الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

أسواق الميلاد في بيروت تتحدّى القهر... وشعارها "دعم المشاريع المحلية"

المصدر: النهار
فرح نصور
A+ A-
 
تحدّت أسواق الميلاد في بيروت الأزمة الاقتصادية وانتشار كورونا، وأصرّ القائمون عليها على بثّ الفرحة في نفوس الناس بعد عامٍ مليء بالكوارث. التحدي كان صعباً في ظل شحّ الإمكانات، ومع تراجع القدرة الشرائية لدى الناس، إلّا أن دافع الشعور بالعيد كان أقوى. ما يُميّز هذه الأسواق لهذا العام، هو الحركة الاقتصادية التي اكتست طابع الصناعة والإنتاج المحليين، مع توجّه اللبنانيين إلى المنتجات المحلية. وجاء ذلك لمصلحة أصحاب المشاريع الصغيرة ودعمها، فالجملة الواحدة لدى الجميع باتت "دعم المشاريع المحلية". 
 
اعتاد كلٌّ من مجمعي The Backyard و The Village تزيين سوق الميلاد منذ خمسة أعوام، و"لم أقبل إلّا أن نزينها هذا العام رغم الصعوبات والتحديات، التي تشكّل حافزاً لدينا لإنجازه، فالناس بحاجة لأن يحتفلوا وأن يبتهجوا، وقد تحدّينا الظروف الاقتصادية وانتشار كورونا. وهذا العام شعرت بمسؤولية صنع هذه السوق أكثر من أيّ عامٍ مضى، وكان يجب ذلك بأيّ ثمن، للشعور بجوّ وبركة العيد، وإنجاح هذه السوق في ظل كورونا كان تحدياً بحدّ ذاته"، بحسب مديرة التسويق في المجمّعين، ريتا دكس.  
 
"جميع المنتجات هذا العام مصنوعة 100% في لبنان، وهذا هو هدف السوق، إذ هناك حاجة ملحَّة لدى الحرفيين والمصممين لأن يصرّفوا إنتاجهم الذي بدأوا بتصنيعه في ظل هذه الأزمة، ونحاول تنويع السلع المعروضة لنفسح في المجال أمام الروّاد لخيارات عديدة، ومعظم المنتجات مرتبط بالميلاد وبهدايا مناسبة لهذا العيد، من مأكولات وزينة منزل وحلويات وملابس وحقائب وأكسسوار".  
 
يبلغ عدد نقاط البيع 25 في The Backyard الحازمية و30 في The Village ضبية، لمدة ثلاثة أيام في كل مجمع، ويدفع العارضون مبلغاً رمزياً لتغطية نفقات تنظيم السوق. وأسعار المنتجات تتراوح ما بين المقبول والمتوسط وما فوق، بسبب غلاء الموادّ الأولية التي تدخل في هذه الصناعات. 
 
تلفت دكس إلى أنّ "الإقبال جيد جداً، إذ تستقطب السوق نحو 1500 إلى 2000 شخص يومياً، وتشكّل حركة اقتصادية من خلال شراء المنتجات إلى جانب وجود المطاعم والمقاهي في المجمّعين، ما أسهم في استقطابٍ إضافي، وحرّك عمل المطاعم أيضاً، فوجود المطاعم ساعد كثيراً على إنجاح السوق، وشهدنا حركة جيّدة في المجمعين. ولا شكّ في أنّ هذه الحركة فتحت فرص عمل موسمية أمام بعض الشباب". 
 
أبدى العارضون سعادتهم إزاء تجاوب الروّاد مع منتجاتهم اللبنانية في هذه الأسواق، التي فتحت لهم الفرصة لتسويقها واستفادوا منها. تقول إحدى العارضات وهي صانعة حلويات يدوية: "كانت مشاركتي مهمّة جداً في هذه السوق، وخصوصاً في ظل الأوضاع الصعبة ليدعم بعضنا بعضاً في العيد، وأشجّع أي شخص يرغب بالقيام بمشروعٍ صغيرٍ في لبنان، فهو الوقت المناسب لندعم إنتاجنا المحلي". وتقول مسؤولة عن مساحة لبيع منتجات العناية بالبشرة المصنوعة يدوياً في لبنان: "ساعدنا أكثر وجودنا هنا لتسويق اسم العلامة، وهناك إقبال كبير على منتجاتنا بسبب أسعارها المعقولة جداً، وعدم قدرة الناس على شراء المستورَدة منها". 
 
 أمّا في مجمع Restos St Nicolas الأشرفية، فتنظّم شركة In action events سوقاً ميلادية للمرة الأولى هناك، إذ جرت العادة أن تقيمها في سكّة القطار في مار مخايل، لكن جميع المساحات الواسعة المناسِبة للمعارض دمّرها الانفجار، و"كان من الضروري القيام بهذه السوق للشعور ببهجة العيد ولو بأقلّ الإمكانات. ولم يكن ليمرّ دون أي نشاط بعد الكوارث التي عاشها اللبناني هذا العام، ووقع الخيار على هذا المجمع لوجود العديد من المطاعم فيه، بحيث يمكن استقطاب عدد أكبر من الروّاد إلى السوق، وقد رحّبت إدارة المجمّع مباشرة بالطرح ودعمته"، تشرح صاحبة In action events لتنظيم المعارض، سينتيا وردة. 
 
في رأي وردة أن "الفرق شاسع ما بين السوق الميلادية هذا العام والعام الماضي" من حيث المساحة وعدد المشاركين وإقامة الحفلات والنشاطات، فانتشار كورونا حال دون إقامة نشاطات تتطلّب تجمعات، "لذا حاولنا تقليص الحجم والنشاطات قدر الإمكان للتمكّن من السيطرة على الإجراءات الوقائية، بالإضافة إلى أنّه في ظل الأزمة الاقتصادية، غاب رعاة المعارض وتقلّص الدعم والإمكانات المادية كثيراً".  
 
في هذه السوق منتجات متنوّعة، من أحذية وملابس وأكسسوار وحقائب ومنتجات للعناية بالبشرة والحرفيات، وجميعها منتجات يدوية ومصنوعة في لبنان. تشرح وردة أنّ "نمط البلد تغيّر وأصبح التوجّه في جميع المجالات نحو الإنتاج المحلي لعدم القدرة على الاستيراد، فخلال هذه الأزمة ظهرت إبداعات جميلة نتيجة الحاجة إليها، وأصبح بإمكان اللبناني الخروج من منزله متأنّقاً من رأسه حتى قدميه بصناعة محلية".  
 
تضيف أنّ "هذه السوق تستهدف بالدرجة الأولى دعم المشاريع المحلية. وبما أنّنا شركة لتنظيم المعارض، قصدَنا العارضون وأصحاب المشاريع، وكانوا على أهبة الاستعداد وأظهروا ضرورة لعرض منتجاتهم خلال الأعياد، وهناك مَن كان متخوّفاً من خوض تجربة الإنتاج في هذه الظروف، ومن عدم تصريفه، لكنّهم تحدّوا الظروف للنهوض. وكان من المهمّ جداً تسليط الضوء على هذه الصناعات المحلية، فوراء كلّ منتج نحو عشرة أشخاص شاركوا في صناعته وهؤلاء جميعهم بحاجة إلى المدخول والاستمرار في الوقت الراهن بشكلٍ خاص، لذا كان من الضروري جداً التضامن معهم لدعمهم، وذلك يشكّل حركة اقتصادية ولو محدودة".  
 
خصّصت هذه السوق 30 مساحة للعرض، ما سمح لما لا يقلّ عن 100 حرفي ومصمّم بعرض وبيع منتجاتهم بشكل دوري خلال 20 يوماً، ويدفع أصحاب هذه المشاريع بدلاً رمزياً لعرض أعمالهم. كما فتحت فرص عمل لبعض العمّال ولو لمدة محدودة خلال هذا الشهر. 
 
ترى إحدى المشاركات في السوق، وهي مصممة حقائب خشبية، تصنعها يدوياً من ألفها إلى يائها، وكانت تعمل في مجال الإخراج، أنّه "بسبب الظروف الراهنة كان لا بدّ من أن أتحرّك في مجالٍ آخر لأستمرّ، ومن الضروري جداً وجود أسواق كهذه لعرض منتجاتنا، وخصوصاً منتجات كالتي أصنعها، لأنّني أفضّل تعريف الزبون شخصياً ومباشرةً عن الحقيبة، وأن يتفحّصها ويراها بأمّ عينه كي ينجذب إليها أكثر".  
 
في مجمع أسواق بيروت، وضمن مبادرة الاحتفالات الميلادية، نظّمت منصة "بيروتتنا" سوقاً ميلادية تهدف في الدرجة الأولى إلى إعادة إحياء وسط بيروت التجاري، ولا سيّما دعم المشاريع المحلية، "فما عانيناه هذا العام لم يسبق أن عانيناه في لبنان، لذلك كان التحدي كبيراً"، يقول بشير مجاعص أحد منظمي مبادرة "بيروتتنا". 
 
ويروي أنّ "أصحاب هذه المنتجات كانوا بحاجة إلى مكانٍ لعرضها خلال الأعياد، وانهالت الطلبات علينا لهذا الغرض رغم تخوّف بعضهم من انتشار كورونا، وما زالت طلبات أصحاب المشاريع تتزايد حتى الآن، إذ تشجّعوا بعد رؤيتهم نجاح وفاعلية هذه السوق، وإقبال الناس على النشاطات واحتفالات مبادرتنا ككلّ، كما تشجّعت المحالّ التي تضررت بفعل الانفجار، لأن تنهض من جديد لدى رؤية مالكيها حركة في الوسط التجاري، وحتى في منطقة الصيفي التي كانت ميتة منذ أكثر من شهر، فقد عاودت المحالّ فتح أبوابها معنا". 
 
يصطفّ نحو 11 كشكاً لسلعٍ متنوّعة، ويتبدّل أصحاب المنتجات كل أسبوع تقريباً للسماح لأكبر عدد ممكن من الحرفيين والمصممين لعرض أعمالهم، دون أي بدل مالي، لدعم أصحاب المشاريع الصغيرة، لنحو 25 يوماً. 
 
وكان أكبر تحدٍ، وفق مجاعص، "أن نقف على أرجلنا وأن نقوم بهذه المبادرة رغم الظروف السيئة في وقتٍ قصير جداً، بالإضافة إلى تحدّي إعادة الأمل إلى الناس المحبطة لأنّنا لم نكن واثقين من تجاوب الناس، والتحدي الآخر كان إعادة إحياء وسط بيروت الذي يُحتضر منذ عام، وتغيير الصورة التي انطبعت في ذهن الناس عنه". 
 
ويلفت إلى أنّ "السوق أسهمت بتشغيل عمال وموظفين كانوا دون عمل لفترة طويلة، ونُظّمت بأقلّ كلفة ممكنة، فالظرف لا يسمح بالإنفاق العشوائي، والإقبال عليها أكبر ممّا تصورنا بكثير، ويزداد يوماً بعد يوم، والأسعار في متناول الجميع. وشدّدنا على أن تكون كذلك لإفادة أصحاب المشاريع والروّاد".  
 
نسيم، منتج مشروب كحولي من التفاح، وهو أحد أصحاب المشاريع الصغيرة في هذه السوق، في رأيه أنّ "هذه السوق شكّلت له متنفساً ولو موسمياً، فنحن نسوّق والناس يرغبون بمنتجاتنا والمدخول مقبول، ولوجودنا هنا جانب معنوي أيضاً هو الشعور بجوّ العيد، وهو الوقت المناسب لتوعية الناس إلى المنتجات المحلية ولتغيير عادات الاستهلاك لدينا".  

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم