قلعة راشيا... من خلف أسوارها أعلن استقلال لبنان

لطالما احتلت بلدة راشيا موقعاً استراتيجياً مهماً يشرف على وادي التيم. وبسبب أهمية موقعها، احتضنت البلدة قلعة حصينة تعود بتاريخها إلى الحقبات الرومانية والعربية والصليبية والعثمانية.
 
تنتصب قلعة راشيا على ارتفاع 1400 متر فوق سطح البحر، وتعلو ثلاثة منحدرات مقابلة لقمم حرمون، وهي تشرف على الأراضي السورية والفلسطينية. كان الهدف الرئيسيّ من بناء القلعة حماية الطرق التجارية ومراقبة القوافل التي كانت تمرّ عبر لبنان إلى البلاد المجاورة.
 
 
وقد تعرّضت القلعة إلى عدّة غزوات واحتلالات، أبرزها خلال الفترة الصليبيّة، حين تحوّلت القلعة إلى حصن دفاع عسكريّ ومركز تدريب للجنود. ولقد شهدت القلعة خلال هذه الفترة إضافات عديدة، أبرزها بناء أبراج مراقبة ساهمت بزيادة تحصينات القلعة.
 
وخلال الفترة العثمانية، وبعد أن تسلّم الشهابيون الحكم، اتّخذوا من قلعة راشيا مقراً للعائلات الحاكمة، فقاموا بتوسيع القلعة، وأضافوا إليها بعض التصميمات الشرقية التي بدت واضحة من خلال القناطر العثمانية التي زُينت بها واجهتُها الجنوبية الغربية، وأعادوا ترميم البرج الضخم الذي بناه الصليبيون في العام 1172.
 
 
لعبت هذه القلعة أدواراً بارزة في تاريخ لبنان؛ فخلال الاحتلال الفرنسي، تمركزت القوات الفرنسية في القلعة. فشُيّد السور الشرقي، وأعيد ترميم بعض أجزائها باستخدام حجارة المنازل المحيطة بها.
 
في 22 تشرين الثاني 1925، شهدت البلدة واحدة من أشرس المعارك. فاقتحم المقاتلون في الثورة السورية الكبرى، بقيادة سلطان باشا الأطرش، أسوار القلعة لتحريرها من الجنود الفرنسيين، فسقط حينها العديد من الشهداء من أبناء راشيا والجوار.
 
 
وفي ليل العاشر من تشرين الثاني من العام 1943، عمدت القوات الفرنسية إلى اعتقال رئيس الجمهورية بشارة الخوري، ورئيس الوزراء رياض الصلح، إضافة الى وزير الخارجية والأشغال العامة سليم تقلا، والنائب عبد الحميد كرامي، وعادل عسيران، ووزير الداخلية كميل شمعون، وسجنتهم في داخل القلعة كردّ على تحرّكاتهم المطالبة بالاستقلال.
 
في 22 تشرين الثاني 1943، أطلق سراح المعتقلين، وذلك بعد أن عمّ العصيان المدني، واندلعت سلسلة من المظاهرات في جميع المناطق اللبنانية. فاعتبر هذا التاريخ، يوم الاستقلال اللبناني.
 
تعتبر القلعة اليوم من المعالم السياحية البارزة في منطقة البقاع. يمكن للزوار التجوال في داخل غرفها المقبّبة القديمة، وزيارة جناح الاستقلال الشاهد على هذا اليوم المميّز من تاريخ لبنان.