الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

بعد لقاء البابا والسيستاني... نداء من أجل السلام ويوم للتسامح

المصدر: النهار
البابا فرنسيس والمرجع الشيعي الاعلى في العراق آية الله علي السيستاني في النجف السبت.   (أ ف ب)
البابا فرنسيس والمرجع الشيعي الاعلى في العراق آية الله علي السيستاني في النجف السبت. (أ ف ب)
A+ A-
دخل البابا فرنسيس زقاقا ضيقا في مدينة النجف المقدسة بالعراق لعقد اجتماع تاريخي مع المرجع الديني الأعلى للشيعة في العراق آية الله العظمى علي السيستاني وزار مسقط رأس النبي إبرهيم السبت لإدانة أعمال العنف باسم الدين والتي وصفها بأنها "أكبر إساءة وتجديف".
 
سلط الحدثان المتتاليان في مكانين يفصل بينهما نحو 200 كيلومتر، أحدهما في مدينة مأهولة ذات طبيعة متربة، والآخر في سهل صحراوي الضوء على الموضوع الرئيسي لرحلة البابا المحفوفة بالمخاطر إلى العراق وهي أن البلد عانى كثيرا وأن عمليات القتل كانت تتم غالبا على أساس طائفي.
 
وقال البابا فرنسيس في أور حيث ولد النبي إبرهيم "من هذا المكان ينبوع الإيمان، من أرض أبينا إبرهيم، نؤكد أنّ الله رحيم، وأن أكبر إساءة وتجديف هي أنْ ندنس اسمه القدوس بكراهية إخوتنا. لا يَصْدُرُ العداء والتطرف والعنف من نفس متدينة: بل هذه كلّها خيانة للدين".
 
وبينما كانت رياح الصحراء تعبث بردائه الأبيض، تحدث البابا أثناء جلوسه مع زعماء مسلمين ومسيحيين ويزيديين حيث ظهر على مرمى البصر موقع الحفريات الأثرية للمدينة البالغ عمرها أربعة آلاف عام والتي تضم بناء هرمي الشكل يعرف باسم زقورة ومجمعا سكنيا ومعابد وقصورا.
 
وقبل ساعات في النجف، التقى البابا مع السيستاني في لقاء كان بمثابة لفتة قوية تدعو للتعايش السلمي في أرض عصفت بها الطائفية والعنف.
 
وأدى الغزو الأميركي للبلاد عام 2003 إلى الزج بالعراق في دائرة صراع طائفي استمر لسنوات. وعلى رغم تحسن الوضع الأمني منذ هزيمة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في عام 2017 فإن العراق لا يزال مسرحا لتصفية حسابات دولية وإقليمية، لا سيما التنافس المرير بين الولايات المتحدة وإيران والذي يدور على الأراضي العراقية.
 
والسيستاني البالغ من العمر 90 عاما هو أحد أكثر الشخصيات نفوذا في المذهب الشيعي سواء في العراق أو خارجه وكان اجتماعهما هو الأول بين البابا ومرجع شيعي أعلى.
 
وعُقد الاجتماع في منزل السيستاني المتواضع الذي يستأجره منذ عقود والذي يقع في زقاق ضيق بمدينة النجف قرب مرقد الإمام علي ذي القبة الذهبية. واضطر البابا إلى السير حوالي 30 مترا على طول زقاق للوصول إليه بعد مغادرة سيارته.
 
وشهدت زيارة البابا للعراق إجراءات أمنية مكثفة وجرى إغلاق الطرق التي سار موكبه فيها السبت أمام حركة المرور الأخرى. وتمركزت شاحنات صغيرة مثبت على متنها مدافع رشاشة بالإضافة إلى دبابات في بعض الأماكن على طول الطرق.
 
وبعد الاجتماع، دعا السيستاني القيادات الدينية على مستوى العالم إلى حض القوى العظمى على تحمل مسؤولياتها وتغليب العقل والحكمة على لغة الحرب. وأضاف أن المسيحيين يجب أن يعيشوا مثل كل العراقيين في سلام وتعايش.
 
وقال السيستاني في بيان إنه أشار إلى "الدور الذي ينبغي أن تقوم به الزعامات الدينية والروحية الكبيرة في الحد من هذه المآسي، وما هو المؤمل منها من حض الأطراف المعنيّة، ولا سيما في القوى العظمى، على تغليب جانب العقل والحكمة ونبذ لغة الحرب وعدم التوسع في رعاية مصالحهم الذاتية على حساب حقوق الشعوب في العيش بحرية وكرامة" مؤكدا اهتمامه بأن يعيش المسيحيون كسائر العراقيين في أمن وسلام.
 
لقاء الأديان
على الرغم من أن النبي إبرهيم يعتبر والد المسيحيين والمسلمين واليهود فإن لقاء الأديان الذي جرى في أور لم يحضره أي ممثل عن الطائفة اليهودية.
 
وفي عام 1947، قبل عام من إعلان قيام دولة إسرائيل بلغ عدد الجالية اليهودية في العراق حوالي 150 ألفا لكن العدد أصبح الآن يعد على الأصابع.
 
وقال مسؤول كنسي محلي إنه تم الاتصال باليهود ودعوتهم لكن الوضع كان بالنسبة لهم "معقدا" خاصة وأنهم ليس لديهم طائفة منظمة. وفي أحداث سابقة مماثلة في البلدان ذات الأغلبية المسلمة حضرت شخصيات يهودية أجنبية رفيعة المستوى.
 
وقال البابا في أور "لا يصدر العداء والتطرف والعنف من نفس متدينة: بل هذه كلها خيانة للدين. ونحن المؤمنين، لا نقدر أن نصْمت عندما يُسيء الإرهاب إلى الدين. بل واجب علينا إزالة سوء الفهم. لا نسمح لنور السماء أن تغطّيه غيوم الكراهية! كانت كثيفة، فوْق هذا البلَد، غيوم الإرهاب والحرب والعنف المظلمة وعانت منها جميع الجماعات العرقية والدينية".
 
واجتاح "داعش"، الذي حاول إقامة خلافة تشمل عدة دول، شمال العراق من عام 2014 إلى 2017 ونفذ عمليات قتل للمسيحيين والمسلمين الذين عارضوه.
وتعرضت الطائفة المسيحية في العراق، وهي واحدة من أقدم المجتمعات في العالم، للتناقص بشكل خاص حيث أصبحت تضم حوالي 300 ألف شخص من نحو 1.5 مليون قبل الغزو الأميركي عام 2003 وعنف الإسلاميين المتشددين الذي أعقب الغزو.
 
"انتصار الفضيلة"
في أور أشاد البابا بالشباب المسلم لمساعدته المسيحيين في إصلاح كنائسهم "عندما اجتاح الإرهاب شمال هذا البلد الحبيب".
 
وشكر رفح حسين باهر وهو عضو في الديانة الصابئة المندائية القديمة الصغيرة البابا على القيام بالرحلة رغم المشاكل العديدة في البلاد والتي تشمل ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا وموجة الهجمات الصاروخية والتفجيرات الانتحارية. 
 
وقال: "زيارتكم تعني انتصار الفضيلة وهر رمز تقدير للعراقيين، طوبى لمن اقتلع الخوف من النفوس".
 
كما دعا البابا أيضاً من أور إلى "احترام حرية الضمير والحرية الدينية والاعتراف بها في كل مكان"، مضيفاً :"إنها حقوق أساسية، لأنها تجعل الإنسان حراً للتأمل في السماء التي خلق لها"، في نداء مماثل للذي أطلقه خلال زيارته إلى المغرب قبل نحو عامين.  
 
وفي وقت لاحق وخلال عظة في القداس الذي ترأسه مساء اليوم السبت في كاتدرائية القديس يوسف للكلدان ببغداد، قال البابا "المحبّة هي قوّتنا، وقوّة إخوة كثيرين لنا وأخوات، عانوا هنا أيضا من الأحكامِ المسبقة والإساءات وسوء المعاملَة والاضطهادات، من أجل اسم يسوع".  وقال :"السلام ليس فيه غالبون ومغلوبون، بل إخوة وأخوات، يسيرون من الصراع إلى الوحدة"، مضيفاً "لنصلّ ولنطلب هذا السلام لكلّ الشرق الأوسط، وأفكّر بشكل خاص في سوريا المجاورة المعذّبة". 
 
وبسبب قيود فيروس كورونا تم تحديد عدد الأشخاص المسموح لهم بدخول الكنيسة بنحو 100 شخص لكن العدد شمل رئيس البلاد ووزير الخارجية ورئيس مجلس النواب وجميعهم مسلمون.
 
وأعلن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي من جهته يوم السادس من آذار "يوماً وطنياً للتسامح والتعايش في العراق" سيجري الاحتفال به كل عام. 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم