الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

محاولة اغتيال الكاظمي بين حسابات بايدن وإيران

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
محاولة اغتيال الكاظمي (أ ف ب).
محاولة اغتيال الكاظمي (أ ف ب).
A+ A-

توجّهت الاتّهامات الأولى في محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى الفصائل المقرّبة من إيران والمنضوية في الحشد الشعبيّ بسبب التهديدات المتصاعدة ضدّه وضدّ حكومته كمّاً ونوعاً منذ شهر وحتى اليوم. حتى الكاظمي الذي أطلّ في كلمة مباشرة على العراقيين لطمأنتهم على سلامته والدعوة إلى الهدوء وضبط النفس، لمّح إلى أنّ تلك الميليشيات هي المتورّطة في الهجوم. فهو قال إنّ الصواريخ والمسيّرات الجبانة "لا تبني أوطاناً".

ونقلت وكالة "رويترز" عن مسؤولين أمنيّين أنّ الهجوم بطائرة مسيّرة على منزل الكاظمي "نفّذته جماعة مسلّحة واحدة على الأقلّ مدعومة من إيران". ونقلت الوكالة عن مصادرها قولها إنّ الجماعة المعنيّة استخدمت في الهجوم طائرات مسيّرة ومتفجرات إيرانية الصنع. وقال الكاظمي لاحقاً إنّ هؤلاء المتورّطين "نعرفهم جيّداً وسنكشفهم".

 

تهديدات بالجملة

شهد العراق اضطرابات داخليّة بسبب رفض الفصائل الموالية لإيران نتيجة الانتخابات التشريعية التي أجريت في العاشر من الشهر الماضي بعد خسارتها أكثر من 30 مقعداً. وأطلق مسؤولون في فصائل "الحشد الشعبيّ" الممثّلة بـ"تحالف الفتح" تهديدات عدّة بشأن ضرورة التراجع عما أسموه بـ"تزوير" نتائج الانتخابات. ووضعوا هذا "التزوير" في إطار استهداف أميركيّ لـ"الحشد الشعبيّ". على سبيل المثال، هدّد القياديّ في "تحالف الفتح" أبو ضياء البصري أواسط تشرين الأوّل المفوّضيّة العليا للانتخابات بضرورة أخذ "الدليل القاطع والدامغ" حول "التزوير" بالاعتبار، تحت طائلة "أن يكون لنا موقف آخر".

ووصف المتحدّث باسم "كتائب حزب الله" أبو علي العسكري نتائج الانتخابات بأنّها "عربون ذبح" الحشد الشعبيّ مشيراً إلى أنّ "على الإخوة (في الحشد) أن يحزموا أمرهم وأن يستعدّوا للدفاع عن كيانهم المقدّس". ووجّه الحشد الشعبيّ تظاهرات مناهضة إلى "المنطقة الخضراء" للاحتجاج على تلك النتائج فتصادم المحتجّون وقوّات الأمن ممّا أدّى إلى مقتل متظاهرَين على الأقلّ وجرح عدد آخر يوم الجمعة. وانتشر مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعيّ يظهر تعهّد الأمين العام لـ"عصائب أهل الحقّ" قيس الخزعلي بـ"محاكمته" (الكاظمي) محمّلاً إيّاه المسؤولية عن "دماء الشهداء". جاء هذا التعهّد قبل ساعات من محاولة الاغتيال.

 

المواقف بعد محاولة الاغتيال

بعد الهجوم، خفّف الخزعلي من حدّة لهجته تجاه رئيس الوزراء لكنّها حملت مع ذلك بعض التشكيك في جدّيّة محاولة الاغتيال. وكتب بياناً جاء فيه أنّه "... إذا لم يكن (الهجوم) انفجاراً عرضياً أو ما شابه، وكان استهدافاً حقيقياً، فإنّنا ندين هذا الفعل بكلّ صراحة" واصفاً العمليّة بأنّها "محاولة لخلط الأوراق لمجيئها بعد يوم واحد على الجريمة الواضحة بقتل المتظاهرين والاعتداء عليهم وحرق خيمهم". وأضاف الخزعلي: "نذكر أنّنا قد حذّرنا قبل أيام قليلة، من نيّة أطراف مرتبطة بجهات مخابراتية بقصف المنطقة الخضراء وإلقاء التهمة على فصائل المقاومة".

ولاقت "كتائب حزب الله" الخزعلي في التشكيك بجدّيّة الاستهداف، لكن على مستوى أكبر من السخرية والحدّة. ففي بيان صادر عن أبي علي العسكري، وجدت "كتائب حزب الله" أنّ هنالك طرقاً "أقل تكلفة" لإيذاء رئيس الحكومة في حال برز هذا الهدف متّهمة إيّاه بـ"لعب دور الضحية". وأضاف البيان: "فليلعنك الله أنت ومن يساعدك".

لم تكن نتائج الانتخابات النيابيّة الأخيرة العامل المقلق الوحيد لفصائل الحشد الشعبيّ. فرجل الدين العراقيّ مقتدى الصدر كان يجول على القوى السياسيّة غير المقرّبة من إيران للتفاوض على تشكيل الحكومة. وبعد الانتخابات التي خرج فيها تحالفه (سائرون) بالعدد الأكبر من المقاعد، دعا الصدر إلى حصر السلاح بيد الدولة قائلاً إنّه "يُمنع استخدامه خارج هذا الإطار، وإن كان ممّن يدّعون المقاومة". وفي الكلام عن "ادّعاء" المقاومة انتقاد قاسٍ آخر للفصائل الموالية لإيران. وبعد محاولة الاغتيال، أجرى الصدر اتصالاً تضامنيّاً بالكاظمي واصفاً المتورطين في "الهجوم الإرهابي" بـ "قوى اللادولة".

 

إيران متورّطة مباشرة؟

فيما تتوجّه أصابع الاتّهام الأوّليّة إلى الفصائل الموالية لإيران بمحاولة الاغتيال، تنتشر تساؤلات عمّا إذا كانت إيران صاحبة القرار الأساسيّ في هذا الهجوم. نظريّاً، يصعب على إيران الإقدام على خطوة كهذه يمكن أن تفاقم ما تعاني منه منذ فترة على مستوى تراجع شعبيّتها داخل العراق. والأهمّ أنّ هذه الخطوة ستقلّص احتمالات إنجاح عودتها إلى طاولة المفاوضات النووية في فيينا. فهي أعلنت الأسبوع الماضي أنّها ستعود إلى المحادثات في 29 تشرين الثاني الحاليّ. ومحاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي لن تقرّبها من الغربيّين، حتى ولو لم تكن تنوي الالتزام بالعودة إلى طاولة التفاوض. فإمساكها بأكبر قدر ممكن من الأوراق في مواجهة الضغوط الغربيّة يفرضها عليها عدم تخريب العراق في الوقت الحاليّ. وربّما ترى أنّ استهداف القوات الأميركيّة في العراق أقلّ كلفة عليها من استهداف رئيس حكومة يحظى بدعم دوليّ واسع، بدءاً من الولايات المتحدة وصولاً إلى الصين مروراً بأوروبا (وخصوصاً فرنسا).

على أيّ حال، هذا ما يعتقده زميل "برنامج ستايتكرافت الأميركي" التابع لـ"مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي" الدكتور مورغان كابلان في تعليق لـ"النهار":

"ربّما يكون لمرتكبي محاولة الاغتيال الوقحة لرئيس الوزراء العراقي صلات بإيران، لكن من غير المرجّح أن يكون الهجوم نفسه قد صدر بأوامر أو موافقة من طهران. من المحتمل أن تكون أصول الهجوم مبادرة محلية مدفوعة بمزيد من المصالح الضيقة".

 

هل تتغيّر حسابات بايدن اليوم؟

علاوة على الأسباب السابقة، يمكن أن يؤدّي اغتيال الكاظمي إلى إطالة بقاء الأميركيّين في العراق، وهذا ما لا ترغب به إيران. لقد دانت واشنطن سريعاً محاولة الاغتيال، إذ وصفها الناطق باسم وزارة الخارجية نيد برايس بأنّها "عمل إرهابي واضح" معرباً عن ارتياحه لعدم تعرّض رئيس الوزراء للأذى. ولاحقاً، كرّر الرئيس الأميركي جو بايدن الارتياح نفسه مشيداً بأداء الكاظمي في الدعوة إلى ضبط النفس. وشدّد بايدن على أهمية "حماية مؤسسات الدولة وتعزيز الديموقراطية التي يستحقها العراقيون بشدّة".

ليس واضحاً ما إذا كان حدث الأحد قادراً على تغيير مسار الإدارة بالانسحاب تدريجيّاً من الشرق الأوسط. لقد سادت مخاوف كثيرة من أن يكون العراق المحطّة التالية للولايات المتحدة بعد أفغانستان لناحية التخلّي عن حلفائها في المناطق المضطربة. وسبق لواشنطن أن خفّضت عدد قواتها في العراق وحوّلت الجزء الباقي إلى الدور الاستشاريّ.

الحديث عن الديموقراطية يستوجب إدراك مدى هشاشتها في الدول التي عانت من نزاعات كبيرة كما هي الحال مع العراق. وعلى الرغم من تحقيق الأخير تقدّماً على مسار بناء الدولة، لا يزال بعيداً من تأمين الاستقرار السياسيّ المستدام. مع ذلك، قد لا تؤثّر محاولة الاغتيال على السياسة الأميركية الكبيرة في الشرق الأوسط، خصوصاً بعد فشلها.

وهذا ما يوضحه كابلان: "في حين أنّ واشنطن منزعجة بلا شكّ من التصعيد، فمن غير المرجّح أن تؤثّر محاولة الاغتيال وحدها على الحسابات العامة لإدارة بايدن بشأن وضع القوّة الأميركية في العراق مستقبلاً". يمكن ألّا يكون هذا الأمر مستغرباً. فعدم الاهتمام الأميركيّ بالشأن العراقيّ قد يكون العنوان الأوسع  المهيمن على سياسة بايدن الحاليّة بحسب بعض المراقبين.

 

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم