كنيسة بيزنطية وبيوت ومدافن... اكتشف معالم مدينة الأرجوان في الجيّة

تشتهر الجيّة بكونها من المدن البحرية القديمة التي عرفت  أهمية كبيرة عبر التاريخ. فبفضل موقعها المميز الذي يُشرف على خليج طبيعي يحدّه رأس السعديات من الشمال ورأس النبي يونس من الجنوب، وانحدار الجبل فيها بشكل شديد نحو البحر مشكّلاً حاجزاً طبيعياً على الطريق الساحلي الجنوبي، إكتسبت مدينة الجية موقعاً استراتيجياً مهماً وأصبحت منفذاً بحرياً تجارياً للمناطق الساحلية والجبلية المجاورة.

عرفت مدينة الجية شهرة واسعة عبر التاريخ، فورد ذكرها في نصوص تاريخية عدة؛ أبرزها النص الأشوري الذي يعود الى القرن السابع ق.م الذي يتحدث عن حملة الملك الأشوري أسرحدون على صيدا، ونص آخر يعود الى العام 218 ق.م ذكرت فيه أحداث معركة حصلت بين السلوقيين والبطالسة عند شاطئها.

كلمة جية هي سريانية الأصل Gayyo تعني المكان المبهج واللطيف.كما وعرفت المدينة في العهد اليوناني باسم "بورفيرون" اي مدينة الأرجوان، وذلك بسبب شهرتها في صناعة الصباغ الأرجواني المستخرج من صدف الموركس الذي كان يزخر به شاطئها.

تنتشر في الجية معالم أثرية مهمة، فلقد أظهرت الحفريات الأثرية التي جرت في المنطقة وجود معالم مسيحية تعود الى أوائل العهد البيزنطي وهي عبارة عن كنائس ولوحات فسيفساء وكتابات نذرية باليونانية وتيجان أعمدة نقشت عليها صلبان.

أبرز هذه المعالم التي يمكن زيارتها اليوم، أنقاض بازيليك بيزنطية ضخمة واقعة عند شاطئ البحر مباشرة بنيت في القرن الخامس الميلادي. لا يظهر منها اليوم سوى جدارها الشرقي الذي تتوسطه حنية كبرى. داخل هذه الحنية يوجد نقش لصليب شعاعي، تميزت به الكنيسة عن باقي الكنائس التي تعود الى الفترة نفسها. كانت تتألف هذه الكنيسة من ثلاثة أروقة يفصل بينها صفان من الأعمدة الرخامية. رُصفت أرضية الكنيسة بلوحات كبيرة من الفسيفساء المميزة بتصميمها وأشكالها المتنوعة ورسومها الفنية وألوانها. ولقد ساهمت الكتابات اليونانية التي تتضمنها بتحديد تاريخ وضعها الذي يعود الى اوائل القرن السادس الميلادي.

نشير إلى أن  لوحات الفسيفساء التي عُثر عليها في الموقع تُعرض اليوم مع مجموعة أخرى من القطع الجميلة في أقبية قصر بيت الدين التي حُوّلت الى متحف خاص بالفسيفساء البيزنطية.

تصوير ريم قمر

تصوير ريم قمر

خلف الكنيسة يمكن مشاهدة معالم مدينة بورفيرون القديمة، والتي تعود الى العصر البيزنطي ولقد بنيت هذه المدينة فوق بقايا المدينة القديمة التي تعود الى الحقبة الفينيقية. هذه المعالم هي عبارة عن بيوت سكنية مؤلفة من عدة غرف، رُصفت أرضية بعضها بلوحات جميلة من الفسيفساء. بالإضافة الى شوارع ضيقة مجهّزة بالأقنية المخصصة لجلب المياه الى المدينة وتصريفها الى البحر.

تصوير ريم قمر

تصوير ريم قمر

وعُثر في الموقع أيضًا على بقايا معاصر زيتون مبعثرة في المكان، وهي دليل واضح عن النشاط الزراعي والصناعي والتجاري التي عرفه سكان المدينة الذين استغلوا الهضاب المشرفة لزراعة الزيتون وإنتاج الزيت والمرفأ الطبيعي لتصديره الى الخارج. هذا النشاط أكسب المدينة إزدهاراً وغنى ميزها عن باقي المناطق المجاورة.

تصوير ريم قمر

 في الجهة الشمالية من المدينة، تقع المدافن Necropolis  التي عُثر فيها على مدافن محفورة بالصخر، ومغاور مدفنية تعود الى حقبات تاريخية مختلفة، علاوة على مجموعة من النواويس الحجرية الأنيقة التي تعود إلى العهد اليوناني.