"القصف انهار علينا فجأة"... حكايات نجاة من غزّة: "بأي ذنب قُتِل الأطفال؟"

القصف انهار علينا فجأة فركضنا باتجاه الملاجئ أو مواقف السيّارات... كنّا بعاد شعرة عن الموت"، بهذه الكلمات وصفت الصحافية ديما علوان لـ"النهار" الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، والتي أوقفتها حالياً هدنة موقتة بين الطرفين بوساطة مصرية، إلّا أن هذا الهدوء ليس إلّا الجمود ما قبل العاصفة، وفق هواجس المدنيين.

العيش تحت "الحصار"

"هل فكّر أحدكم يوماً ماذا يعني أن تعيش تحت الحصار؟ ماذا يعني أن تحتاج إلى قطرة ماء أو حبّة دواء ولا يمكنك الحصول عليها؟ أو رؤية أحبّائك يموتون وتُسفك دماؤهم؟"، تسأل علوان وبصوتها خوف من القصف والجثث الملقاة على أرصفة غزة بدون ذنب إلّا أنّ أصحابها وُجدوا على أرض لا تعرف السلام ولا يبدو أنّها ستنعم به قريباً!


بين أنقاض الصراع المدمّر، والقصف المتواصل، خرجت الصحافية تبحث عن أخيها الذي انضمّ إلى الشبّان في المنطقة للدفاع عن الأرض، ولتقوم بواجبها المهنيّ، قبل أن تسقط قذيفة في بيتها وتدمّره وكأن القدر شاء أن يخرجها من بيتها في مثل هذا الوقت لتُكتب لها الحياة مجدّداً. تقول علوان ممازحة: "لم تُكتب لي الشهادة بعد، عزرائيل لا يخرب مملكته، ولكنني لن أتردّد ثانية لأنني أنتمي إلى هذا الوطن المحتلّ بروحي قبل هويّتي الوطنيّة، وهذا فخر أعتز به".


قصص واقعيّة تُحاكي الحقيقة

قصصهم واقعية، وحياتهم هي الحياة الحقيقية بعيداً عن محاولة البعض الترقيع، ولكن الألم والخسارة مهما تجمّلا يبقيان "كارثيين" مقارنة بالحياة التي تنعم بها باقي الشعوب.


"كنت أجلس على البرندا أنتظر وصول أطفالي من الفوتبول قبل أن تدخل شظايا الدمار في عين ابني وتتسبّب بفقدانه بصره، ولكنني لست حزينة فعلى الأقل لن يرى الدمار في غزة وسط سكوت العالم كلّه"، تروي أم خليل لـ"النهار" ما حصل مع ابنها الجمعة الماضي، وأدّى إلى خسارته لنظره موقتاً حسبما طمأنها الأطبّاء.

"أكثر من 3 ساعات والولد ينزف ويترجّاني شيل القزازة من عينو وأنا ابكي عليه وعلى غزة وعلى بيتنا وقللو استهدي بالرحمن يا أمي. 3 ساعات حتّى تمكنّا من الوصول إلى المشفى المكتظ بالجرحى والقتلى، ومع كل صرخة أمّ شهيد أخجل من نفسي أكثر، فعيب عليّ البكاء ما دام ابني على قيد الحياة أمام أمّ خسرت وحيدها وسندها، وتقف بشموخ قائلةً: "فداكِ فلسطيني".

لحظات مرعبة واعتقالات عشوائية

بعيداً عن المزايدات الشعبوية ومحاولات ركوب موجة القضيّة، يبقى الوجع الانساني الحاضر الأبرز، ويعطيه  عصر "السوشال ميديا" دفعاً للوصول الى الرأي العام الأكبر.

تتحدث ابتسام عيدو، من سكّان قطاع غزة  عن لحظات الحصار والاعتقالات التي حصلت خلال الهجوم الأخير قبل رفع علم الهدنة.


"كنا قاعدين بأمان الله ببيوتنا، هلق صحيح ما في شي اسمو أمان هن بس عالأقل ما كان في جثث عأطراف الطريق وبيوت مهدّمة وأصوات بكي وصريخ من كل الجهات... المهم صوب بعد الضهر بلشنا نسمع أصوات القذائف والصواريخ فكرناها عرضية بس كانت أكبر من هيك، وراح ضحيتها أكتر من 24 شهيد"، وفقاً لعيدو.


عدد القتلى قابل للارتفاع، والمحزن أن من بين هؤلاء أطفالاً ونساءً حوامل، سقطوا أرضاً برصاص غادر أو قذيفة فجائيّة.


"عند الساعة الثامنة مساءً من يوم السبت انهالت علينا القذائف وكأنّه اتُخذ القرار بإسقاط غزة، لم أتوقع أن أرى الصباح مجدّداً، فقط اكتفيت بالجلوس في موقف السيارات أسفل منزلي أراقب ألسنة النيران المتطايرة بالهواء وأنظر إلى وجوه الأطفال وأقول في نفسي: بأيّ ذنب قُتل أقرانهم؟ أليس حراماً موت ملائكة في مثل هذا العمر؟ وإن كان المجتمع العربي والدولي غائبين، فأين أنت يا الله؟".

 

من القدس، إلى غزة، ثمّ المسجد الأقصى، شهدت فلسطين مواجهات دموية الأسبوع الماضي، عُلّقت بوساطة مصرية أمس. على أرض الواقع، أكّدت وسائل إعلام إسرائيلية "أن تل أبيب لا تفكّر في شنّ هجوم واسع النطاق حالياً وهدفها الأول حماية سكانها"، فيما أشارت مصادر من حركة "الجهاد الإسلامي" في وقت سابق إلى أن "زمن الخوف قد ولّى والمواجهة هي الخيار الأصح". فما بين المواجهة المسلّحة والحرب الشاملة خيط رفيع إذا قُطع فسيُهدّد أمن المنطقة بأكلمها المتصدّعة أساساً وليس فقط فلسطين، فهل تُعاد أحداث أيار 2021 أم تنجح مصر في تكريس ضبط النفس للمدى الزمني الأطول؟