الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

غارات بايدن في سوريا... رسائل لأكثر من طرف

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
"لن يكون هذا التصعيد خالياً من المقامرة بالنسبة إلى إيران" (تعبيرية- أ ف ب).
"لن يكون هذا التصعيد خالياً من المقامرة بالنسبة إلى إيران" (تعبيرية- أ ف ب).
A+ A-

في خطوة مفاجئاً قياساً بسلسلة المؤشّرات الصادرة عنها مؤخّراً، أمرت إدارة بايدن بشنّ غارات على منشآت لمقاتلين مدعومين من إيران شرقيّ سوريا ممّا أدى إلى مقتل 22 شخصاً من بينهم على الأقل. شكّلت العمليّة ردّاً على الهجمات الأخيرة التي شنّتها ميليشيات تابعة لإيران على مصالح أميركيّة داخل العراق.

 

قال الناطق باسم وزارة الدفاع الأميركيّة جون كيربي إنّ هذه العمليّة تحمل طابعاً "دفاعيّاً" مضيفاً أنّ الغارات دمّرت "بنى تحتية عدة تقع في نقطة حدودية تستخدمها ميليشيات مدعومة من إيران وخصوصاً كتائب حزب الله".

 

"ضعف"

في 15 شباط، شنّت مجموعة تطلق على نفسها اسم "سرايا أولياء الدم" هجوماً على قاعدة عسكرية أميركية في إربيل قُتل على إثره متعاقد مدنيّ يعمل مع واشنطن إضافة إلى جرح أميركيّ وأشخاص آخرين. جاء ردّ واشنطن فاتراً في البداية. تعهّد وزير الخارجيّة الأميركيّ أنطوني بلينكن العمل مع إقليم كردستان لكشف ملابسات الحادث الذي "أغضب" الولايات المتحدة كما قال. وأصدرت الناطقة باسم البيت الأبيض جين بساكي بياناً ذكرت فيه أنّ الإدارة وبايدن "يحتفظان بحق الردّ بالطريقة والوقت اللذين يختارانهما". وفي حديث إعلاميّ لاحق، قال بلينكن إنّه يجب انتظار التحقيقات لمعرفة هويّة المعتدين.

 

رأى معارضو الإدارة أنّ انتظار التحقيقات يعني تهرّبها من تحميل إيران مسؤوليّة الهجوم بما أنّها تتطلّع إلى عدم إغضابها قبل التفاوض حول الاتّفاق النوويّ. في هذا الوقت، تعرّضت قاعدة بلد الجوية العراقيّة لقصف آخر السبت الماضي. ويوم الاثنين، سقطت صواريخ بالقرب من السفارة الأميركيّة في بغداد.

 

في اليوم نفسه، أطلق الناطق باسم وزارة الخارجيّة نيد برايس تحذيراً قال فيه "إنّنا أعلنّا في السابق أنّنا سنحمّل إيران المسؤوليّة عن هجمات وكلائها"، مضيفاً أنّ اعتداءات عدّة استخدمت "أسلحة إيرانيّة الصنع" و"إيرانيّة الإمداد". ظلّت التصريحات الأميركيّة الرسميّة معبّرة عن "ضعف" في التعامل مع إيران، وفقاً لمعارضي الإدارة.

 

قبل الردّ العسكريّ الأميركيّ، حذّر النائب السابق لمستشار شؤون الأمن القومي في ولاية ترامب إليوت أبرامز الإدارة الحالية من أنّها إذا اكتفت بالرد الكلاميّ على الهجمات في العراق فستُظهر للإيرانيين أن هذه الهجمات غير مكلفة. وسيستقي المسؤولون في طهران درساً وحيداً مفاده أنّ رغبة واشنطن بالعودة إلى الديبلوماسية ستسمح لهم بتعريض أرواح الأميركيين للخطر. وذكر أيضاً أنّ عدد الهجمات ضدّ المصالح الأميركيّة انخفض بشكل كبير بعد تشرين الأوّل الماضي، لأنّ ذلك تزامن مع خوف إيرانيّ من استفزاز ترامب وتعزيز شعبيّته في الانتخابات. وهذا يؤكّد بحسب رأيه أنّ طهران تقف خلف هذه الهجمات بصرف النظر عن المجموعة التي تتبنّاها.

 

رسالة ودّيّة إلى بغداد

بعد العمليّات العسكريّة الأميركيّة، أوضح كيربي أنّ الردّ جاء "متكافئاً" وبالتوازي مع "إجراءات ديبلوماسيّة ولا سيما مشاورات مع شركاء" التحالف الدوليّ ضدّ داعش. وأكّد أنّ الرسالة من وراء الغارات توضح أنّ "الرئيس بايدن سيحمي القوات الأميركيّة وقوات التحالف"، مشيراً إلى أنّ الإدارة اعتمدت ردّاً "بطريقة محسوبة من أجل تهدئة الأوضاع في شرق سوريا والعراق". ونقلت "سي أن أن" عن مسؤول في وزارة الدفاع قوله إنّ قرار قصف مواقع المسلّحين التابعين لإيران صدر من أعلى الهرم نزولاً إلى القاعدة، في إشارة إلى أنّ بايدن أصدر أمر العمليّة العسكريّة.

 

رأى المحلّل السياسيّ في هيئة الإذاعة البريطانيّة "بي بي سي" بول آدمز أنّ الرسالة من وراء القصف أهمّ من القصف نفسه. شكر وزير الدفاع الأميركيّ الحكومة العراقيّة على مساهمتها في جمع المعلومات الاستخباريّة. ولم تقع الهجمات على الأراضي العراقيّة بما يجنّب الحكومة الإحراج أمام استهداف سيادتها. وهذا الموضوع يرسم تمايزاً حادّاً عن النزعة الأحاديّة المفرطة في التحرّك التي أظهرتها الإدارة السابقة.

 

تواجه حكومة رئيس الوزراء العراقيّ مصطفى الكاظمي انتخابات نيابيّة مبكرة في تشرين الأوّل، كما تواجه صعوبات في تطبيق إصلاحات اقتصاديّة واجتماعيّة وأمنيّة. إنّ ضربة عسكريّة على الأراضي العراقيّة أمكن أن تضاعف التحدّيات الداخليّة أمام الحكومة المركزيّة.

 

كيف ستقرأ طهران الرسالة؟

على الرغم من أخذ المصالح العراقيّة بالاعتبار، يمكن ملاحظة أنّ الردّ الأميركيّ لم يأتِ في الداخل السوريّ بل بالقرب من الحدود مع العراق وعلى الطريق الاستراتيجيّ الذي يربط طهران بالمتوسّط إلى جانب مدينة البوكمال. وهذا يعني أنّ النفوذ الإيرانيّ الإقليميّ يقع في خطّ الاستهداف المباشر طالما أنّ طهران تستغلّه لتعريض الأميركيّين للخطر.

 

الرسالة الثانية التي وجّهتها إدارة بايدن إلى طهران بحسب آدمز هي "أنّ رغبتنا بالجلوس والتحدّث (حول الملفّ النوويّ) لا تعني أنّ بإمكان وكلائكم في المنطقة أن يفعلوا ما يريدون". إذا كانت هذه الرسالة صحيحة، وهي كذلك على الأرجح، فمن غير الواضح مدى رغبة الولايات المتّحدة بالالتزام بها في المستقبل. يمكن أن تصعّد إيران "اختباراتها" للإدارة الحاليّة حتى تضعها بين خيارين: إمّا القبول بالعودة إلى الاتّفاق النوويّ بشروط طهران، أو تحمّل هجمات وكلائها في المنطقة.

لن يكون هذا التصعيد خالياً من المقامرة بالنسبة إلى إيران، خصوصاً أنّ ذلك يعني احتمال تأخير الجلوس إلى طاولة التفاوض وبالتالي تأخير رفع العقوبات. لكنّ هذه الاختبارات قد تكون أساسيّة لطهران كي تتلمّس حجم التنازلات التي بإمكان طهران انتزاعها من واشنطن. بالمقابل، يمكن أن تنجح المقامرة الإيرانيّة إذا كانت الأخبار الآتية من الولايات المتحدة عن عزم الإدارة تحويل اهتمامها إلى شرق آسيا صحيحة. إنّ توجّهاً كهذا يضعف الإرادة الأميركيّة في بذل استثمار سياسيّ وعسكريّ كبير في الشرق الأوسط لتقييد إيران.

 

طرف ثالث

يبدو أنّ إيران والعراق لم يكونا البلدين الوحيدين المعنيّين برسائل بايدن. أبلغت الولايات المتحدة روسيا بهجماتها داخل سوريا قبل فقط أربع أو خمس دقائق من انطلاقها. لم يكن وزير الخارجيّة الروسيّ سيرغي لافروف راضياً عن العمليّة. وقال أمام مجموعة من المراسلين في موسكو إنّ هذا النوع من الإشعارات لا يفيد بشيء عندما تكون الضربة في طريقها للتنفيذ". وكرّر إشارته إلى أنّ وجود الولايات المتّحدة في سوريا "غير شرعيّ" داعياً إلى تواصل أفضل مع إدارة بايدن.

 

ستنتهز الإدارة الحاليّة أدنى فرصة متاحة لتوجيه رسائل حازمة إلى روسيا في محاولة لقلب السياسات الترامبية التي تصفها بـ"المهادِنة" تجاه موسكو. ومع الاتهامات الأميركيّة لروسيا بالوقوف خلف عمليّة قرصنة ضخمة لوزارة الدفاع ومؤسّسات رسميّة أخرى السنة الماضية، ستتضاءل إمكانات تخفيف التوتّرات بين الطرفين. ولعلّ الاكتفاء بفترة الخمس دقائق لإنذار روسيا بعمليّتها العسكريّة هو رسالة من بايدن إلى موسكو مكتوبة تحت عنوان "الأمر لي". مدى تشبّث بايدن بهذا العنوان، مع موسكو ومع آخرين، يبقى قيد المتابعة.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم