاجاتهم. لذلك نتمنى دعم الأدوية الأساسية، ودعم الجهات الضامنة، لإيصال الدواء إلى المريض المحتاج. اليوم، المرضى يعانون كثيراً، ويخوضون معركة مزدوجة لتأمين أدويتهم ومحاولة شرائها من خارج لبنان؛ وللأسف بعض الأدوية نكتشف أنّها مزيّفة".
 
 ويشدّد الصغير على أن عدم "حصول المريضة على علاجها بشكل منتظم يحمل مخاطر كثيرة، في مقدّمها عودة نمو الورم، وانتقاله إلى أعضاء أخرى كالكبد والرأس. ولقد شهدنا بعض الحالات التي تراجعت نتيجة عدم تناول المريضة لأدويتها بشكل منتظم ومستمرّ، فضلاً عن الوجع النفسيّ الذي يرافق المريضة التي هي بحاجة إلى علاجها ودوائها حتى تحارب السرطان، وتخوض رحلة بحث شاقة لإيجاد حبّة دواء. إنها حقاً لكارثة!".