السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

ميدان سباق الخيل في صور... من المواقع الشاهدة على أقدم الألعاب الأولمبية

المصدر: "النهار"
ريم قمر
ميدان سباق الخيل- تصوير ريم قمر
ميدان سباق الخيل- تصوير ريم قمر
A+ A-

يقع ميدان سباق الخيل Hippodrome في موقع البص الأثري في مدينة صور. يعدّ هذا الميدان الروماني المبنيّ في القرن الثاني الميلادي، من الميادين المحفوظة جيداً في العالم.

 

كان سباق العربات أحد أكثر الأحداث الرياضية جاذبية في اليونان القديمة. وقد أصبح جزءاً من الألعاب الأولمبية عام 684 قبل الميلاد، عندما أقيمت أول سباقات للعربات الرباعية الخيول في ميدان سباق الخيل في أولمبيا. كان لمثل هذه السباقات سمة بارزة في الألعاب الأولمبية القديمة، وغيرها من الألعاب المرتبطة بالمهرجانات الدينية اليونانية. هذه الألعاب لم تكن ترفيهية فحسب، بل إنّ جذورها عميقة في المعتقدات المقدّسة لليونان القديمة، وكانت تشكّل جزءاً من الطقوس الدينية الرسمية؛ بحيث كان الغرض من عرض وتقديم المهارات الجسدية إرضاء الآلهة. فقد ذكرت ملحمة هوميروس الشهيرة، الإلياذة، سباقات العربات كجزء من عروضات الجنازة التي أمر بها أخيل تكريماً لرفيقه الذي سقط، باتروكلس. وتأتي كلمة "Hippodromes" من اليونانية، فـ Hippo تعني "خيول" وكلمة "dromes" تعني "المسار".

 

 

أدّت هذه الألعاب عند الرومان أيضاً دوراً دينياً مهماً. فقد أضيف سباق العربات في وقت مبكر إلى الألعاب التي أقيمت تكريماً للإله الروماني الرئيسي Jupiter Optimus Maximus.

 

وعام  366 قبل الميلاد، أصبح Ludi Romani حدثاً سنوياً يُقام برعاية الدولة. ومع تنامي النفوذ العسكري لروما، بدأ الجنرالات تخصيص أجزاء من غنائمهم الحربية لرعاية سباقات العربات والألعاب الأخرى. وفي هذه المرحلة، بدأ سباق العربات يتطور إلى نوع من الترفيه، وارتبط في ما بعد بالثقافة الجماهيرية والسلطة والشعبوية.

 

ولتشجيع هذه الألعاب، بدأ تمويل بناء الميادين الضخمة المناسبة للسباق، مثل سركيس ماكسيموس في روما، وميدان سباق الخيل في القسطنطينية. وتطوّر سباق العربات، وبُنيت الميادين الضخمة في مختلف المناطق مع توسع الإمبراطورية الرومانية.

 
 

ويعدّ ملعب سباق الخيل في صور، الذي بُني في القرن الثاني الميلادي، من أكبر وأفضل الميادين المحفوظة في العالم.

يبلغ طول الميدان 480 متراً وعرضه 160 متراً، وهو على شكل حدوة حصان. يحيط بالميدان مدرّجات حجرية تتألف من 13 صفاً من المقاعد، تتسع لنحو ثلاثين ألف متفرج. وفي أعلى المدرّجات ممشى طويل يمتد بامتداد المدرّجات، وعلى جانبيه صفّان من الأعمدة.

 

تصوير ريم قمر

 

وكان ميدان السباق يتسع لاثنتي عشرة عربة، يمكنها أن تشترك دفعة واحدة في السباق. وكان عليها أن تدور سبع مرات حول محور الميدان الذي يبلغ طوله نحو 300 م. يتألف المحور من بركتين مستطيلتين مرصوفتين بالفسيفساء، وعند طرفيه قاعدتان حجريّتان على شكل هرمين صغيرين. وفي وسط المحور اكتُشف نصب مركزي أو مسلّة من الغرانيت الوردي يبلغ ارتفاعها 10 أمتار، كما عُثر أيضاً في المكان على تمثال من الحجر الأبيض مبتور الرأس والذراعين بلباس روماني.

 
تصوير ريم قمر
 

كانت تبدأ الحفلة باستعراض كبير يتقدّمه صاحب الرعاية في عربة تجرّها الخيول، ثم تمرّ صور الآلهة والشعارات، بعضها على عربات مزيّنة وبعضها الآخر محمولة على أكتاف المشاة. ويليها الكهنة والقضاة وموكب العربات، ثم المشتركون في المباريات، وأخيراً الحيوانات التي تُقدّم للذبيحة. وبعد أن يدور الموكب حول المحور تُقدَّم الذبيحة ويُعلن افتتاح الألعاب.

تتوجه عندها العربات الى نقطة الانطلاق، لتتسابق في مجموعات تصل إلى 12 عربة. فعندما يلوّح راعي الحفلة من مجلسه بمنديل أبيض اللون أو يأمر بنفخ البوق، تنطلق الخيول ويبدأ السباق. يكون عندها السائق واقفاً على عربة ذات عجلات خشبية مفتوحة الظهر، ترتكز على محورها الخلفي الخاصّ.

 
 

ويستمر السباق حتى تدور العربات سبع مرات حول المحور، وينتهي عند الوصول الى خطّ يُرسَم بالكلس على الأرض أمام منصّة القضاة والمراقبين. كانت تتسم هذه السباقات بالخطورة، فكثيراً ما كانت تنقلب العربات أو تصطدم بالقاعدة الحجرية، فتتطاير عجلاتها ويصاب الفرسان والخيل بأضرار جسيمة.

أما الجوائز التي كانت تُقدَّم للفائزين، فكانت في بادئ الأمر أكاليل من الزيتون، كانت تُعدّ رمزاً دينياً مهماً ووسام شرف للشعوب القديمة. ولكن في ما بعد تطوّرت الجائزة لتصبح مبالغ نقدية باهظة.

 

تصوير ريم قمر

 

كانت الجماهير تتسارع عشية الاحتفالات لحجز أماكنها، ولا تغادرها طوال الليل خوفاً من فقدانها. ولا يزال جزء من المدرّجات الخاصّة بالمتفرّجين محفوظاً بشكل جيد؛ فعند زيارة الموقع يمكنك أن تتخيّل نفسك جالساً وتشجّع فريقك المفضّل. فمثل الكثير من البطولات الرياضية اليوم، كان لسباق العربات الرومانية فرق لها الكثير من المشجّعين المخلصين، وكانت تُقسم هذه الفرق الى أربع فصائل، الأحمر، والأبيض، والأزرق، والأخضر.

 

أما المنطقة المحيطة بميدان سباق الخيل، وتحديداً الرواق الواقع تحت المدرّجات الذي يبلغ طوله نحو ألف متر، فكانت تعدّ من الأماكن الأكثر انتعاشاً وحيوية في المدينة أثناء الألعاب، إذ كانت تنتشر فيها الأسواق والحوانيت وبائعو المأكولات ولاعبو السحر.

 

تصوير ريم قمر

نشير إلى أنّ هذا السباق تراجع خلال القرن السابع، بعد الحرب التي نشبت بين الإمبراطورية الرومانية والعرب. فآخر سباق للعربات أُقيم في روما في سيركيس ماكسيموس عام 549 بعد الميلاد. أما اليوم، فتظهر الخيول والفرسان مهاراتهم في الألعاب الأولمبية، من خلال ألعاب القفز والترويض واختراق الحواجز.

 

تصوير ريم قمر

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم