مغارة "سيدة المنطرة" في مغدوشة اختارتها السيدة العذراء لانتظار ابنها
يقع مقام سيدة المنطرة على مشارف بلدة مغدوشة على تلّة تشرف على الساحل الجنوبي لمدينة صيدا. وهو يعتبر من المواقع الدينية المقدسة لما يمثله من أهمية دينية وتاريخية.
تجلّت هذه الأهمية من كونه يحتضن مقام السيدة العذراء الذي هو عبارة عن مغارةٍ صغيرةٍ محفورة بالصخر. بحسب المعتقدات المحلية، كانت العذراء مريم تُرافق ابنها المسيح في زياراته الى صور وصيدا ومنطقتهما، وكانت تقيم في المكان حيث توجد مغارة صخرية تقع على تلة مشرفة على البحر في خراج بلدة مغدوشة، "منتظرة" عودة ابنها من جولاته التبشيرية. لذلك أطلق على الموقع تسمية "سيدة المنطرة" أي الانتظار.
مع توالي الاضطهادات التي تعرّض لها المسيحيون في المنطقة خلال العصور اللاحقة، أهمل مقام عذراء مغدوشة، وغطّت الاتربة والأعشاب مدخل المغارة.
وفي سنة 1720، اكتشف أحد الرعيان صدفة المغارة ووجد في داخلها مذبحا عليه أيقونة منسية للعذراء مريم. بعد أن سقطت نعجته داخل المغارة من الثقب الموجود في سقفها.
حوّلت هذه المغارة إلى مزار تُقام فيه الصلوات والقداديس، ولقد جُهزّت حفرة في جداره لتصبح مذبحا صغيرا. وأضيف الى مدخل المغارة رواق صغير مزين بثلاث قناطر .
وضع على مدخل المغارة الجنوبي تمثال صخري رائع الجمال للعذراء مريم وهي جالسة تنتظر ابنها المسيح وتلاميذه. ولقد كتب على لوحة وُضعت فوق رأسها عبارة "أنتظر أولادي" باللغات العربية والفرنسية والانكليزية.
بالقرب من المغارة شيّد برج عالٍ يصل ارتفاعه الى 28 متراً، يعلوه تمثال برونزي للعذراء مريم وهي تحمل طفلها على ذراعيها. صُنع التمثال في إيطاليا من البرونز الكامل ويبلغ ارتفاعه ثمانية أمتار ونصف متر، فيمكن رؤيته بوضوح من الطريق الساحلية التي تربط العاصمة بيروت بالجنوب. في موقع البرج، ينتصب برج صليبي قديم كان قد بناه الملك الفرنسي لويس التاسع. وفي أسفل البرج شيّدت كابيلا جميلة زُينت بلوحة زيتية كبيرة تمثّل العذراء مريم جالسة عند مدخل المغارة، والسيد المسيح في وسط الغمامة يضع يده على رأس ابنة المرأة الكنعانية التي شفاها، اضافة الى مشهد راعي القطيع يحمل على كتفيه النعجة التي سقطت في ثقب سقف المغارة وساهمت بالكشف عنها.
وتحيطُ بالمقام ساحةٌ واسعة تسمحُ بالتجمعات الكبيرة، وتُستعملُ في المناسبات الدينية السنوية، وبخاصة في إحتفالاتِ المقام بعيد ميلاد السيدة العذراء في الثامن من أيلول.
وشُيد في الموقع أيضاً بازيليك ضخمة تتسع لـ1200 شخص وهي تعدّ تحفة جميلة بموقعها وهندستها وأيقوناتها المصنوعة من الموزاييك في إيطاليا.
وأصبح درب المزار مسيرة حج، بعدما جهّز بعشر محطات موزعة على مسافة 300 متر، يتضمن كل منها مشهداً منحوتاً على لوحة حجرية تمثل الأحداث التي ذُكرت في الكتاب المقدّس والتي جرت في لبنان. في ما بعد، أضيفت محطتان، الأولى تتضمن رسوم قديسين لبنانيين معاصرين؛ والثانية، تتضمن خريطة لبنان وصورة البابا يوحنا بولس الثاني مع كلمته الشهيرة: "لبنان هو أكثر من بلد، لبنان رسالة".
وتحوّلت المغارة أيضاً الى مكان مقدّس تتقاطر لزيارته وفود المؤمنين من كل أنحاء العالم للصلاة وتقديم النذورات بعدما أضيفت الى الخريطة السياحية الدينية العالمية.