الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

"الوضع حرج للغاية" في تونس: الأزمة السياسيّة تنذر بتعميق جراح اقتصادها العليل

المصدر: رويترز
متظاهرون يرددون هتافات خلال احتجاج ضد سعيّد في العاصمة تونس (26 ايلول 2021، أ ف ب).
متظاهرون يرددون هتافات خلال احتجاج ضد سعيّد في العاصمة تونس (26 ايلول 2021، أ ف ب).
A+ A-
كانت الممرضة أميرة السويسي بين آلاف التونسيين الذين خرجوا ليحتفلوا باستحواذ الرئيس التونسي قيس سعيّد على السلطة في 25 تموز ووعوده بمحاربة الفساد واحتواء الأسعار ومعالجة المشكلات المالية.

ولكن هذه المرأة -وهي أم لأربعة أطفال- مثل بعض التونسيين الآخرين، بدأ صبرهم ينفد الآن مع ما يقولون إنه افتقاده لخطة اقتصادية لانعاش الاقتصاد العليل من انهيار وشيك.

وتقول السويسي إن راتبها البالغ نحو 350 دولارا شهريا لم يعد يواكب ارتفاع تكاليف المعيشة مع تضخم يبلغ 6.2 بالمئة، ومن الصعب الحصول على قرض مصرفي بسبب شح السيولة.

وقالت بينما كانت تشتري بعض مقتنيات في سوق بمنطقة ابن خلدون بالعاصمة: "توقعنا انخفاض الأسعار. لكن انظر سعر الكيلوغرام من شرائح اسكالوب ارتفع في الايام القليلة الماضية من 15 دينارا إلى 19 دينارا".

وحاول سعيّد شن حملة لخفض أسعار عدة سلع. لكن خصومه وصفوا خطواته بأنها شعوبية تهدف لحصد مزيد من التأييد الشعبي، خصوصا لدى الفئات الفقيرة والمتوسطة.
 
وهاجم سعيّد في مناسبات عدة جماعات ضغط اقتصادية ومالية محلية قال انها تنهش الاقتصاد وهدفها تكديس الارباح ولو بشكل غير قانوني.

وأوقف تدخل سعيّد في تموز المحادثات التي تأخرت كثيرا مع صندوق النقد الدولي بشأن برنامج قروض كان من المتوقع أن يمهد الطريق أمام الحصول على المزيد من المساعدة الاقتصادية وتفادي حدوث أزمة كبرى في المالية العامة.

ويقول المحلل الاقتصادي معز جودي: "الوضع حرج للغاية في الاقتصاد والمالية العامة على وجه الخصوص... نحن على وشك الانهيار منذ شهور".

لكنه يرى ان الأزمة السياسية الآن وغياب أي برنامج ورؤية اقتصادية واضحة يسرّعان الانهيار الكامل.

وتوقع أن خطط سعيّد التركيز على السياسة يمكن أن تحوّل تونس لبنان آخر، والذي يعيش في خضم أزمة مالية وصفها البنك الدولي بأنها من أعمق الانكماشات في التاريخ الحديث.

ودفعت هذه الأزمة ثلاثة أرباع سكان لبنان إلى براثن الفقر وفقدت عملته المحلية 90٪ من قيمتها في العامين الماضيين.

وسعيّد، الذي أقال رئيس الوزراء، وجمّد البرلمان، ومنح نفسه سلطة الحكم بمراسيم، لم يعين بعد حكومة جديدة ولم يعلن أي خطة سياسة اقتصادية شاملة ولم يصرح كيف ينوي تمويل العجز العام وتسديد الديون.

وتوقّع محللون اقتصاديون انه من بين الخيارات أن يلجأ سعيد الى البنك المركزي لطلب طباعة عملة نقدية، محذرين من ان الخطوة ستفقد السلطات السيطرة على معدلات التضخم.
 
وسددت تونس أكثر من مليار دولار من الديون هذا الصيف من احتياطيات العملات الأجنبية. لكن يتعين عليها أيضا أن تجد نحو 5 مليارات دولار أخرى لتمويل العجز المتوقع في ميزانيتها وسداد مزيد من القروض الداخلية والخارجية.
 
ولا يزال سعيّد يتمتع بتأييد كبير من فئات واسعة من التونسيين الذين سئموا الفساد ويقولون إن يده نظيفة. لكن الشلل السياسي يضر بفرص إنعاش الاقتصاد.

ويقول رجل اسمه محمد بينما كان يجلس مع صديقين في مقهى أنه عاطل عن العمل منذ أربع سنوات ويشتكي من وضعه المادي السيئ. ويضيف محمد: "الوضع الاقتصادي هو اختبار حقيقي للرئيس. الوضع سيئ. ويتابع: "فتح الرئيس لنا باب أمل ونأمل ألا يغلقه بسرعة. يجب أن يتجنب سعيد الشعبوية. نريد أن نرى الرئيس يجتذب الاستثمارات ويوفر لنا فرص عمل. هذا ما نريده". 

‭‭‬‬الأزمات الاقتصادية
وتشير الارقام الرسمية إلى إن معدلات البطالة بلغت 17.8 بالمئة ، وسط أزمة اقتصادية غير مسبوقة في البلاد ، أدت إلى عجز مالي قياسي تجاوز 11 بالمئة في 2020.

وانكمش الاقتصاد بنسبة 8.2٪ العام الماضي بينما دفع عجز بنسبة 11.5٪ الدين العام إلى 87٪ من الناتج المحلي الإجمالي وفقًا لصندوق النقد الدولي.

لا يرى كل من الاتحاد العام التونسي للشغل ذي التأثير القوي والمقرضين الأجانب خيارات سوى استئناف التفاوض مع صندوق النقد الدولي.

وبينما تحتاج تونس الى نحو أربعة مليارات دينار شهريًا لدفع الأجور وتسديد الديون، فإن المبالغ في خزانة الدولة تبلغ 544 مليون دينار فقط، بحسب بيانات البنك المركزي الصادرة يوم الإثنين.

وساعد الغضب من الركود الاقتصادي، الذي تفاقم بسبب الوباء، في دفع دعم واسع النطاق على ما يبدو لتدخل سعيّد في 25 تموز.

ولكن سعيّد يتعرض الآن لضغوط متزايدة لمعالجة المشاكل الاقتصادية في تونس بعد أن عرّضت الأزمة السياسية المكاسب الديموقراطية التي فاز بها التونسيون في ثورة 2011 التي أطلقت شرارة احتجاجات الربيع العربي للخطر.

وقال سعيّد إن اجراءته ضرورية لإنقاذ البلاد من الانهيار ولمعالجة أزمة الشلل السياسي والركود الاقتصادي والاستجابة الضعيفة لوباء كورونا. وتعهد الرئيس التونسي الدفاع عن الحقوق مكررا أنه لا يمكن ان يكون ديكتاتوراً. 

لم يضع الرئيس أي حد زمني لانهاء استحواذه على السلطة. لكنه قال إنه سيعين لجنة للمساعدة في صياغة تعديلات على دستور 2014 وإرساء "ديموقراطية حقيقية تكون فيه السيادة الحقيقية للشعب ".

واحتشد آلاف من المتظاهرين في العاصمة التونسية، يوم الأحد، للاحتجاج على انتزاع سعيد للسلطة ودعوه إلى التنحي في أكبر استعراض للغضب العام منذ تدخله. 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم