الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

هل قلّص بايدن فرص الحرب مع إيران بضرب مقاتليها؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
الرئيس الأميركي جو بايدن - "أ ب"
الرئيس الأميركي جو بايدن - "أ ب"
A+ A-

منذ عام، وتحديداً في 29 شباط 2020، توصّلت إدارة الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب إلى اتّفاق مع حركة "طالبان" قضى بتعهّد الأخيرة عدم تأمين ملاذ لتنظيم "القاعدة" وبإجراء حوار مع كابول لتقاسم السلطة، مقابل انسحاب جميع القوّات الأميركيّة والأطلسيّة في 1 أيّار 2021.

 

 اليوم، تراجع إدارة بايدن هذه السياسة وسط خيارات صعبة. لكنّ الخيار الذي يتقدّم على ما عداه هو تأجيل الانسحاب الأميركيّ بناء على تفاوض جديد مع الحركة. مجرّد التداول بهذا الخيار حضّ أميركيّين على التساؤل عمّا إذا كانت سياسة بايدن ستشكّل استمراراً لنهج الإدارات السابقة في خوض "الحروب التي لا تنتهي" .

 

المديرة السابقة لقسم أبحاث الأمن القوميّ في مؤسّسة "راند" الأميركيّة الدكتورة شيريل بينارد، كتبت مقالاً في "ناشونال إنترست" تحت عنوان: "هل سيخضع بايدن لحزب الحروب التي لا تنتهي؟" ثمّ جاءت الضربات التي شنّتها الإدارة ضدّ ميليشيات تابعة لإيران في سوريا لتعيد تكرار السؤال نفسه. هذه المرّة، عنونَ الكاتب السياسيّ جايكوب سيلفرمان مقاله في موقع "نيو ريبابليك" بـ "رئيس جديد، الحروب الأبدية القديمة نفسها". واستشهد سيلفرمان بتغريدة سابقة للناطقة الحالية باسم البيت الأبيض جين بساكي انتقدت فيها الغارات التي شنّها ترامب ضدّ مطار الشعيرات العسكريّ ردّاً على استخدام دمشق السلاح الكيميائيّ في نيسان 2017.

 

ردّة فعل الديموقراطيّين

انتقد ديموقراطيّون في مجلسي النواب والشيوخ الأوامر التي أصدرها بايدن قائلين إنّ غارات كهذه يجب أن تحصل على موافقة الكونغرس، وإنّ ذلك ينطبق على الإدارات الديموقراطية والجمهوريّة بشكل متساوٍ. لكنّ الانتقادات الأكثر حدّة صدرت خصوصاً عن الجناح اليساريّ في الحزب الديموقراطيّ.

في حين ركّز بعض الجناح الوسطيّ على غياب شرعيّة الضربة لجهة عدم حصولها على موافقة الكونغرس، كان منتمون للجناج اليساريّ يصرّون على أنّ الضربة "لا مبرّر لها على الإطلاق". هذا ما قاله النائب عن ولاية كاليفورنيا رو خانا. وأضاف: "نحن نحتاج إلى الخروج من الشرق الأوسط، لا إلى التصعيد. لقد وقفتُ ضدّ الحروب التي لا تنتهي مع ترامب، وسأقف ضدّها حين يكون لدينا رئيس ديموقراطيّ".

 

حتى في الجناح الوسطيّ، ثمّة إشكاليّة حول مبرّرات شنّ الرئيس للغارات. يقول السيناتور تيم كاين الذي كان مرشّح هيلاري كلينتون لنيابة الرئاسة خلال حملة 2016 إنّ "الشعب الأميركيّ يستحقّ سماع منطق الإدارة وراء هذه الغارات وتبريرها القانونيّ للتحرّك من دون اللجوء إلى الكونغرس". وذكر أنّ "العمل العسكريّ الهجوميّ بغياب الظروف الاستثنائيّة غير دستوريّ من دون موافقة الكونغرس. يجب إطلاع الكونغرس بشكل كامل على هذه المسألة بسرعة وفاعليّة". وهذا يعني، بالنسبة إلى السيناتور نفسه، أنّ الدفاع عن حياة الجنود الأميركيّين، أو أقلّه تطبيق سياسة الردع من أجل حمايتهم في المستقبل، لا يقع ضمن "الظروف الاستثنائيّة".

 

نظريّة تقليديّة وانتقادات

سيُضعف الانقسام الديموقراطيّ حول الغارات في سوريا موقف الإدارة في المستقبل. ربّما تضطرّ الإدارة لشنّ هجمات جديدة ردّاً على استهداف جنودها، أكان في الشرق الأوسط، أو في ميادين أخرى. لكنّ هذه الخلافات تقيّد قدرة الإدارة على التحرّك في ظروف تتطلّب اتّخاذ قرارات سريعة. والأزمة التي يعاني منها قسم كبير من الديموقراطيّين لا تُختصر في هذا الموقف.

 

يقدّم هؤلاء ومؤيّدو الانسحاب الأميركيّ من العالم عموماً حجة تقول إنّ غارات كهذه تضاعف احتمالات الوقوع في حروب جديدة أو تعميق الغرق الأميركيّ في حروب فشلت في حسمها سابقاً مثل حربي العراق وأفغانستان. بالنسبة إلى مؤيّدي هذا البرهان – وهم موجودون في اليسار واليمين الأميركيّ أيضاً – إنّ استعراض القوّة ليس خلطة سلام بل فتيل حرب. لكنّ هذه النظريّة تُواجَه بانتقادات من سياسيّين ومؤرّخين.

 

ممثّل ترامب السابق للشأنين الإيرانيّ والفنزويليّ إليوت أبرامز يقول إنّ قاذفات بي-52 ومدمّرة "يو أس أس نيميتز" هي التي خفّضت التوتّر في الخليج العربيّ خلال الأشهر الأخيرة خصوصاً خلال الفترة التي صادفت الذكرى السنوية الأولى لاغتيال قاسم سليماني. ويرى الباحث المقيم في "معهد المشروع الأميركيّ" فريديريك كايغان أنّ استعراض القوّة عبر الأصول العسكريّة الضخمة يشكّل رادعاً لإيران لا بسبب القوّة الكامنة في صواريخها ومقاتلاتها وحسب، لكن أيضاً بسبب إظهارها وجود نيّة لدى واشنطن بالرد. إلى جانب ذلك، هنالك براهين تاريخيّة أخرى لا تتعلّق بإيران فقط تدعم وجهة النظر القائلة إنّ الغارات الأميركيّة الأخيرة لا تدفع باتّجاه الحرب.  

 

خطر رسائل الضعف

المؤرّخ العسكريّ والأكاديميّ المتميّز في "مركز العظمة الأميركيّة" وفي "مؤسّسة هوفر" التابعة لجامعة ستانفورد فيكتور هانسون يقدّم أمثلة بدءاً عن حروب اندلعت منذ الصراع بين أثينا وإسبارطة وصولاً إلى ما بعد انتهاء الحرب الباردة، لإظهار أهمّيّة القوّة في منع النزاعات بدلاً من إثارتها. واستعرض في مجلّة "أميركان غرايتنس" كيف اجتاح هتلر الاتحاد السوفياتيّ بناء على افتراض بأنّ ستالين كان منهمكاً في صراع داخليّ للتخلّص من أعدائه. لكنّه أخطأ في عدم إدراكه أنّ الاتّحاد السوفياتي امتلك جيشاً يوازي ضعفي جيشه وأنّ لديه دبّابات فتاكة تماماً كالدبابات الألمانية.

 

وشنّت النازيّة والإمبراطوريّة اليابانيّة حروبهما بعد الضعف الذي أظهره نيفيل تشامبرلين عبر استرضائه هتلر والانعزاليّة الأميركيّة في الثلاثينات. ووقعت حربا الفوكلاند والخليج الأولى بعدما كوّن جنرالات الأرجنتين وصدّام حسين انطباعات خاطئة عن أنّ بريطانيا والولايات المتحدة غير مهتمّتين بهم. في جميع هذه الأمثلة، شنّت دول ضعيفة نسبيّاً حروبها بناء على انطباعات خاطئة تسبّبت بها إشارات أرسلتها الدول العظمى عن ضعفها أو انشغالها بمشاكل داخليّة.

 

كتب هانسون مقاله قبل الغارات على سوريا وتوقّع أن يكون بايدن متّجهاً إلى حرب أراد تفاديها بسبب إشارات الضعف التي يرسلها، بما فيها انتقاده سياسات ترامب. وستنظر الصين وإيران إلى هذا الانتقاد على أنّه نابع من شخص هو "عدوّ عدوّي" وبالتالي، يمكنهما استغلال هذا "العداء" للتوصّل إلى اتّفاقات مع بايدن تحقّق لهما معظم المكاسب. لكن اليوم، وجّه بايدن بغاراته إشارة قوّة إلى الإيرانيّين. فهل تتوقّف طهران عن اختبار واشنطن قبل المفاوضات، مع ما يعنيه ذاك "الاختبار" من احتمال اندلاع حرب غير مقصودة؟

 

في ظروف عاديّة، أمكن توقّع إيقاف إيران تصعيدها ضدّ واشنطن عقب الغارات. لكنّ الانقسام الجمهوريّ-الديموقراطيّ وحتى الديموقراطيّ-الديموقراطيّ حول تعريف مصالح الأمن القوميّ ومقاربة الردع والديبلوماسيّة وإظهار هذا الخلاف إلى العلن هما مؤشّرا ضعف صادران عن واشنطن قد يدفعان طهران إلى تكرار المحاولة، وإن لم يكن في المدى القريب.

 

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم