الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

بعد عشر سنين من الحرب... لا سلام في الأفق بسوريا

المصدر: النهار
سوريون في شارع مدمر في شمال شرق سوريا في الرابع من كانون الثاني 2014. (أ ف ب)
سوريون في شارع مدمر في شمال شرق سوريا في الرابع من كانون الثاني 2014. (أ ف ب)
A+ A-
بعد عقد من العنف ومأساة إنسانية جعلت الحرب السورية تطبع بداية هذا القرن، تراجعت وتيرة المعارك وحدّة القتال في البلاد، لكن الجروح لا تزال نازفة وأفق السلام غير منظور.
 
في نهاية عام 2011، بدا أن الرئيس بشار الأسد ونظامه قاب قوسين من السقوط وسط ثورات الربيع العربي التي أطاحت أنظمة عدّة حكمت بلادها لعقود بقبضة حديدية.
 
ولكن بعد عشر سنوات، لا يزال الأسد في مكانه بعد انتصار باهظ الثمن لم يوفّر فرصة حقيقية لأي مصالحة مع الشعب، وهو يمارس اليوم سيادة محدودة على أرض باتت فريسة لقوى أجنبية متناحرة. 
 
استغرق اشتعال موجة الاحتجاجات وقتا في سوريا حيث كان التظاهر محظوراً منذ نصف قرن، الى أن انتقلت اليها من تونس ومصر وليبيا. وبدت بعض التجمعات الأولى، على غرار الوقفات الاحتجاجية أمام السفارة الليبية في دمشق، بمثابة دعم للانتفاضات الجارية في بلدان أخرى، لا تحدياً مباشراً لعائلة الأسد التي حكمت البلاد لأربعة عقود. 
 
ويستعيد الناشط الحقوقي البارز مازن درويش في مقابلة عبر الهاتف مع "وكالة الصحافة الفرنسية" ما حصل قائلا :"كنا نهتف من أجل الحرية والديموقراطية كشكل من أشكال الدعم لتونس ومصر وليبيا، لكننا في الحقيقة كنا نهتف لسوريا".
 
ويقول درويش الذي اعتقل مرات عدة في سوريا، آخرها في شباط 2012 لأكثر من ثلاث سنوات قبل الإفراج عنه عام 2015 ثم مغادرته البلاد:"بات شغلنا الشاغل البحث عن الشرارة التي توصل الدور إلينا، وهاجسنا سؤال: +من هو البوعزيزي السوري+؟"، في إشارة الى البائع المتجوّل التونسي محمّد البوعزيزي الذي أضرم النار في نفسه في 17 كانون الأول 2011، وشكل ذلك شرارة انتفاضة تونس.
 
الى أن أقدم فتيان على كتابة عبارة "إجاك الدور يا دكتور"، في إشارة الى الأسد، طبيب العيون المتمرّن في لندن، على جدار في مدينة درعا في جنوب البلاد، في إشارة الى مصير نظيره التونسي زين العابدين بن علي الذي اضطر للفرار إلى المنفى، أو مصير الرئيس المصري حسني مبارك الذي استقال تحت ضغط الشارع والجيش.
 
واعتقل فتيان درعا وتعرضوا للتعذيب، مما دفع المحتجين للخروج إلى الشارع. لم يكن تاريخ 15 آذار، وهو التاريخ الذي تستخدمه "وكالة الصحافة الفرنسية" وجهات عديدة لتوثيق بدء الانتفاضة السورية، اليوم الأول للاحتجاجات، لكنه اليوم الذي خرجت فيه التظاهرات بشكل متزامن في أنحاء مختلفة من البلاد.
وتصف الصحافية والكاتبة رانيا أبو زيد اللحظة التي أملت عليها عنوان كتابها: "لا عودة إلى الوراء: الحياة والخسارة والأمل في سوريا زمن الحرب "، قائلة :"تصدّع جدار الخوف العظيم، وتحطم الصمت. كانت المواجهة وجودية، للأطراف كافة، منذ بدايتها".
 
عنف وعسكرة 
سرعان ما تحوّلت الاحتجاجات الى نزاع دام أجبر نصف عدد سكان سوريا البالغ قرابة 22 مليون إلى مغادرة منازلهم، في أكبر موجة نزوح منذ الحرب العالمية الثانية. 
وفرّ نصف النازحين خارج البلاد، وقادت قوارب الموت عدداً كبيراً منهم إلى شواطئ أوروبا، في ظاهرة كان لنطاقها الواسع تأثيراً على الرأي العام والمشهد السياسي والانتخابات في القارة العجوز. 
 
ووسط الفوضى التي ولّدها النزاع المسلح، أعلن تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، المجموعة الأكثر تطرفاً ووحشية في الجهاد الحديث، قيام "الخلافة الإسلامية" في سوريا والعراق المجاور.
 
مع عسكرة النزاع، أرسلت إيران والولايات المتحدة، الخصمان اللدودان، قوات إلى سوريا لحماية مصالحهما، كذلك فعلت تركيا. وبدأت روسيا في نهاية أيلول 2015 أكبر تدخل عسكري خارج حدودها منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، في خطوة رجّحت الكفة في الميدان لمصلحة الأسد.
 
وخلال عشر سنوات من الحرب، قُتل قرابة 400 ألف شخص، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي يواصل احتساب عدد القتلى بعد توقّف المنظمات الدولية عن ذلك منذ فترة طويلة. قُتل معظم المدنيين منهم، وعددهم الإجمالي 117 ألفاً، على يد النظام الذي واجه السكان المعارضين له بوحشية فاجأت أشد خصومه.
 
ويقول درويش :"على رغم معرفتي بالنظام، لم أتوقع أن يصل إلى هذا المستوى من العنف... لكنني كنت مخطئاً".
واستخدم النظام الأسلحة الكيميائية ضد مناطق مدنية لإخضاع جيوب المعارضة فيها. وشنّت طائراته غارات كثيفة بالبراميل المتفجّرة على مناطق مأهولة بالسكان، مخلفة الموت العشوائي. 
 
واعتمد بشكل منهجي سياسات الحصار والتجويع لإخضاع خصومه. ولم يتردد سلاح الجو في تنفيذ عدد لا يُحصى من الضربات ضد منشآت طبية.
وفي مدينة حلب، التي كانت تُعدّ العاصمة الاقتصادية للبلاد وجوهرة تراثية كونها واحدة من أقدم المدن المأهولة في العالم، تمّت تسوية أحياء عدة بالأرض. 
حوَّل قمع النظام السريع للاحتجاجات، ومن ثمّ تصاعد نفوذ الفصائل الجهادية الذي عززه الإفراج الجماعي عن مقاتلين من تنظيم "القاعدة" من السجون السورية، الانتفاضة السورية إلى حرب مدمرة.
 
سيادة منقوصة 
ويسيطر النظام اليوم على أقلّ من ثلثي مساحة البلاد، لكن المشهد ليس براقاً بالنسبة اليه لدى معاينة خريطة السيادة على حدود البلاد. 
ويوضح الباحث المتخصص في الجغرافيا السورية فابريس بالانش في تقرير نشره أخيراً أنّ القوات الحكومية "تسيطر على 15 في المئة فقط من حدود سوريا".
ويستنتج "الحدود هي رمز السيادة بامتياز، وبطاقة أداء النظام لا تزال فارغة تقريباً على تلك الجبهة".
 
وتسيطر القوات التركية والأميركية والكردية أو المجموعات المدعومة من طهران، بحكم الأمر الواقع، على ما تبقى من الحدود.
ويعتبر بالانش أن القوى الخارجية "تقسّم البلاد بشكل غير رسمي إلى مناطق نفوذ متعددة، وتسيطر بشكل أحادي على معظم حدودها". 
 
وفي بودكاست بثّته مجموعة الأزمات الدولية الشهر الماضي بعنوان "الصراع المجمّد" في سوريا، تقول الباحثة دارين خليفة "أفضل الخيارات السيئة المتاحة لدينا اليوم هو تمادي الجمود" القائم، معتبرة أنّ تجاوزه في محاولة لتسوية النزاع يمرّ عبر تحسين جذري للظروف المعيشية التي يواجهها الشعب السوري.
 
وعلى رغم أنّ العام الماضي سجّل حصيلة القتلى الأدنى منذ اندلاع النزاع مع تراجع الأعمال القتالية إلى حد كبير، مما قد يوحي أن الحرب انتهت نوعاً ما، إلا أنّ حياة سوريين كثر هي اليوم أكثر سوءاً من أي وقت مضى.
 
"أخطأنا كثيراً"
ومن دون تسوية سياسية تحت سقف الأمم المتحدة، لن تتمكن دمشق من استقطاب المنظمات الدولية والجهات المانحة لدعمها في عملية استنهاض الاقتصاد المنهك وتمويل عمليات إعادة الإعمار، في ما يبدو أن حلفاء دمشق لا يملكون موارد كافية لذلك.
 
ويقول رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي إلى سوريا جيل برتران :"سوريا واحدة من البلدان الشابة في المنطقة، ونسبة كبيرة من سكانها لم تكن قد ولدت حتى عام 2011". 
 
ويضيف :"هؤلاء الفتيات والفتيان سيصيرون شباباً في سوريا خلال خمس أو عشر سنوات، وسيريدون بدورهم مستقبلاً وآفاقاً اقتصادية وحريات سياسية لا يمكن للنظام أن يمنحها لهم إذا لم يجر اصلاحات". 
 
ويقر درويش المقيم حالياً في باريس، بأن الصورة قاتمة لكنّه يشدد على أعامان روح الثورة لن تخمد.
 
ويقول الحقوقي الذي يرأس المركز السوري للإعلام وحرية التعبير "التغييرات الكبيرة تتطلب وقتاً طويلاً وتضحيات كبرى"، مضيفاً :"لا أعتقد أن هناك ثورة انتهت أو نجحت أو فشلت بما في ذلك في مصر وتونس وليبيا... أعتقد أن العالم العربي بدأ عملية التغيير وهذه مجرد بداية".
 
ويختم مبتسماً :"كانت هذه أول ثورة نشارك فيها، لذلك أخطأنا كثيراً، نعدكم أن يكون أداؤنا أفضل في الثورة المقبلة".
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم