فاطمة الخياطة النسائية الوحيدة في خان الخياطين تستمر برغم الاختناق... "الخياطة لا تغني ولكن تستر"

 نهتدي الى صومعتها الصغيرة والملونة من صوت ماكينة الخياطة الذي يبعثر هدوء خان الخياطين بقناطره البيضاء العالية، الضاجة بزبائنه وزواره ذات يوم لم يعد كاليوم. نقترب أكثر فنسمع صوتها الواثق "إلا ما تفرج"، ملتفتة الى صبيّة تساعدها في توضيب لفافات القماش.
 
إنها فاطمة تكريتي، خياطة من القلّة الصّامدة في مهنة آخذة بالاندثار، والخيّاطة النسائية الوحيدة في خان يحمل اسم حرفتها ويُعرف بصناعة الأزياء التراثية عمومًا. لكن فاطمة تصنع كلّ شيء: "أفصّل وأخيّط الفساتين والكنزات والسراويل والقمصان والمراويل". 
 
(تصوير إسبر ملحم).
 
تنظر إلينا السيدة الخمسينية من خلف نظاراتها الطبية، بعد أن تركت جانبا فستانا للسهرة تعمل على تفصيله، إلا أن هذا يحتاج اهتماما حصريا. تستمر بالقليل. تسعيرة 100 ألف ليرة لخياطة فستان سهرة طوال أربعة أيام يعتبر استثناءً في السعر والسرعة وأيضا الجودة التي تشهد لها كثيرات من نساء طرابلس من مختلف المناطق: "أستمرّ لأنّ الإنسان يجب أن يعيش من صنعة شريفة تحفظ كرامته". ولأنها امرأة مطلقة منذ سنوات، يجب أن تكون "قوية، وتقف في وجه الريح وألا تكسر نفسها لأحد". 
 
قبل مزاولتها الخياطة منذ عشرين عاما، كانت فاطمة معلمة لغة إنكليزية وناظرة مدرسة. لكن التقصير في المعاشات وقلة الفرص جعلاها تتخلى عن التعليم: "بدأت بتعلم الخياطة منذ كنت في الثامنة من عمري، فقد كنت وأخوتي خلال الصيف نساعد والدتي في المشغل. ثم حين ضاقت بي الأيام، فكرت لماذا لا أستعين بهذه المهارة؟".
 
قرار دفع بفاطمة لفتح محل للعباءات والمللابس النسائية في الخان، مع بعض طلبيات خياطة تلبيها بماكينة نصبتها في المحل، "لكنني لاحظت أن الاقبال على خياطتي فاق الاقبال على الملابس الجاهزة، فتوسع عملي لخمس ماكينات وتكرست للحرفة". 
 
(تصوير إسبر ملحم).
 
شيء واحد يفوق حب فاطمة للخياطة، هو تعليم الخياطة. تنفرج أساريرها عن ضحكة أوسع من تلك التي تلازمها، "أفرح حين أجد نساء غيري يستفدن من خبرتي ويتزودن حرفة تجعل المرأة أقوى وأكثر استقلالية"، هذا ما عاشته خلال دورة تصميم وخياطة أدارتها في محترف محلي.
 
تعرف الخياطة أن الاختناق يفوق الوصف "لا أتحدث هنا فقط عن مستلزمات المحل، لكن ما نجنيه يكاد يكفينا قوت اليوم. المهم أنني سيدة أعتاش من عرق الجبين. تعب يجعلني لا أنكسر".
أخيرا، في خضم الزوابع الاقتصادية وانهيار الأحوال، الثابت الوحيد لدى فاطمة تركة والدتها: "أستمر بفضل إرثين لها: حرفة الخياطة، والقناعة بأن الخياطة لا تغني ولكن تستر".