البابا العائد من العراق: رحلتي المقبلة إلى لبنان المتألم

عاد البابا فرنسيس إلى روما أمس بعد زيارة قام بها للعراق، هي الأولى لحبر أعظم لهذا البلد، الذي يعاني أعمال عنف بانتظام، فيما أعلن أن رحلته المقبلة ستكون إلى لبنان "المتألم" والذي يعيش "أزمة وجود".
 
وكان البابا قد وصل الجمعة إلى العراق، حيث جاب البلاد متنقلا من بغداد إلى الموصل، وقرقوش البلدة المسيحية في الشمال التي عانى أهلها من ويلات ارهابيي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
 
وتناول قضية أحد أقدم المجتمعات المسيحية في العالم وأكثرها انتشارا، مع المرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله العظمى علي السيستاني.
وقال البابا (84 سنة) مساء الاحد :"العراق سيبقى دوماً معي وفي قلبي" بعد أن ترأس قداساً احتفالياً شارك فيه الآلاف في ملعب في أربيل في كردستان العراق.
 
باستثناء القداس الحاشد في أربيل، لم يتمكن البابا، بسبب الوباء، سوى من لقاء بضع مئات من الأشخاص في المدن العراقية التي زارها وليس الحشود التي اعتاد لقاءها لدى الزيارات التي يقوم بها في العالم. 
 
وندد في كلماته الموجهة للبلاد، التي أعلنت انتصارها على "داعش" نهاية عام 2017، بـ "الإرهاب الذي يسيء إلى الدين"، داعياً إلى "السلام" و "الوحدة" في الشرق الأوسط، وأعرب عن أسفه لرحيل المسيحيين عن المنطقة، معتبرا أنه "ضرر لا يمكن تقديره".
 
كما أقام صلاة حضرها مسؤولون دينيون من مختلف الأطياف الموجودة في العراق منذ آلاف السنين في أور، مسقط رأس النبي إبرهيم.   
 
"أراح نفسي"        
واعلن البابا خلال مؤتمر صحافي على متن الطائرة التي أعادته إلى روما، أن اللقاء مع السيستاني "أراح نفسي". واوضح أن زيارة العراق "كانت مرهقة أكثر من الزيارات الاخرى". وقال إنه يدرك أن بعض الكاثوليك المحافظين سيرون لقاءه بالسيستاني بمثابة "خطوة واحدة من الهرطقة"، لكن أحيانا تكون المخاطرة ضرورية في العلاقات بين الأديان.
 
وقال البابا فرنسيس لـ"سكاي نيوز عربية"، إن زيارته المقبلة ستكون إلى لبنان "الذي يتألم"، كاشفا عن تفاصيل الإعداد لوثيقة أبوظبي مع شيخ الأزهر أحمد الطيب، قبل عامين.
 
وأدلى البابا بهذا التصريح لمراسل "سكاي نيوز عربية"، على متن الطائرة التي أقلته عائدا من بغداد إلى الفاتيكان.
 
وأضاف البابا :"لبنان هو رسالة... لبنان يتألم... لبنان يمثل أكثر من توازن... لبنان فيه بعض الضعف الناتج عن التنوع، بعض هذا التنوع الذي لم يتصالح، لكن لديه قوة الشعب المتصالح، كقوة الأرز".
 
ومضى قائلاً: "البطريرك (بشارة بطرس) الراعي طلب مني في هذه الرحلة أن أتوقف في بيروت. الأمر بدا لي صغيراً، هذا فتات أمام ما يعانيه لبنان... كتبت له رسالة ووعدت أن أزور لبنان، لبنان اليوم في أزمة، وهنا لا أريد أن انتقص من أحد، هي أزمة وجود. ستكون رحلتي المقبلة إلى لبنان".   
 
وثقية أبو ظبي   
وعلى صعيد آخر، كشف بابا الفاتيكان تفاصيل إعداد وثيقة أبوظبي في شباط 2019، مع شيخ الأزهر، وقال: "حضّرت مع الإمام الأكبر (أحمد الطيب) بسرية على مدى ستة اشهر، بتأن وصلاة وتفكير وتنقيح للنص".   
 
وقال: "دعني أقول إنها كانت خطوة طموحة فلنعتبرها كذلك في سبيل ما طرحته في سؤالك... من الممكن ان نقول إن هذا اللقاء هو خطوة ثانية... وهناك خطوات أخرى على درب الأخوة. وثيقة أبوظبي تركت في نفسي قلقاً وأملاً. بعدها صدرت رسالة "جميعنا أخوة"، يجب النظر إلى الوثيقتين من منظور الطريق الواحد، يبحثان في الأخوة".      
 
"ولدت من جديد"    
وسأله صحافي عما إذا كان قلقا من احتمال تعرض من أتوا لزيارته للإصابة بل والموت، فقال البابا "أدرس الرحلات على مهل. وهذا (تهديد الفيروس) من الأمور التي جعلتني أفكر (وأقول)‭‭ ‬‬ربما، ربما‭‭
‬أقوم بها".
وأضاف :"فكرت بشأنها كثيرا وكذلك صليت كثيرا. وفي النهاية اتخذت القرار بحرية. نبع من داخلي وقلت ‭‭الرب الذي يسمح لي باتخاذ قرار على هذا النحو سيشمل الناس برعايته‭‭'‬‬". ومضى قائلاً: "وهكذا اتخذت القرار بعد الصلاة والوعي بالمخاطر".
 
وقال إنه شعر بأنه "ولد من جديد" بعد "الشعور كما لو أنني كنت سجين" قيود فيروس كورونا. وأضاف أن "84 سنة لا تأتي دون معوقات"، وإنه لا يمكنه القول ما إذا كان سيحد من زياراته في المستقبل.
 
بايدن: زيارة تاريخية
وأشاد الرئيس الأميركي جو بايدن بزيارة البابا فرنسيس "التاريخية" إلى العراق، معتبرا أنها بعثت رسالة أخوة وسلام "مهمة". وكتب "أن رؤية البابا فرنسيس وهو يزور المواقع الدينية مثل مسقط رأس النبي إبرهيم، وقضاء بعض الوقت مع آية الله علي السيستاني والصلاة في الموصل - المدينة التي عانت قبل بضع سنوات من العنف وتطرف جماعة مثل تنظيم الدولة الإسلامية - يشكل رمزاً للأمل للعالم بأسره".
 
وبعدما هنأ "الحكومة والشعب العراقيين" على تنظيم هذه الزيارة "الضخمة"، جدد الرئيس الأميركي "إعجابه" بالبابا فرنسيس. 
 
وأشاد بايدن، ثاني رئيس كاثوليكي في تاريخ الولايات المتحدة بعد جون كينيدي، خصوصاً بانخراط البابا من أجل "التسامح الديني".   
 
طهران: زيارة جيدة جداً
الى ذلك، صرح الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده في مؤتمر صحافي، إن "زيارة البابا للعراق كانت زيارة جيدة جدا ومهمة".
 
ورأى أن "العراق، بشجاعة شعب العراق، وحكمة المرجعية (الدينية) والدماء الطاهرة التي سفكت في مواجهة التطرف والمؤامرات الخارجية، بلغ الآن مرحلة من الأمن، وفي مرحلة كهذه، يمكن القيام بزيارة جيدة وبناءة كهذه".
 
وأردف "رسالة هذه الزيارة... هي عراق هادئ وآمن، (هي أن) العراق عاد الى الأمان".
 
ورأى خطيب زاده أن لقاء البابا والسيستاني "أظهر الحوار بين الديانات، والتقارب بين الديانات. لم يحمل رسالة سوى الحوار، السلام، الصداقة، والتعاون بين الحضارات".
 
وساندت إيران خلال الأعوام الماضية، القوات العراقية وفصائل مسلحة قريبة منها، في المعارك  ضد "داعش"، بعد سيطرته على مساحات واسعة من البلاد اعتبارا من منتصف عام 2014.
 
وكانت غالبية الصحف الإيرانية الصادرة الأحد، رحبت باللقاء الذي جمع البابا فرنسيس والسيستاني، معتبرة أنه يشكل فرصة للسلام.