الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

حرية الصحافة في تونس إلى أين؟

المصدر: النهار
من الشارع التونسي. (االصورة عن "رويترز".
من الشارع التونسي. (االصورة عن "رويترز".
A+ A-

 

 

روعة قاسم

 

أمام ما يتعرض له الصحافيون في العالم العربي من مضايقات من أطراف عديدة، على غرار السلطة الحاكمة وأجهزتها، والهيئات التعديلية في بعض البلدان، وحتى من قبل السياسيين والمواطنين سواء أكانوا متحزّبين أو غير موالين لأي تنظيم سياسي، وذلك أثناء تأديتهم مهامهم، لسائل أن يتساءل ماذا يعني أن تكون صحافياً حراً في العالم العربي. هل يمكن للصحافي أن يكون صحافياً بكل ما للكلمة من معنى في بلدان تحتل المراتب الأخيرة عالمياً في مجال حرية الصحافة؟

وجواباً عن هذه الأسئلة تقول الصحافية التونسية أروى الكعلي في حديثها لـ "النهار العربي": علينا أن نتفق مبدئياً على أن الحرية لا تُهدى كما يقال، وإن هنالك عوامل كثيرة يجب أن تكون متوفرة ليتم اعتبار الصحافي حراً. هناك الحرية الظاهرة، بحسب محدثتنا، بمعنى أن يكون السياق السياسي والقانوني ينص على حرية الصحافيين ويسمح لهم بتناول كل القضايا دون خطوط حمر، أي لا بد من وجود مناخ سياسي لا يحاكم من يعبّر عن رأي مخالف للرأي الحاكم أو ينتقد بأي شكل السياسات المعتمدة.

وتضيف الصحافية التونسية قائلة: "لكن هنالك حرية غير ظاهرة، ففي أحيان كثيرة تكون الحرية الظاهرة مضمونة، ولكن هنالك عوامل أخرى لا تكرس هذه الحرية عملياً. بمعنى أنه ظاهرياً يمكنك أن تقول ما تريد. وينص القانون على ذلك ولكن الحقيقة هنالك ممارسات أخرى يومية مثل الرقابة الذاتية أو الخوف أو عدم النفاذ إلى المعلومة، تحدّ من هذه الحرية. يعني أقول لك يمكنك أن تتحدث عما تريد ولكن لا أسمح لك بالنفاذ إلى المصادر الرسمية مثلاً، لا أتيح لك قواعد البيانات، ولا أتحلى بالشفافية في نشر كل المعلومات التي يجب أن تكون متاحة للعموم. أنا هنا سمحت لك أن تكون حراً نظرياً ولكن عملياً ستجد نفسك مكبلاً".

وتؤكد الكعلي أن حرية التعبير مطاطة، وهناك من يعتبرها مثلاً في التجربة التونسية، شبيهة بالمارد الذي خرج من القمقم والذي لن يعود إليه يوماً، وهذا ممكن وبشدة، بحسب محدثتنا، وذلك إذا تم التمسك بالحرية والدفاع عنها رغم أن الأمور في الحقيقة ليست دائماً هكذا. وتؤكد الصحافية التونسية أن ما يخيفها ليس التضييق الصارخ على حرية الصحافة أو حرية التعبير، بل التضييق الناعم الذي لا نشعر به بالضرورة والذي يتراكم يومياً، عبر الرقابة الذاتية أو عبر عدم إتاحة المعلومة.

وتختم الصحافية والأستاذة في معهد الصحافة بتونس أروى الكعلي حديثها بالقول: "أن تكون صحافياً حراً في العالم العربي هو بالضرورة أن لا تكون هذه الحرية محدودة وتحكمها خطوط حمر سياسية أحياناً واقتصادية أحياناً أخرى مثل سلطة الإعلان على المضمون. ولكن هناك في المقابل تجارب حاولت أن تخرج من قوالب التبعية النمطية من خلال تكريس الإعلام البديل أو غير الرحبي، وهذا التعدد الذي يتحقق يكون في بعض المناسبات إيجابياً. وباختصار، ليكون الصحافي حراً فعلاً في العالم العربي يجب أن ينصّ القانون والواقع معاً على ذلك". 

وحقيقة الحال فإن هناك ظاهرة لافتة في تونس خلال العشرية الأخيرة وتتعلق أساساً بلجوء العديد من الصحافيين والكتاب والمثقفين وغيرهم إلى المدوّنات ووسائل التواصل الاجتماعي مثل "فيسبوك" وغيره للتعبير عن آرائهم وتدوين مواقفهم بعيداً عن عيون الرقابة أو السلطة، أو ما يفرضه خط التحرير أحياناً من حدود حمر قد تتعلق ببعض الملفات أو النقاط الحساسة في المجتمع والمشهد السياسي. فهذه المدونات باتت توفر مساحات للتعبير بعيداً عن كل أنواع الرقابة التحريرية وغيرها، ولكنها من جهة أخرى باتت سيفاً ذا حدّين في تونس، بالنظر إلى أن البعض يستخدمها كمساحة للنقد السلبي الذي قد يصل إلى ما يسمى بظاهرة "التنمّر" . كما أنها باتت سبباً رئيسياً لانتشار "الإشاعة" ونشر الأخبار الكاذبة  قبل التثبت من صحتها أو دقتها والتي تتعلق أحياناً بشخصيات وطنية تتهم بالفساد من دون دلائل دامغة أو أدلة ملموسة.

ويرى البعض أن وضع حرية الصحافة في تونس، ولئن شهد بعض التحسن بعد الإطاحة بنظام بن علي سنة 2011 واحتلت تونس بموجب هذا التحسن المرتبة الأولى عربياً في هذا المجال في مرات كثيرة، إلا أن الأمور بقيت على حالها طيلة العشرية الماضية ولم يتم تحقيق المزيد من الإصلاحات. كما حصلت انتهاكات عديدة لحرية التعبير والصحافة خلال فترة العشرية السوداء، ومثلت الانتهاكات الحاصلة اليوم، أي بعد 25 تموز 2021 امتداداً لتجاوزات العشرية الماضية، بعد أن شجعت الأطراف التي حكمت خلال العشرية المشار إليها وعلى رأسها حركة النهضة ضمنياً على استهداف حرية الصحافة.

فغلق قناة نسمة على سبيل المثال، جاء امتداداً لتتبعات سابقة من الهيئة المستقلة التعديلية المسماة "الهايكا" استهدفت القناة زمن حكم حركة النهضة في وقت كان فيه صاحب القناة نبيل القروي معارضاً لحركة النهضة، وحين تحالف  القروي مع الحركة الإخوانية التونسية توقفت التتبعات بقدرة قادر ليتم استئنافها مجدداً بعد خروج الحركة من الحكم. وبالتالي لا يبدو الحكم الجديد مسؤولاً عن هذا الاستهداف لقناة نسمة، خلافاً لما يتم الترويج له وطنياً ودولياً من أن استهداف القناة كان من قبل رئيس الجمهورية بسبب خلافها مع باعثها وممولها نبيل القروي الذي كان منافس قيس سعيد في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

 

وتقول الصحافية وفاء العرفاوي في حديثها لـ"النهار" إن الاعتداءات التي تعرض لها الصحافيون من قبل عناصر الأمن خلال الاحتجاجات الأخيرة هي بسبب فشل مسار العدالة الانتقالية الذي أرادته حركة النهضة انتقامياً من إرث الزعيم الحبيب بورقيبة ومن نظام زين العابدين بن علي وأشرف عليه أشخاص غير محايدين ولا يحظون بإجماع التونسيين. وتضيف بالقول : "فلو نجح هذا المسار وأشرف عليه محايدون، لتم إصلاح أجهزة ومؤسسات الدولة، ومن ذلك المؤسسة الأمنية وذلك بعد كشف الحقائق كاملة لا كما أرادتها حركة النهضة، ومحاسبة المذنبين عن حصول تلك الانتهاكات، ثم يحصل الاعتذار من الضحايا ويعوض عليهم، وأخيراً يتم إصلاح أجهزة الدولة بجعلها مؤسسات غير قمعية تحترم الحقوق والحريات".

 
 

وتضيف بالقول : "وحتى المحتجين الذين اعتدوا على الصحافيين خلال الاحتجاجات الأخيرة على قرارات الرئيس قيس سعيد والتي شهدتها العاصمة التونسية، كانت من قبل أنصار الأحزاب المعارضة لما قام به رئيس الجمهورية. حيث اتهم هؤلاء الإعلام الرسمي وتحديداً التلفزيون العمومي بالانتصار للرئيس وعدم الحياد في تغطيته للأحداث ولما شهدته تونس منذ يوم 25 تموز".

 
 

إن المنظومة الجديدة مسؤولة تحديداً عن غلق مقر قناة الجزيرة في تونس بسبب تغطيتها التي رآها البعض غير محايدة ومساندة لحركة النهضة، وأيضاً على إحالة بعض المدونين الذين استهدفوا رئيس الجمهورية على القضاء العسكري. وهو تطور رآه البعض خطيرا بعد أن اعتاد التونسيون خلال السنوات الأخيرة على انتقاد رؤسائهم بالأساليب اللاذعة والساخرة من دون أن يتحرك أي طرف للجم أفواههم. فالراحل الباجي قائد السبسي، على سبيل المثال، كان حاضراً باستمرار في برامج الدمى الساخرة التي تتعرض لسلوكه بأسلوب هزلي، وكان ينتقده الجميع في كل المنابر المتاحة وكذلك المنصف المرزوقي ومحمد الناصر.

ويبقى الأمل قائماً في المجتمع المدني التونسي الذي لن يسلم بالسهولة التي يتصورها البعض في المكاسب التي تحققت في مجال حرية الصحافة. فالخضراء لن تعود إلى الوراء في هذا المجال بتأكيدات العارفين بخصوصيات هذا المجتمع الحي الذي عرف تاريخياً بنبذ الخنوع وبجنوحه إلى التمرد على القيود. 

 

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم